عيون الوطن وسياجه

 بقلم هنادي صالح اليافعي

مدير إدارة سلامة الطفل – الشارقة

لعل التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات والجهات الرسمية على مستوى العالم هو منع تسرب الرسائل السلبية، عبر المحتوى الإلكتروني الموجه للأطفال واليافعين، فهذا المحتوى يتحرك في فضاءات افتراضية لا متناهية، ويتسلل للمجتمعات ويصل للأطفال مسبباً لهم الإساءات المعنوية والفكرية عبر عشرات الآلاف من المنافذ التي يكاد يكون من المستحيل السيطرة عليها، الأمر الذي يستوجب منا أفراداً ومؤسسات أن نكون متيقظين وحذرين، فليس من المنطق أن نحمل الجهات المسؤولة هذا العبء وحدها، بل يجب أن نكون جميعاً عيون الوطن وسياجه.

بسبب هذا الفضاء المفتوح، وحركة التبادل السلعي النشطة والسريعة وتعدد مصادر المنتجات وبسبب رواج التجارة الإلكترونية، كثرت الظواهر السلبية التي تستفز فينا كل قيمة ومبدأ وخلق، وتنوعت أساليب الاختراق للمجتمعات المحصنة بتاريخها وقيمها ومنجزاتها وعلاقاتها المتينة.

لقد وصلنا في إدارة سلامة الطفل ملاحظات حول محتويات مسيئة تتضمنها الألعاب الإلكترونية وأفلام الرسوم المتحركة، إلى جانب ملاحظات حول رسائل وإيحاءات جنسية مخبئة ومموهة بأساليب يصعب اكتشافها بدون تدقيق على القرطاسية والأدوات المدرسية والملابس التي تباع للأطفال.

العامل المشترك الذي يجمع بين كل هذه الأساليب هي أنها ليست عفوية، فهي تستخدم الرسائل الخفية وغير المباشرة، لمعرفتها بأن الثقافات المحصنة لا يمكن اختراقها بالهجوم الظاهر والمعلن، ولكن بالتراكم البطيء، بالتسلل الخفي الذي يقدم السلبيات قطرةً قطرة، يدسها في أنماط حياتنا اليومية من مشاهدات متكررة، ومن أكل وشرب وملبس وممارسات عادية، في رهان على أن يصبح المشهد الشاذ عادة دارجة، وعلى أن يتحول المرفوض إلى مقبول يتعايش معه الناس بدون الشعور بالغرابة، لكننا على يقين بأن رهانهم سيخيب، فاستباحة أطفالنا ومجتمعنا وقيمنا ليس خط أحمر واحد، بل مليون خط، يقف خلفها ويحميها مجتمع الإمارات وقيادته وأخلاقياته الإنسانية والدينية.

إن مواجهة هكذا موجات، تتطلب منا أولاً، الاعتراف بالمسؤولية الشخصية لكل فرد فينا تجاه المصلحة العليا ومستقبل الوطن، فلا يجوز كما قلنا سابقاً، أن نحمل المسؤولية فقط للجهات المختصة، لأن صون الوطن وثقافته وقيمه وأبنائه وبشكل خاص أطفاله ليست قضية اختصاص، بل مسؤولية عامة يتحملها كل فرد فينا بالتساوي، وترك الأمر للجهات المختصة التي تبذل كل ما بوسعها للحفاظ علي أمننا واستقرارنا من كافة المخاطر، وتحرص على توفير كافة وسائل الرفاهية والحياة العالية الجودة لجميع الموجودين تحت رعايتها، هو بمثابة تنازل عن الواجبات الوطنية والمجتمعية في الوقت ذاته.

وهنا نشيد بقرار قيادتنا والجهات المختصة، بوقف عرض فيلم ديزني الأخير، الذي يتعارض مع الأسس الأخلاقية والثقافية القائم عليها مجتمعنا الإماراتي، فهذا المجتمع تأسس على احترام الثقافة والخصوصية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي وهنا نتذكر مقولة صاحب السمو حاكم الشارقة عند افتتاح فضائية الشارقة “ندخل بيوتكم نحن الأمناء” في تأكيد على أن القيم وخصوصيات الناس وأمنهم في بيوتهم أو مجتمعاتهم هي أمانة ولا يجوز المساس بها.

هناك مسؤولية أساسية يتحملها الأهالي، فهم وحدهم على تماس مستمر ومباشر بأبنائهم وأطفالهم، وعليهم مسؤولية الحذر والدقة شراء السلع لأبنائهم أو عند مشاهدتهم للمحتوى المعروض عبر الفضاء الرقمي وممارسة الألعاب الإلكترونية، فالأطفال لا يمتلكون المقدرة الكافية على التمييز، يحركهم الفضول وتجذبهم الغرابة. إنهم بحاجة ماسة وحقيقية لتجربة الأهالي ونضجهم، وبحاجة لأن يشعروا بأنهم يستظلون بمحبة وحرص أهاليهم عليهم، لذا يجب أن يكون دور الأهالي هنا ثابتاً ومنهجياً وليس موسمياً.

بعد مسؤولية العائلة الصغيرة، تأتي مسؤولية العائلة الكبيرة، المجتمع بمؤسساته ومنظماته وفعالياته، وهنا نقترح أن يتم التوافق على حملة شاملة ومتعددة الاتجاهات تشمل توعية الأهالي والأطفال وباقي أفراد المجتمع لرفع مستوى الحذر والتوافق على معايير السلامة الوجدانية والثقافية للأطفال، ولنكن، كما عهدنا دائماً في دولة الإمارات العربية المتحدة، السباقون إلى تنظيم حملة وطنية بهذا الحجم لنكون نموذجاً لغيرنا من المجتمعات.

إن حرصنا على القيم وسلامة ثقافة أطفالنا وشبابنا وأخلاقهم، هو حرص على منجزات الدولة التي تحققت بهذه القيم، لقد وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من تقدم بتمسكنا بثقافتنا وعقيدتنا وبقيمنا الحميدة سائد، وانفتاحنا الذي نعتز به على العالم لا يعني القبول بكل ما هو سائد ورائج، وهذا الموقف يتفق مع مواقف كافة ثقافات العالم التي من حقها أن تحمى أطفالها من الاستغلال وتحفظ أسس بنيانها الاجتماعي.

شاهد أيضاً

وليد جنبلاط واستقبال كبير في عاصمة الأم الحنون للموارنة

بقلم ناجي أمهز المقدمة وأتحدث هنا عن زعيمي هما الشهيد رشيد كرامي ووليد جنبلاط رشيد …