سماحة المفتي الشيخ حسين بندر: تحديّت العدو الصهيوني بصمودي أثناء الإحتلال رغم تعرضي للإضطهاد




لا تقبل الفتاوى ما لم تصدر من المرجع المخول بذلك

لرجل الدين الحق بالتدخل بالسياسة لصالح الأمة والوطن

أتمنى على دولتنا أن تحذو حذو الدول النامية فيما خص إعطاء الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية


عالم علاّمة، مجتهد في الفقه والموعظة والفلسفة، له صولات وجولات وحضور فاعل في المحافل والمنابر، عبر مناسبات شتّى، تأنس لحديثه وبلاغته وثقافته الواسعة في كافة علوم الحياة الدينية والدنيوية كما السياسية، إذا ما تطرق إليها أحيانًا، مُنفتح على كافة شرائح ومذاهب المجتمع.
مستقل في توجهاته، لا يهادن على حساب مبادئه ومواطنيته، تحدَّى العدو الصهيوني بصموده على أرض جبل عامل خلال فترة إحتلاله لجزء من جنوب لبنان، وكانت له مواقف عدائية من وجوده، مما عرضته للكثير من الإضطهاد والتوقيف خاصة من قبل عملاء هذا العدو، فلم يستسلم وأستمر في تأدية رسالته الدينية التوجيهية بالوعظ والإرشاد، هو الذي نذر نفسه لأجلها، وهو حاليًا يتولى منصب مفتي في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وحيث تسود مجتمعاتنا الكثير من الفتاوى والمفاهيم الخاطئة، إضافة لإنعدام الثقة وتدني مستوى الوعي الديني والإيمان لدى شريحة من المواطنين، فكان لا بد من اللجوء إليه للإنارة ووضع النقاط على الحروف، بما يملك من رؤية حكيمة وصوابية في النهج، كان لا بد من حوار معه، عبر صفحات مجلة وموقع “كواليس”.




*لنتعرف على سماحة المفتي الشيخ حسين بندر، وما هي المواصفات والشروط التي تتوفر في سماحتكم لمنحكم منصب مفتي، وما هي صلاحياتكم؟
–  لمنصب المفتي وجهان، الأول يتبع لمجلس الوزراء، ويصبح من ملاك القطاع العام، ويتقاضى راتبه من الدولة، والثاني يتبع لملاك المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لا يتقاضى أحيانا أي راتب أو مردود مادي، وصلاحية من هم في ملاك الدولة على مستوى نطاق القضاء في لبنان وهم مقسمين مناصفة بمعدل 11 للمذهب السني ومثلهم للمذهب الشيعي، ويفترض على المفتي أن يكون عالمًا مجتهدًا أكمل علومه ودراساته الحوزية ويمتلك ثقافة علمية في الفقه الإسلامي وإلماما في اللغة والبلاغة ويقدر على القضاء بين الناس بحل النزاعات والخلافات، كما يجوز له أخذ مواقف وإبداء آراء سياسية في ظروف قاهرة قاسية أتت على الوطن وله الحق بالرّد على أي سهام تطلق على الوطن والمواطن.

*ألا يُعتبر ذلك تدخلًا في السياسة حيث بعض رجال الدين يتدخلون في زواريب السياسة والدفاع والحماية حتى عن الفاسدين من طائفتهم؟

– أولًا: لا فصل بين السياسة والدين، ومن بعض بنود صلاحيات المفتي التدخل في السياسة بإبداء الرأي وحق الرّد على أي سهام تطلق على الوطن والمواطن.
إنما للأسف نرى البعض يحول المنابر وثقافته الدينية وتوجهاته نحو طائفته، بحيث يصبح مملوكًا لها وللمذهب والسياسة، وأقول أن تلك هي عصبية الجاهلية العمياء التي تلعب دورًا خطيرًا ويجب على المفتي أن يكون منصفًا وللبشرية جمعاء وهنا أضطر للتشبيه بوباء كورونا الذي لم يميز في خطورته بين أجناس الناس قاطبة، وبالمطلق له الحق بإتخاذ مواقف وإسداء الرأي لصالح الأمة على نحو الإجماع، وليست سياسة الأشخاص والأحزاب والطوائف والمذاهب، إنما السياسة

العامة التي تصلح للبشرية كلها ولدرء المخاطر عن المجتمع وبالأحرى عن الوطن والمواطن، وفيما خص الفتاوى من بعض المشايخ لا نقبل بها ما لم تصدر عن المرجع الأعلى المخول بذلك، وفقًا للتقليد المتبع والذي يستند إلى مصادر أربعة هي: القرآن الكريم، وسنة النبي وأهل بيته عليهم السلام، والعقل والإجماع. لكل واقعة في الحياة وكل رجل دين يقول أنا أُفتي وهي ليست من صلاحياته، فهو ليس أهلًا لذلك ولا يؤخذ بها.

*لنتطرق إلى موضوع الموسيقى والغناء والتحريم؟
– أجل الموسيقى والغناء من المحرمات في الشريعة الإسلامية، وبالقرآن الكريم لقوله تعالى (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) توجه الفقهاء ببيانها أنها تدل على الموسيقى والغناء، حيث كان من شعائر أهل الجاهلية الطرب واللهو فحرمّها الإسلام، لذا أجمع الفقهاء على حرمة الغناء وأختصرت على المدح النبوي الشريف والأناشيد الوطنية والشعر الوطني في الحرب وضرب الطبول لدب الحماس في نفوس الجنود وشحذ الهمم. وما نلحظ أن من يستبد به الطرب يصل أحيانًا ليتصرف تصرفات إباحية خارجة عن الآداب وسلوكيات المجتمع.



*ما مفهوم عذاب القبر؟
– سبق لي أن تناولت هذا الموضوع من خلال كتاب تحت عنوان: ” رسالة الموت والبرزخ” أنتشر في العالم الإسلامي في التسعينات من القرن الماضي، وتعرضت فيه لحساب القبر وهو حساب على الروح، وليس على الجسد، وقد ذكرت بعض الروايات أنه يجلس في قبره لإستقبال الإمتحانات.. وكما أسلفت بالخبر اليقين أن الحساب على الروح، إما أن تذهب إلى وادي السلام في جوار الإمام علي بن أبي طالب (ع) وهي المؤمنة. وإما الكافرة والشريرة تذهب إلى بئر برهوت في حضرموت (اليمن) إلى أن تقوم الساعة ويأتي الحساب جسدًا وروحًا. ونشترك بهذا الواقع مع باقي الطوائف، وكل من يؤمن باليوم الآخر وحتى اليهودية.

*كيف تقيّم إقبال المواطنين على سماع المواعظ؟
– المنبر بحسب صاحبه!! فإذا كان صاحبه يمتلك ناصية الكلام ويحمل أدلة صحيحة وبراهين ويتحسس أحاسيس المجتمع ويعبر عن آلامه وتطلعاته، فهو مستعد للإستماع إليه حتى آخر نفس، وإذا ما كان الطرح خاص يتعلق بحزبيته أو سياسته أو ميوله وعشيرته.. ألخ.. فهناك أناس لا يعنيها هذا الأمر بتاتًا وتصاب بالملل، وقد يمتنعون عن الحضور لهذه الأسباب..

*هل تطبق سماحتك ما قاله الرسول (ص) نُكلم الناس على قدر عقولهم؟
– لكل مقام مقال..! فرجل الدين يجب أن يكون موسوعة علمية قضى عمرًا في المطالعة والبحث، وبات يمتلك مخزونًا كبيرًا من الثقافة العامة والفقه والفلسفة والحكمة.
ونحن عندما ندعى إلى الحسينيات نُحضّر في بالنا عدة مواضيع ولدى، دخولنا القاعة ننظر إلى عامة الحضور إذا كانوا من المجتمع الديني الصرف يكون لنا خطب وعظة تناسبهم، وإذا كانوا بمجملهم من المثقفين، نأخذ موضوعًا علميًا، كذلك إذا كانوا خليطا من طوائف ومذاهب، يكون لهم خطاب ورسائل تحاكي الجميع.

