‘وطنٌ سراحينُ الذئابِ تسوسُهُ’

إعداد فريال مغنية

ايام الانتداب الفرنسي على لبنان، شكا الشاعر جورج جرداق احوال البلد في جلسة خاصة بقصيدة طار ذكرها بين الناس وعرفت بمطلعها: ‘وطنٌ سراحينُ الذئابِ تسوسُهُ’

فانبرى احد الحضور ووشى بالشاعر عند المستشار الفرنسيّ في مرجعيون. فاحال الامر الى ضابط شرطة (لبناني) للتحقيق معه. وعندما مثل جرداق أمام الضابط سأله: هل انت صاحب هذه الأبيات؟
فطلب جرداق الاطلاع عليها ثم قرأ:
وَطنٌ سَرَاحينُ الذئابِ تسوسُهُ
ماذا يُفيدُ لِشَعبِهِ تقديسُهُ
صَمتَ الأولى أهلُ الحصافة والنهى
وتفرَّدت بالرأي فيه تُيوسُهُ
وطنٌ بلا طولٍ ولا عرضٍ ولا
شكلٍ ولا حجمٍ، فَكيفَ أقيسُهُ

فقاطعه الضابط متسائلا:
قل لي فكيف كنت ستقيس مساحة لبنان؟
فطن الشاعر الى الحيلة فالمحقق يريد ان يوقع به وينتزع منه اعترافا تلقائيا بانه القائل، فقال: سامحك اللّه! كيف ظننت أنّني أعني لبنان؟ فساله: من قصدت اذن؟
فقال: بلاد عربستان؟
فابتسم الضابط وساله: وإذا أردت أن تختم هذه الأبيات ببيت عن لبنان، ماذا تقول فيه؟
قال جرداق:
يا حَبَّذا وطني على عِلّاتِهِ
مهما تمادى بالخنى جاسوسُهُ

القصيدة في الواقع لفؤاد جرداق شقيق جورج
(وجورج هذا بالمناسبة هو صاحب قصيدة هذه ليلتي التي غنتها ام كلثوم ولحنها عبد الوهاب) .. والطريف ان القصيدة تعرضت لتغييرات كثيرة في المطلع والابيات ولا نكاد نعثر على نسختين متطابقتين.
وهذه النسخة التي وردت في كتاب شعراء لبنانيون منسيون:

وَطنٌ سَرَاحينُ الذئابِ تسوسُهُ
ماذا يُفيدُ لِشَعبِهِ تقديسُهُ
‏وطن تطير من الأسى أرواحه
‏وتثور من جور الطغاة نفوسُهُ
‏ماذا أقول بموطن حكامه
رهبانه وشيوخه وقسوسُهُ
وعلومه اديانه وعميده
خوَّانه وزعيمه جاسوسُهُ
ربضت على الصبر الجميل اسوده
وتحكمت بالعاقلين تيوسه
خانت حماه رجاله وهي التي
امست وغربان الخراب تدوسه
وزراؤه اوزاره ورجاله
اصلاله ورئيسه مرؤوسه
وكذاك نواب البلاد نوائب
نزلت فزاد من الاذى كابوسه
قانونه جور وعلم بناته اثم
وقتل الناهضين دروسه
وطن يفضل ان يموت ابيُّهُ
وأَنوفه كي يستعز خسيسه
عبثت به ايدي الجناة كما به
دبت جراثيم الخنوع وسوسه
وطن بلا طول ولا عرض ولا
سُمك ولا جرم فكيف اقيسه
السيف ملك جبانه والمال ملك
بخيله والمومسات تسوسه
منقول