لبنان الكيان بين سعادة وجبران ٠٠٠

بقلم المهندس عدنان خليفة

ولكي نعرف تركيبة لبناننا اليوم لا بد أن نعود إلى التاريخ الذي لم يُكتب٠٠ وليس هذا الذي خط بيد المنتصر الداخلي قبل الخارجي شعراً وشعارات٠٠ وخاصة بعد الإعدام السياسي لأنطون سعادة بسبب الصراع الوجودي الكياني٠٠٠
وفي مطلع القرن العشرين وقبل هزيمة تركيا حليفة المانيا في الحرب العالمية الأولى ٠٠ كانت بلاد الشام أو الهلال السوري مقسماً إلى ولايات (سنجق) يديرها ولاة من السلطنة العثمانية٠٠ وبعضها مع حكم ذاتي كما في جبل لبنان المسيحي المدعوم من فرنسا والدرزي المدعوم من بريطانيا ٠٠ او سيادي محلي مقاوم من الاقليات المذهبية او الإثنية مع بطش عثماني كالارمن والأكراد وكما في منطقة نجد السعودية العربية الوهابية (والتي كانت مدعومة من الإنكليز في الهند)٠٠ أو مناطق الشيعة في الجنوب اللبناني والبقاع المدعومة من ايران الصفوية الشيعية مع بدايات 1500 م ( 200 الف متوالي لبناني ٠٠ والتي كانت تعني مت ولياً لعلي )٠٠٠
وبعد انتصار الحلفاء في الحرب الكونية الأولى توزعت ولايات هذا الهلال السوري (موضوعنا) لتُحكَم بين بريطانيا وفرنسا٠٠ وهو كان قد احتوى حركات تحرر واستقلال ضد السلطنة العثماية٠٠ وأستمرت كذلك بوجه الإنتدابات الاوروبية الجديدة٠٠٠
وتمحورت حركات التحرر في بلاد الشام هذه بين ثلاثة مشاريع قومية متصارعة٠٠ عربية وسورية ولبنانية ٠٠٠
عربية ونواتها الثورة العربية الهاشمية (الشريف حسين والأمير فيصل) ثم حركة البعث 1940 (التي اتحدت لاحقا مع حركة الاحياء العربي ومن ثم تاسيس حزب البعث العربي الإشتراكي 1947)٠٠٠
وكان اول انقلاب عسكري بعد الإستقلال الفعلي للجمهورية السورية عن فرنسا ( 1946 ) حصل بقيادة حسني الزعيم قائد الجيش في عام 1949 الذي كان حليف انطون سعادة والذي هو الآخر لجأ اليه في نفس العام اثر فشل حزبه بالإنقلاب في لبنان ٠٠ ثم انقلاب حسني الزعيم على صديقه سعادة وتسليمه الى السلطات اللبنانية لتعدمه في اليوم التالي ٠٠ ولكن ٠٠٠
ان انتصار الفكر العروبي المنقسم في معظم دول الهلال السوري والذي تغاضى عنه او تساهل الغرب معه لانه يعرف استحالة توحيده أو تحقيق أهدافه ٠٠ والتيار القومي اللبناني بزعامة البطريرك الحويك وما سمي بدولة لبنان الكبير وميثاق 1943 لاحقاً (الجمهورية اللبنانية اليوم ) ٠٠ أفضى الى تكاتف هذة الأنظمة مع الغرب والى تصفية سعادة لما كان يشكله من تهديد جدي كمفكر وزعيم شرس كان يعمل لتحقيق انقلاباً قومياً نهضوياً سوريا ٠٠ ويوحد الهلال الخصيب الذي كان قابلاً للتحقيق والحياة بعز ٠٠٠
وانطون سعادة ( 1904- 1949) هو ابن الكاتب الصحافي خليل سعادة زعيم اللجنة السورية اللبنانية في البرازيل (قبل ان يغادرها انطون عائداً إلى لبنان ويسجنه الفرنسيون ويؤلف في السجن كتابه (is العَلم نشوء الامم) وهذة اللجنة كانت تعمل كذلك على الإستقلال والتحرر السوري ٠٠ ويواكبها في امريكا رابطة سوريا وجبل لبنان والتي كانت تضم جبران خليل جبران ( 1883 – 1931 ) مع ميخائيل نعيمة وآخرين والتي كانت تسعى الى دولة فيدرالية في سورية الهلال الخصيب ٠٠٠
