السواء والاختلاف وزمن الكورونا ” كتاب يلخص تجربة حية للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى (5)

السواء والاختلاف وزمن الكورونا” كتاب للأستاذة الجامعية الدكتورة بهاء يحيى، التي سألت في مقدمة كتابها:

أو ليس ما أكتبه جدير بالقراءة؟؟؟”

بلى يا دكتورة بهاء، ما كتبته جدير وجدير جداً بالقراءة..

لماذا؟

لأنك أستمديتي حبرك من نبض القلب،  وكانت حروفك دعاء صلاة. ولأنك ببوحك أخترقتي الروح ورفرفتي في فضاءات إنسانيتنا بإتزان الصبر وحولتي مشكلتك إلى إنتصار لم يكن لك شرف نيله لولا مجيء أميرتك “زينب” لتجعل ما تعلمتيه وتخصصتي به وما تدرسينه لطلابك فعل مقدس زاد من قدرتك وقدراتك، فأنتصرتي في الميدان ونلت الوسام الأعلى، مما جعلك في رتبة رفيعة ورفيعة جداً على الأقل أمام نفسك، رغم كل العذابات والآلام التي صهرتك، فكشفت عن نفاسة جوهرك، وكنت كل البهاء، كنت بهاء الأم الأمثولة الجديرة بالإحترام..

لن أكتب عن كتابك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا” لأنني بصراحة عاجزة أن ألملم مشاعري المبعثرة، وبالتالي أترك للقارئء أن يكتشف عطمة قدرات الإنسان عندما يكون إنساناً بالمعنى الرسالة الذي جاء إلى الجياة من أجل تحقيقها، فإما الفشل وإما النجاح الذي أنعم الله به عليك، فكانت تجربتك وكان كتابك الذي كلما قرأته أجد فيه مساحة جديدة من البلاغة والعفوية والمعرفة والثقافة والإنسانية المكللة بالعلم والصبر. التي سيلمسها القارئ جلية في تحفتك “السواء والاختلاف وزمن الكورونا“…

فاطمة فقيه

الحلقة الخامسة:

 

 

متلازمة الفرح

 

متلازمة داون أو متلازمة الفرح هي حالة لا شفاء منها تلازم الفرد طيلة حياته، تدعوك لأن تمسك بيده بحنو، ان تلازم طيفه كي لا يغيب عن عينيك، بصبر كبير يجب ان يتمّ التعامل معه، عليك ان تمسك بمفتاح شخصيته، ان تعرف رغباته، مخاوفه، اهتماماته، عناده، نقاط قوته وضعفه، يجب الاحاطة بكل أبعاد شخصيته كي يصارالى تنظيم الزمان والمكان لديه، كي يفهم تنظيم الوقت والافادة منه، هذا الزمن الذي يمرّ بطيئا معه لانجاز أي عمل ولو بسيط… هذا الفرد الذي لا يؤخذ بيده تصادفه على الطريق متروكا لوحده، يتسوّل، ثيابه متّسخة، لسانه متدلّ، يثير الشفقة عليه وعلى هذا المجتمع الذي يتركه دون رعاية وفي مهبّ الشارع… كم نحن بحاجة في مجتمعنا لقوانبن تحمي هؤلاء الأفراد، ولمؤسسات تضمّهم تحت جناحيها بعيدا عن عيون الاشفاق والتعالي والتمييز، مؤسسات تشكّل البديل لأسرهم التي رفضت اختلافهم وأسقطتهم من سجلها العائلي- العاطفي فأضحى الملجأ قارعة الطريق…

وحينما ألتقي بأحدهم أتطلع صوب ابنتي الجالسة بقربي في السيارة، تستمع للموسيقى التي تحبها وترقص على ايقاعاتها، أغبطها على حمايتي لها وسعيي لاشباع رفاهيتها وأشعر بالغصّة على الذي يشبهها في الخارج،. يشبهها في الحالة وليس في المعاش، فمعاشه بائس ومهزوم، ممهور بصكّ الدونية والاختلاف، بوصمة الاعاقة مدى العمر التي حرمته من عائلة تعترف بعضويته والانتماء اليها، ومن مجتمع قد يكون سنّ بعض القوانين لحماية انسانيته، ولكن بقيت التطبيقات في مهبّ الريح…فهنيئا لك يا ابنتي بيننا في عائلة تحبك وتحترم اختلافك وتسعى لاسعادك واطلاق كل طاقاتك، تتلمّس لك خطوات المستقبل وتعقد لك شبكات الأمان، وبئسا له، هذا الآخر- مثلك، هناك في الخارج لوحده، لا حضن يضمّه، لا أنيس ولا معيل، لا حاضر له ولا مستقبل.. فكيف يا ترى تتشابهان انت وهو؟؟؟

