الإبحار إلى مدينة القيم

(قراءة ثانية في كتاب: “الإبحار إلى حافة الزمن” للأديب الدكتور جميل ميلاد الدويهي)

بقلم: د. جوزاف ياغي الجميل

الإبحار إلى حافة الزمن… رحلة حي بن يقظان القرن الحادي والعشرين إلى عمق أعماق الذات الإنسانية.


رحلة بين لبنان والضفة الأخرى، حيث كنوز الفكر، والإبداع، ومحار الحبر الدويهي المرصود.
أي إبحار تقود سفينتنا فيه، باتجاه الحافة؟
وأي زمان يفقد عمقه، وهو يعانق المجهول، بأذرع الشوق والوجد والحنين.
إنها رحلة السنين، إلى عوالم مسكونة بالفرح الضنين.
إبحار…والبحر صخّابة أمواجه كالظنون.
إبحار..وليل الحلم مركب شراعيّ بلا مرساة.
إلى أين تقودنا أيها الجميل الدويهي العبقري اللبق؟
إلى أين تمضي بأحلام أردناها بحجم أحلامنا والذكريات؟
كيف يمكن للغارق في متاهة البحر أن يكون قبطان الخفقات؟
أما آن لنورس المحيط، أن يستسلم لتيارات العشق العرفاني؟
إبحار إلى عمق فلسفة الكينونة، حيث لا رمال ولا أمواج.
والحبر في جناسه والبحر قمر فضّيّ النبضات.
بين الشراع المبحر واليراع جناس جديد، وألق مشبع بأرق الحافة، حيث السقوط إلى فوق، إلى حيث التوق، أنشودة الجنين.
أبحرت بنا أحلامك والتطلعات إلى حيث الشمس لا تغيب، ولا تسقطها الآلام، أو الآمال.
بحّار أنت أيها اليقظان، وبحرك الكونيّ بلا ضفاف. بحرك امتداد لغربتك، قبل الرحيل، وبعده.
أبحرت إلى عالم معرفة إشراقية، يقودك النور، فرأيت نفسك في عزلة جديدة، وسط الغرباء. تحولت الغربة في الوطن، إلى عزلة في غابة/ حافة ليس لك فيها قريب. ولكنك تجاوزت عزلتك والغربة الجديدة لتبني سورا يقي ذاتك القلقة من أشباح وجودك الجديد.
إنه سور الفكر العصاميّ الذي لا يرهب حافة أو يخشى سقوطا.
وكنت تمشي في العاصفة، ولا ترتعش أمامها، وسط أنواء من الأحقاد والغيرة والجحود.
أبحرت لأنك لست صخرة تسجنها الشواطئ.
أبحرت لأنك لم تكن يوما مستنقعا للبعوض والذباب.
أبحرت، إلى النهاية، إلى الحافة، بل إلى ملء الزمان، والإبداع، والفداء.
حافتك الجلجلة. ولكنك لم تهب صعود الجبال.
حافتك العطاء إلى بذل الذات. عطاء مجاني كما الشمس والقمر والهواء. لم تنتظر مقابلا، وكم آلمك الذين يشربون من نهر عطائك ويملأون مساره بالحجارة!
أبحرت إلى الحافة لأن النفس التوّاقة إلى العلى لا يرضيها ارتقاء إلى ما دون النجوم.
حافة الزمن هي الحقائق الكونية المطلقة. والعقل قادر أن يتجاوز المعرفة الحسية البسيطة، إذا امتطى جواد الحب، ولم تُغْرٖه الشهوات الآنيّة الضيّقة.
جميل ميلاد الدويهي، أيها المبدع اليقظ، التوّاق إلى منتهى الحب، إبحارك ليس سوى سيرة ذاتية لهجرتك من المكان إلى آخر الزمان، بحثا عن الأمان. ولا أمان لحامل الصخرة السيزيفية، إلا لحظة الوصول إلى عالم النور، مدينة القيم، حيث الفرح الأمثل والسعادة الحقيقية.

 

شاهد أيضاً

عون التقى محفوظ في اليرزة

استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة رئيس عام الرهبنة اللبنانية …