وجبران كتب بعد تاسيس رابطة الاصابع الذهبية (رسالة محفوظة سنة 1911م وعلى هامش اول معرض له يخاطب مديرته ماري هاسكل) ويدعو فيه الى التحرر ومعترضا على الإحتلال والإستبداد العثماني في سورية قائلاً:
مات اهلي واهلكم ايها السوريون ومن لم يمت بالسيف مات بالجوع والحرمان والإضطهاد ٠٠ ان الحياة ستصبح ميتة عندما تموت سورية التي افديها بدمي ٠٠٠
علماً هو ايضاً كان من المعجبين بالقومية العربية وبرسالة النبي محمد والإسلام وخاصة بشخصية وبلاغة الإمام علي ٠٠ ويقال انه توفي على المذهب البهائي الإسلامي الميرزي الذي اسس في ايران حوالي 1850 م العابر للاديان والمذاهب !!. وهل قول سعادة : كلنا مسلمون لرب العالمين ومنّا من أسلم لله بالقرآن ومنا من اسلم لله بالإنجيل و ٠٠٠٠٠
إلا تلميحاً لهذة المدرسة ؟!….
واليوم وفي اكثر دول الهلال الخصيب المستقلة تتصارع مجموعة تيارات واحزاب وعقائد وبشراسة وبدموية معظم الأحيان للسيطرة على الحكم ٠٠ وكذلك في ظل انخراط الأقليم والعالم في هذا الصراع والتفاعل معه او الدفع به ٠٠٠
وتنتشر الأحزاب القومية العربية كالناصرية و البعث ٠٠ والشيوعية والوطنية القطرية والعلمانية ٠٠ والدينية المذهبية التي تسعى الى دولة الخلافة الراشدة السنية كالإخوان المسلمين وما سمي بالربيع العربي وما تفرع عنها من دولة الخلافة الإسلامية (داعش) والقاعدة وحركات وهّابية ٠٠ وكذلك حضور رايات السود المهدية وتنظيمات ولاية الفقيه وكل الأقليات الاثنية والمذهبية ٠٠ والشيعية وتفرعات الإسماعيلية ٠٠والحزبية (من هب ودب بما فيها الجيش الأحمر والجيش السري الإيرلندي!!..) ٠٠٠
وبقي الحزب السوري القومي الإجتماعي شاخصاً ( وإن بنهضوية اقل ) ٠٠ والذي ما زال حاضراً بجميع فروعه وتقلباته ٠٠
وفي لبنان نرى اليوم محاولات تجديد فكر القومية اللبنانية المسيحية ٠٠ وما تفرد به عند الإستقلال اميل إدة عندما طالب متوجساً بجمهورية لبنانية دون الأطراف مع أكثرية طاغية مسيحية واستيعاب مسيحيي الجوار ٠٠ وكذلك تيارات الخصوصية والتوجس من الإستفراد المحلي أوالإقليمي لكل من الشيعة والسنة والدروز ٠٠٠
والملاحظ انكفاء الفكر القومي الفيديرالي للهلال الخصيب من التداول ٠٠٠
علماً ان هذا المشروع الإتحادي ٠٠ ويمكن ان نسميه اليوم دولة الحلفاء الراشدين او فيديرالية الهلال الخصيب ٠٠ والذي قد يكون الحل او التركيبة الجامعة لتكوين دولة قوية وفاعلة وعادلة وخاصة اذا كانت العواصم كذلك هي ولايات علمانية مركزية لمريديها٠٠٠ وقد يحل هذا الكيان الفيديرالي كل مشاكل الإثنيات والمذاهب والهواجس المناطقية والأقليات ٠٠ ومنها إعادة قضية فلسطين الى الشراكة القومية ٠٠٠

بقلم المهندس عدنان خليفة ٠٠ مجلة كواليس ٠٠٠