انت تنعمين بالحب والقبول والاحتضان، هو لا يقارب هذا أبدا، انت لديك عائلة تحمل همّك وتدافع عنك، وهو رقم اضافي في عائلة لفظته إلى الخارج، انت تذهبين إلى مدرسة وتصادقين رفاقا وتتمتعين بأوقاتك، وهو رفيقه الشارع وزمرة من المنحرفين لاحقا، انت وهو في وطن واحد، وطن حقوق ابنائه المختلفين مهدورة لدرجة قد تزيد من حدّة هذا الاختلاف…

عندما ولدت يا ابنتي، ولمعرفتي بمدى المعاناة التي سوف تواجهني معك في تأمين كافة مستلزماتك في هذا الوطن، فكرت في الهجرة بعيدا، ان أترك هنا ونذهب إلى هناك، إلى بلاد تحترم حقوق الانسان وتحترم اكثر حقوق من هو مختلف، من هو بحاجة اكثر للدعم المادي والمعنوي على السواء، هناك ربما كانت طاقاتك قد تفتحت اكثر، ربما كنت حصلت على علاجات جادّة اكثر، ربما كانت مدرستك دامجة فعلا ومؤهلة اكثر.. ولكن بقينا هنا حيث الجذور، حيث العائلة، حيث الأصحاب تنسجين مع الجميع علاقات حب مغايرة، تفيض براءة وأصالة ونقاء…ابنتي وكغيرها من اطفال-الداون ونتيجة الخربطة في «الخريطة الكروموزومية» لديها، فان ذلك ينعكس في معظم أوجه سلوكها:

عدم القدرة على التعبير الكلامي كما يجب

المشي والوقوف المستقيم يشوبهما انحراف ما

بعض المشاكل في الجهاز الهضمي يستدعي مراقبة طبية بشكل دائم

عناد، تثبيتات، حركات منمطة

سلوك مزاجي حسب الوضعيات المختلفة…

سلوكيات خاصة وأخرى متشابهة مع غيرها من الأطفال مثلها، تتحكم في يومياتها وتتطلب رعاية على مدار الوقت، الأمر الذي يجعل هؤلاء الأطفال في دائرة الاهتمام الدائم مخافة أيّ انزلاق، وهذا ما يفسّر حالة التعلّق الشديد بهم، هذا التعلق يحصرهم احيانا في دائرة يصعب عليهم الخروج منها ما لم تمتد لهم يد المساعدة، فمن كثر حرصنا عليهم نسعى في الكثير من الأحيان القيام بالأعمال عوضا عنهم، وهذا ما لا يخدم نموّهم الحركي واللغوي والتفاعل الاجتماعي، فهؤلاء الأطفال بحاجة للتقليد والمحاكاة كثيرا ولأعطائهم المزيد من الوقت لأداء مهماّت ولو بسيطة، لذا يتوجب علينا الصبر وطول الأناة والتمهّل في الحصول على الاستجابات المطلوبة، لا الاستعجال في ردود الفعل أو القيام بالأفعال عوضا عنهم، مما يمنعهم من اكتساب الخبرات المطلوبة وعيش تجربة المحاولة والخطأ، التي تقوّي مناعتهم الاجتماعية وتزيد الثقة بالذات للاقدام وعدم الاحجام… وهذا الأمر بالطبع ليس سهلا لأنه عمل يومي وعلى مدار السنين، ومن الذي يستطيع فعل ذلك اكثر من الأهل وبالتحديد ربما الأم التي يجب ان تشرف على كل التفاصيل بنفسها، وأقول بنفسها لأن الطفل- الداون يستشعر وبحساسية بالغة، عاطفة الأم تجاهه واهتمامها به بعيدا عن أية مساعدة اخرى ومن اي شخص كان، وكأنّ الطفل- الداون يختبر بذلك مدى قبول الأم وحرصها عليه، فهذه العلاقة التفاعلية الصادقة ستشكّل المدماك لكل مظاهر النمو لديه، فمن أجلها سيتعلم ويتقدم، كي يرى بسمة الرضى في وجهها التي ستنعكس فرحا وحبورا لديه، وكأن لعبة خفية تدور بينهما: اعطيني حبا وحنانا وقبولا وسأعطيك مهارات وتقدما وعاطفة جامحة…فأنت أيتها الأم الحاضر الأكبر في وعي ولا وعي هذا الطفل، يرمق نظراتك، يتحسّس مشاعرك، يخجل من حزنك ويبتهج لفرحك.. مقابل ذلك عليك ايضا ان تكوني الحاضر الأكبر في حياته ومحيطه، ان تصغي له، ان تفهمي اشاراته، ان تفسّري كلماته، ان تلتفتي لهفواته، ان ترقبي تصرفاته، ان تحميه بجوارحك وان يكون حضنك جاهزا دوما لضمّه كي يتغلغل في ثنايا قلبك حيث الأمان الأكبر…

يتبع

شاهد أيضاً

سلطه المعكرونه بدون مايونيز

معكرونه اي نوع تحبوه /طماطا مقطعه ناعم /حمص/خيارمقطع ناعم /جزر مبروش /فلفل اخضر مقطع ناعم …