الراوي الغائب والسردية المباشرة في رواية ستاريكس للروائي علي لفته سعيد

إبراهيم_رسول 

يشتغلُ الروائيُّ علي لفته سعيد على خطابٍ مضمر وسردية مباشرة, فهو يسرد فكرة وليس حكاية لأجل الحكاية, وهذا واضحٌ في أغلب أعماله السردية, فهو معنيٌّ بالآخر, ولذا نرى بكلِّ وضوحٍ, أنه ينطلقُ وفق تقنية سردية, مُعد لها مسبقاً, فهو يتخفى ويتقنع وراء شخوصه, ماداً سرديته بأدلجةٍ معينةٍ, فهو قد استحضر العديد من الشخصيات, وبثَ الحركة فيها, وأسبغ عليها صفة الحيوية, فكانت هذه الشخصيات, تتحرك وفق خطة سردية محكمة.

ولعلنا سنأخذ بتعريف جيرالد فورستر في تعريفه للراوي الغائب, ونطبق التعريف على هذه الرواية, إذ يقول جيرالد: راوٍ خفي تماماً, لا شخصي أو موضوعي يقدم المواقف والأحداث, بأقل وساطة ممكنة, ويتسم السرد السلوكي بهذا النوع من الرواة.( قاموس السرديات, جيرالد فورستر), جرياً وراء هذا التعريف وتطبيقه ( كمثال) على ما نذهب إليه, سنجد أن هناك شخصية تقف بعيداً عن السردية, لكنها تراقبها أوّل بأوّل, وتتدخل بأوقاتٍ غير معلومة, ومهارة الراوي تكمن في الخفاء أو القناع الذي يتقنع به, فشخصية الشاب العشريني والمرأة الثلاثينية , لم تكونا محض صدفة, كوّنها السرد وصنعتها الأحداث, إنها تعني فيما تعنيه, أن مُوّجهاً, يقف بعيداً, ويعطي الاشارات والتوجيهات التي هي عبارة عن أدلجة المؤلف الراوي. 

الاستهلال كان وصفياً, ودخول مباشر, نحو تأسيس بنية سردية عبر حكاية فكرة, تعنى بالسياسة والدين ونقدهما من حيث, أنهما سبب كثير من المشاكل التي تعاني منها البشرية, تبدأ الرواية في مكانٍ متحرك, وهذا إشارة إلى حركية السرد التي ستأتي لاحقاً, فالسيارة التي لم يبق إلا شخص واحد ويكتمل العدد, يبدأ التأسيس لبنية الرواية من الزمن الوصفي الذي اشتغل عليه الروائي, إذ أطنبَ المؤلف في وصف حركة السيارة, وطريقها الذي تقطعه عبر مدينتين بعيدتين نوعاً ما, فهو يصف الفضاء بين المدينتين وصفاً بليغاً, في صفحة 17:( وصار العراء يحيط بالكون…) تشبيةٌ بلاغي جميل للغاية.

الحرب هي الثيمة التي كانت المحور الأبرز في كل سرديات علي لفته سعيد, فقد وظفها ثيمةً في عددٍ من أعماله أو أغلبها وربما يصح القول, أن تكون كل أعماله تعنى بالحرب وما تخلّفه وراءها من محن ومشاكل, فالسائق الذي وضع صورة ابنه الشهيد, ووصف مشهد الركاب في صفحة 6( فتراخت الرؤوس على المساند الخلفية…), ينطق الاشتغال السردي المؤدلج للراوي الغائب من لحظة التأسيس الأول لبناء هيكل الرواية, فهذا الوصف, أعرب عن الراوي غير المباشر, الذي يتدخل متى شاء وفي أيِّ وقت يشاء.

ثمةَ ملحوظة, يمكن تسجيلها, كثيراً ما يحاول الراوي, أن يباشر السردية بأدلجته ورؤاه, فهو منشغلٌ بالواقع السياسي, ويتخذ من ردود أفعال الشخصيات, وسيلة ليخرج ما يعتريه من غضب مبطن, كقول السائق في صفحة 73( هو أريد أبول على الواقع العراقي..), هذه الكلمة هي مباشرة وواضحة على نفور وغضب الراوي بصورةٍ مباشرة.

إنّ ميزةَ سردية هذه الرواية, أنها تعتمد على قوة الحدث تناسبياً, فتراها هادئة حينما يهدأ الحدث وترى السردية مضطربة حينما تتصاعد وتيرة الحدث, هذا التناسب هو مهارة فنية, إذ العملية هي رصدٌ ترقبيٌ, الحكايةُ هي الألم العراقيّ, إن أثر الحياة العراقية واضحةٌ في كل سرديات علي لفته, فهو قد انصهر بالواقع المعاش, فخرجت سردياته من رحم ألمٍ وواقعٍ مر, هذا الواقع ترك انطباعاً في نفسيّة الكاتب, إذ نلمس وبكلِّ وضوحٍ سردية مباشرة, وبخطابٍ يحاكي الآخر دون تلاعبٍ في الرسائل الموّجهة من الأوّل المُنتج إلى الآخر المستقبل.

إنّ طريقة سرد الحكاية مميزة ومتطورة أسلوبياً, فالفكرة هي حكاية فكرة أو بالتعبير الأوضح, (سرد فكرة), إذ الأهمية تكمن في البلوغ القصدي في إيصال الفكرة عبر تقنية السرد وهذا يعني أنّ هناك قصدية معرفية من وراء قص الحكاية,  السيارة الستاريكس هي الفضاء المتحرك الذي ينقل من حتى إلى, وفي هذا الانتقال يكون السرد في أعلى درجات توتره, وأعلى درجات حِبكته! فمثلاً نرى في طريق الناصرية _ كربلاء, ثمةَ حوادث كثيرة تحصل, وثمةَ مواقف تحدث, وثمة استرجاع كثير إلى الماضي, هذا الاسترجاع في هذه الرواية, كان استرجاعاً لغرض التوقف السردي عند المتلقي, إذ كان عبارة عن محاولة لالتقاط الأنفاس أو محطة للاستجمام من تعب السرد, الحوادثُ التي تسردها الرواية, ليست غريبةً وليست خيالية لدرجة بعيدة إلا أنها تضمر أفكاراً, وهذه الأفكار هي الرسالة التي يبثها المؤلف إلى المتلقي.

السردية الواضحة أو المباشرة في مجمل أحداث هذه الرواية, كانت تُشكل فنيّة عالية, إذ السرد بهذه الطريقة كان الأكثر توفيقاً , لأن البناء أو الصياغة تمت وفق منظور يتفق وهذه المباشرة, أما الراوي فكان حاضراً في كل شخصيةٍ أو يكاد! إذ أدلجة النص وفق هوى وميل ونزعة المؤلف كان واضحاً, فهو يؤدلج ولكنه لا يأخذ دور الشخصية, كأنه يعطي الفكرة فقط, وهذا أيضاً حتى لا يُتهم الروائي, بأنّه دكتاتورٌ متسلّطٌ على شخوصه, ومقيّد لحركتهم وحريتهم.

شاهد أيضاً

ظهور مسلح للقوات الفجر واطلاق نار كثيف ادى الى اصابات بالرصاص الطائش والجماعة الإسلامية أسفت لما حدث .

  طقوش: “سنكمل المسيرة وسنبقى أوفياء حتى تحرير الأرض” كتب مدير التحرير المسؤول: محمد خليل …