*لنتحدث عن التوريث ما بين الأهل، خاصة إذا توفى أحد الورثة كالإبن الذي لديه أبناء قبل الموَّرث فيُحرم أبناؤه هذا حسب الشرع، أما من حيث القوانين المدنية فلا وجود لها، ما دوركم في هذا الجانب؟
– يقسم الإرث شرعا إلى طبقات أولى وثانية وثالثة.

الأولى تحجب الثانية ولا ننتقل إليها إلاّ بعد الإنتهاء من الطبقة الأولى، والميت بإمكانه أن يهب من يشاء وله ثلث التركة أيضًا يعطيها لمن يشاء أو يوصي بها.

الارث في الثلثين حق الورثة وأما الثلث الأخير يعود للميت، ولا يمكن للورثة المشاركة فيه، الا اذا تركه تبعا للتركة ولم يوصي به لاحد، ولدى مراجعتي من البعض لأخذ فتوى، قائلًا أنه توفى ولده ولديه أبناء وإذا توفيت أنا لا يحق لهم بالميراث.. كان جوابي له أن يعطي الثلث الخاص به لأحفاده كهدية أو هبة او يوصي لهم به، فهناك نواحي إنسانية واخلاقية.

*عن مشاكل الطلاق التي لا تحصى ولا تُعد والعصمة دائمًا بيد الرجل يتحكم بمصير زوجته في حال طلبت الطلاق؟


 – ليس كل واحدة تطلب الطلاق يستجاب لها، فهناك شروط وقوانين منها، إما أن يمتنع عن النفقة والمساكنة وسوء المعشر، فإذا ثبت أي من هذه البنود فتسقط ولاية الزوج وتطلق طلاق الحاكم، هذا بعد إقامة دعوى في المجلس الشيعي والتثبت من إدعاءاتها، فآية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد السيستاني دام ظله الذي نقلد، بحسب ما سمعت أنه أعطى الوكالة حصريًا لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بتنفيذ طلاق الحاكم وبهذه الطريقة هناك مجلس علماء لدى المجلس الشيعي الأعلى يُشخصون كل حالة ويطلعون على حيثياتها ويرفعون تقريرًا لسماحة المفتي الذي على أساسه يتم الطلاق، ومن المؤسف أن حالات الطلاق تتزايد ومن بين كل عشرة حالات طلب طلاق هناك تسعة لا مبرر لها إلا فساد وسائل التواصل الإجتماعي كالفيسبوك والواتساب وغيرها .. شيء معيب جدًا مع الأسف.

*عن الحضانة في الشرع لماذا لا يتم رفع السن للذكر والأنثى؟

– المنصوص بالفتوى لدى الإمام الخوئي (قده) سنتان ولا فرق بين الذكر والأنثى، وإذا كانت الحضانة للأب يحق للأم رؤية الأولاد والعكس صحيح حتى يبلغوا سن الـبلوغ او الرشد وعندها يخيروا أين يرغبون العيش مع الوالد أم الوالدة.

*دور سماحة المشايخ ورجال الدين في تقريب وجهات النظر لجهة إعطاء الجنسية لأبناء اللبنانية المتزوجة من أجنبي؟

– ليس لنا دور في هذا الموضوع أو صلاحية، ونأمل السير على غرار الدول الأجنبية التي تتغنى بأنظمتها.

*عن الأضاحي والتبذير في المآدب والمناسبات خاصة العزاء، ما هو رأي الشرع بذلك؟

 – أما بالنسبة للميت ما هو وارد أنه مستحب للناس من جيران وأقرباء إطعام أهل الفقيد ثلاثة أيام، وبالمطلق التبذير حرام فيما نشاهد من بذخ كبير في نوعية وكمية الطعام والفواكه والحلوى التي تقدم في المناسبات، وخصوصا التي ترمى في النفايات وحاولنا كرجال دين لأجل قطع الطريق وإخراج أهل العزاء من واجبات الطعام بأن تكون المناسبات بعد الظهر بدلًا من الصباح، لذا أعتمد أهل الساحل قاطبة إقامة المناسبات بعد الظهر نزولًا عند طلبنا بإستثناء منطقة مرجعيون.

