وتذرف الدمع العيون

 

”  الشيماء محمد /أخصائي صحافة وإعلام”

أجهشت في البكاء وانتابني شعور بالغثيان حين وطأة قدمي أولى درجات السلم المؤدي لمنزل أمي التى غادرت الحياة منذ شهر أو يزيد قليلا، لم أظن للحظة أن الجرح لم يدمل وأن الحزن سيغلف القلب ولم يشف من همومه التى تراكمت عليه، فمجرد أن دخلت حيز رائحتها ومكان وطء أقدامها في الشارع وشعرت أن قلبي يلتحف بالذكريات وما أن وصلت لأولى الخطوات نحوها بهدف اجراء تحليل في نفس البناية التى كانت تقطنها والدموع تذرف من عيني، وشريط طويل من الذكريات يمر أمامي، لم أذكر لها أي فعل مسيئ بل كل ما ممر على بالي وذاكرتي من أجمل ما يكون لأم عشقت أبنائها وعملت من أجلهم ليصلوا إلى مبتغاهم، كانت بمثابة مستودع الأسرار للجميع ومحط أنظار الكل، كانت موزع ممتاز للمحبة وناشرة قوية للطاقة الإيجابية.
منذ رحيلها وأنا مستمرة على زيارتها في بيتها الذي يشع منه المحبة، فمذ رحيلها وسكنها المقابر والمكان فيه شعاع من الضوء واضفت على المقابر الحياة، نبتت الزهور والشوارع الجانبية لقبرها أخضرت أوراق الشحر فيه، والصبار الممتد دبت فيه الحياة وتشبث بالجدران ليصعد فوق القبر ويستقر وكأنه يقبل رأسها لعودة للحياة، تساءلت لي يحي الميت امواتاً ويضفي على المكان جمالاً، هل للمتوفي كرامات إبداعية تنم عن جمال روحه واستقراه في المأوى وكأنه يتحدث برسائل من الغيب، لابد وأنها ترسل كلمات بهذه الأشياء التي وجدناها في مذكراتها بعد رحيلها، ما كانت تنوي على عمله ولم يسعفها المرض والرحيل على تنفيذه، ما نراه من رثاء على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي وما جاء لها من نعي وبكاء ودعاء صادق من أعداد كبيرة لم نسمع ولم نعرفهم، لقبوها بالأم والأخت والعظيمة، كانت بمثابة الأم الحنون التى تنصح بحب وخوف كل من يلجأ إليها، كانت ناقداً للأعمال الأدبية ومتصدقة بوقتها ومالها على المحتاجين.
رسم السعادة على شفاه الآخر أمر ليس بالهين، أمي كانت من هؤلاء الذين ينعمون بمحبة الخلق ويواظبون على قيام الليل وترتيل القرآن الكريم، لم تبخل على ملهوف ولم تمنع معروف ولم تنم وجارها جوعان، قضت عمرها في حقل التعليم تعطي العلم وتربي أجيالا وتدرس لغة القرآن بحب شديد، جفت الدموع من عيني لما تذكرت أنها خرجت من بيتي وأنها كانت راضية علينا جميعا وأننا كنا في قلبها بمثابة الزهرة الموردة والنغم الذي تعيش عليه ومن أجله، تلك الدموع لم تكن لغضب أو لاعتراض وإنما كانت لفراق عظيم بلا عودة، ولكن عزائنا هو أنها في منزلة عظيمة ومكانة عالية.

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …