فنان في رمضان (٣)



عبدالوهاب (٢/٢)

لم يملك ثمن الإفطار في باريس

ويشرب مقلباً بدل القمر الدين

زياد سامي عيتاني*

كان نجوم الزمن الجميل يحرصون على التواصل دائما ويجتمع بعضهم فى شهر رمضان، ويحملون للشهر الكريم العديد من الذكريات والمواقف التى حدثت لهم في حياتهم ولا ينسوها  ويتحدثون عنها كلما استرجعوا مشوار حياتهم.

ولموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب العديد من تلك المواقف والنوادر التي حدثت له فى شهر رمضان، نتناول بعضها كما وردت في حوارات قديمة ونادرة له:

•لم يملك ثمن الإفطار في باريس:
صادف وجود موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في باريس، وحل عليه شهر رمضان المبارك هناك، حيث حصل معه موقف لا يحسد عليه، إذ نفدت نقوده في وقت كان ينتظر فيه أن يصرف له شيكاً بحوزته.
وقد أوى عبد الوهاب إلى فراشه وليس معه سوى 20 فرانكاً، وكان الجنيه المصري وقتها يساوي مائتى فرانك، أي أنه لم يكن يملك سوى 10 قروش، ولكنه كان مطمئناً أنه سيذهب فى الصباح لصرف الشيك الذي معه، فأوصى عامل الفندق أن يوقظه باكراً حتى يستطيع صرف الشيك قبل موعد إغلاق البنك”…
ولكن حصل ما لم يكن بحسبانه، إذ أن عامل الفندق تأخر فى إيقاظه وبعد أو وصل للبنك وجده قد أغلق أبوابه.
فكانت كارثة بالنسبة له، وأعقد موقف وأكثره إحراجاً قابله في حياته! فهو صائم وليس بحوذته ثمن إفطاره، إذ كيف سيفطر في هذا اليوم من أيام رمضان؟! فراح يتجول فى مقاهي باريس عسى أن يجد صديقاً يعرفه ليقترض منه مبلغاً من المال، ولكنه لم يعثر على أحد!!!
وبعدما أقفلت في وجهه، اخذ طريقه في اتجاه “جامع باريس”، حيث كان بجواره مطعم شرقي يملكه أحد المصريين، وكانا يعرفان بعضهما، ولكن المفاجأة غير المتوقعة أن صاحب المطعم لم يكن موجودا، ورغم ذلك جلس على المائدة بعد ان اقترب موعد الإفطار وطلب طعاماً كثيراً، وهو على ثقة أنا صحاب المطعم سيصل ويحل مشكلته.
غير أن صاحب المطعم لم يصل، وظل عبدالوهاب يتلكأ فى تناول الطعام حتى لفت انتباه جميع الحاضرين، وعندما يئس من حضور صاحب المطعم، نادى على كبير العمال بالمطعم وكان مصرياً، وشرح له موسيقار الأجيال المأزق الذي وقع فيه، وخلع ساعته ومعطفه وطلب منه أن يتركهما رهناً حتى يعود في اليوم التالي بقيمة المستحق عليه من أموال.
لكن العامل كان كريماً جداً ، وقال له إن حسابه مدفوع من أول لحظة دخل فيها المطعم، بل أخذ منه الشيك ودفع له قيمته حتى يستطيع أن يتحرك ومعه المال الذي يكفيه، على أن يصرفه فى اليوم التالي.
عندها شعر عبد الوهاب بأنه أنجده وأزال عنه كل ما حمله من هموم، وبالفعل أخذ المال ودفع بقشيشاً محترماً لكل عمال المطعم…
****
•فريد يشربه مقلباً بدلاً من ابقمر الدين:
وفي أحد الأعوام دعا فريد الأطرش عددا من زملائه للإفطار وكان بينهم محمد عبدالوهاب، وكان المشروب الوحيد فى السهرة هو مشروب قمر الدين، وكان من بين المدعوات فتاة جميلة تطوعت لتوزيع المشروب، وما إن وصلت الفتاة إلى موسيقار الأجيال لتقدم له المشروب حتى تعلقت عيناه بها وظل يراقبها بنظراته وهو يرشف كوب العصير، ومن شدة إعجابه بجمال الفتاة طلب كوباً آخر من العصير حتى تقف الفتاة أمامه مرة ثانية، فما كان من فريد الأطرش الذى كان يتابع الموقف من بعيد إلا أن ذهب لخادمه عبده وأوصاه بتقديم كوب العصير لعبدالوهاب.