*لا بد من هذا اللقاء من التطرق لوباء كورونا وإرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية دون حسيب أو رقيب أو تحسس بضمير، وجلهّم مِمَنْ يخافون الله.. ومؤمنون بالحج والصلاة، فأنعدمت ثقة المواطنين بهم؟

– كل ذلك يخضع لشرطين.
الأول: أن النظام الإقتصادي في البلد مفقود وغائب كليًا، وفي الدول النامية إذا ما تجرأ تاجر على رفع سعر السلعة يحاكم قانونيا فالدولة هي الوحيدة المخولة رفع السعر.
الشرط الثاني: هي القناعة فهي خير من الغنى وقد ورد : ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ولا سيما في هذه الظروف القاهرة إقتصاديا وهنا أود الإضاءة على حالة، بحيث نرى البعض يسخون في المآدب في هذه الظروف، وجيرانهم فقراء لا يملكون ثمن رغيف خبز، مما يثير الشبهات والغيبة في توجيه النقد والملاحظات لهولاء وجلّهم من الزعماء والأغنياء، وربما بعض رجال الدين، وهنا أقول: رحم الله أمرء جب الغيبة عن نفسه ومن بات شبعانًا وجاره جائعًا ليس بمسلم.

*لا بد سماحة المفتي بما تملكون من مخزون ثقافي وديني وراءه كتب ومراجع ومطالعة، فما أبرزها؟
– أكيد المطالعة والبحث شيئًا مهمًا في حياة وعمل رجال الدين لأجل الحصول على ثقافة عامة ومن مؤلفاتي المطبوعة :”رسالة في الموت والبرزخ، حضارة الأسرة المسلمة، الإسراء والمعراج، الصلاة عامود الدين”، والباقي مخطوطات منها: “داروين أمام المحكمة وأخرى فقهية تتعلق بإستنباط الحكم الشرعي، وأمارس التدريس الديني في حوزة بمنطقة كفرجوز – النبطية، وعدة مدارس عصرية في منطقة مرجعيون.

*لا بد من إستذكار مواقفكم إبان الإحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، حيث كانت إقامتكم ووجودكم؟


– أختطفت ووضعت تحت الإقامة الجبرية وتعرضت لإهانات في أكثر من مكان وأمام الناس من قبل عملاء إسرائيل، ومنعت من إقامة صلاة الجمعة، إنما صمودي الخاضع لأمرين: جرأتي وإعتقادي قوله تعالى إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وإعتمادي على الله عزّ وجل. والحمدلله لديَّ شبكة علاقات ود واحترام مع كافة الطوائف حيث نتبادل الأفراح والأطراح في أقضية مرجعيون، حاصبيا، النبطية، بنت جبيل والناقورة. وموضع ثقة واحترام وتقدير

*في ختام هذا اللقاء من كلام تود ذكره؟
–  ما ألاحظه أن المجتمع ضعف دينه وقل إيمانه وقل إعتبار ما نزل من السماء باحكامه وما أفسد المجتمع هو البعد عن تشريع السماء ورئيس المفسدين التواصل الاجتماعي عبر هذا الهاتف المحمول بين يدي أفراد المجتمع وهو بمثابة الحرامي يدخل البيوت على أعراض الناس وخصوصياتهم، حيث أنعدمت الثقافة والتحادث .
والشكر لكم على هذا اللقاء الشيق للإنارة على مواضيع دينية وثقافية واجتماعية.


فؤاد رمضان

شاهد أيضاً

في أجواء سورة الجمعة

✒️ المرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله. 📖 تفسير من وحي القرآن . _________ …