وفوجئ موسيقار الأجيال بيد خشنة تقدم له العصير فنظر ليجده عم عبده الذى يتناقض تماما مع رقة وجمال وجه الفتاة، فأغمض عبدالوهاب عينيه وصاح غاضباً:” مين ؟..أنا.. لا أن مابحبش قمر الدين .. حالف ماشربوش”.
وهنا لم يتمالك فريد الأطرش نفسه من الضحك بعد أن شرب عبدالوهاب المقلب بدلاً من أن يشرب عصير قمر الدين.
****
•”الطفلة” فاتن حمامة تفضح إفطاره:
من طرائف الكواليس في رمضان، أن حضرت الفنانة فاتن حمامة في وقت كان الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب يسجل أغنية للفيلم المشترك بينهما، وقد ظهر عليه التعب الشديد في نهار رمضان، وطلب منه المخرج أن يعيد الغناء عدة مرات، فسألته فاتن عن سر الإعادة فقال لها عبدالوهاب: “لا أستطيع أن أؤدي بشكل جيد لأني صائم”، وأخبرته فاتن بأنها هي الأخرى صائمة وسعيدة بذلك.
وفي اليوم التالي للتصوير حضرت فاتن مع والدها مبكراً ووجدت عبد الوهاب يجلس وأمامه منضدة في إنتظار بدء التصوير، جلست بجانبه وبعد قليل أحضر أحد العمال صينية عليها كوب شاي وقطعة كاتوه، ووضعها أمام عبد الوهاب، وهنا صرخت الطفلة فاتن بصوت عالٍ : “إيه ده! إنت فاطر؟!”، إرتبك عبد الوهاب من الصدمة وإحراجها له بعفوية، وقال لها: “اليوم فقط يا أنيسة، علشان أعرف أكمل باقي المشاهد”.
****
•طباخه يخدعه فى أسعار الخضار:
يعرف الكثيرون عن الفنان الراحل وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أنه يدقق فى التفاصيل الصغيرة، بل وربما كان يهتم بها أكثر من الأمور الأهم، فضلاً عن أنه كان “إبن نكتة” ودائما ما تخرج منه “الايفيهات” خاصة إذا كان يجتمع مع أصدقائه .
عبد الوهاب كان دائماً محب للإستماع الى الراديو وتحديداً للبرامج الخدمية مثل “التسعيرة”، وقد حاول “الطباخ” الخاص به أن يخدعه فى أحد أيام رمضان، حيث خرج الطباخ فى أحد الأيام لشراء مجموعة من الخضراوات والفاكهة”ولم يكن على علم أن عبد الوهاب يتابع “التسعيرة”، يوميًا في الإذاعة.
وحينما عاد الطباخ من الخارج سأله عبد الوهاب عن الأسعار، فبدأ الطبّاخ بسعر الطماطم فوجدها بسعر أغلى من أسعار الإذاعة بقليل فلم يعترض، وإستمرت قائمة المشتريات حتى تأكد عبد الوهاب أنه كالعادة يزيد من أسعار الطلبات.
فقال عبد الوهاب بخفة ظله ومرحه المعروف وايفيهاته المضحكة: “قول الحقيقة علشان الكذب في رمضان عقوبته أشد”، فما كان من الطباخ إلا أن استمر فى كذبته، فقال له عبد الوهاب:  “إشتري بعد كده الحاجة من الإذاعة عشان منختلفش مع بعض”.
****
-يتبع: محمد فوزي
*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

أيام قليلة تفصلنا عن حسم الصراع في قطاع غزة إما الحرب وإما تسليم نتنياهو بواقع غزة المقاوم

كَتَبَ إسماعيل النجار وتمضي الليالي وتمُر الساعات وجميع القوى المتصارعه تغرق في عالم الحسابات الدقيقة، …