أنجم لبنان الساطعة تنير مكامن الظلمة والمنعطفات الموصدة

 

لبنان ” بلد الاشعاع والنور”

يلقي بأنواره الساطعه على

العالم بأسره

 

 أحمد فقيه

 

الطبيعة وما تجود به

 

 

عرف لبنان بطبيعته الخلابه الساحرة، حيث الجبال الشاهقه والسهول والروابي الخضراء والانهار الجارية والمناخ المنعش المريح طوال الفصول، مما جعله مقصداً للسياحة وللاصطياف هربا من سوء الأحوال الجويه في بعض البلدان الأخرى. وهذا كرم من الله خصَّ به هذا البلد الذي أطلق عليه ” بلد الاشعاع والنور” والذي تميز بأرزه الخالد وجعل منه رمزاً وشعاراً لوجوده.

 المزيد من العطاءات

 

لم تكن شهرة لبنان مقتصرة على طبيعته الخلابة، إذ تميز لبنان كذلك بنبوغ علمائه الذين أغنوا العالم بعطاءاتهم الخلاقة أمثال حسن كامل الصباح الذي منح العالم 83 اختراعاً، ورمال حسن رمال الذي قدم اكثر من 130 اختراعاً، وغيرهما الكثيرين ممن غيروا وجه العالم ومسيرة الإنسان. وفي هذا المجال يقول الكاتب المؤرخ(نجيب زبيب) وهو يتحدث عن العالم رمال حسن رمال في كتابه “العالِم اللبناني الذي كاد أن يحكم فرنسا” وذلك ضمن سلسلة كتاباته (تراجم العظماء)، فيقول :” إن ما قدمه هؤلاء العلماء للعالم لبرهان على أن لبنان غني جداً بالطاقات الطبيعية والبشريه والمواهب الخلاقه المبدعة.

ويضيف قائلاً:” بل إنه ليمكننا أن نقول: أن لبنان هو ينبوع ثرٌّ، غزيرٌ، دائم العطاء. وأن الجنوب اللبناني، رغم إهماله وحرمانه لم يتوقف عبر تاريخه الطويل عن انجاب العلماء الأفذاذ، والعباقرة الموهوبين، الذين أدهشوا العالم بما قدموه من عطاءات فكرية في مختلف ميادين العلم وفنون المعرفة.”*

ويضيف المؤرخ نجيب زبيب (1) معلقا وهو يتعجب من تصاريف الأقدار التي تذهب بمعظم العباقرة والمفكرين والفنانين والفلاسفه باكراً، فيقول:”… واعجب من ذلك جميعاً”.

 

حسن كامل الصباح – مواليد: 1895 _ النبطية

الوفاة: 31 / آذار / 1935 _ نيويورك

 

أن يصبح تلميذاً من الطبقه الفقيرة، الكادحة، لا يملك سوى قلم اشتراه بشق النفس، وبإمكاناته الذاتيه المحدودة، واحداً من أعظم علماء الطاقه في العصر الحديث، وحكومة بلاده لا تعرف عنه شيئاً، أهو الجهل أم التجاهل؟…

” وقد حدث نفس الشيء مع حسن كامل الصباح الذي سبق رمال بحوالي نصف قرن.

” وكلاهما كان قيمة شامخة في علوم الطاقه والفيزياء والهندسة والرياضيات بجميع فروعها. ولكن يكفيهما فخراً ما وصلا إليه من نبوغ وعبقرية ومكانة رفيعه.”

العالم حسن كامل الصباح بالزي العربي أُطْلِقَ عليه – “أديسون الشرق”

وفتى العلم الكهربائي

 

وينهي الكاتب شرحه مبدياً ألمه، فيقول:

“إن القلب يحزن حين يرى مواطناً عربياً من لبنان قد أضاء العالم وبقي هو خارج دائرة الضوء في بلده، وقد أعطى لوطنه شهرة عالمية، وبقي هو نفسه مجهولاً فيه.

“إنه لمن المؤسف أن يعيش أمثال هؤلاء العظماء في غربتين: غربة في وطنهم وغربة في أوطان الآخرين.”(2)

 

العالم المبدع رمال حسن رمال

 

نبع فياض

 

وإضافة إلى كل ما تقدم فقد عرف لبنان، وخاصة جنوبه بنبع فياض من العلماء المبدعين، ورجال الفكر المنير الذين كان لهم تأثير بالغ في صياغه مجتمعه الواعي المنفتح الناهض والمناهض لكل انحراف وسوء تدبير، مما أدى إلى تسميته لبنان “بلد الاشعاع والنور”. وقد خصَّ فضيلة الشيخ عفيف النابلسي “جبل عامل” بما يلي من الأوصاف:

إن علماء جبل عامل “كانوا يؤكدون لنا وللتاريخ أن جبل عامل مصدر للالهام ومقلع للعلم والأدب أينما سرت فيه وجدت عذوبته كما وجدت شموخه وصلابته. طبائع أهله كطبائع جباله، فهي زاهيه شامخه ومتواضعه راسخة، وأما التلال والسهول والمروج فحقول خصبه ومياه عذبة فأنت تارة في الصفاء والنبل والأريحيه وطوراً في العطاء والشمم العاملية.

 

“لا يضام فيه جار ولا يعيش فيه جهل، ولو جئت العاملي في أي وقت من الليل أو النهار لوجدته صاحب المكارم، جواداً عند الضيوف…”

ويمضي فضيلة الشيخ في عرض مسيرة بعض علماء جبل عامل بإعطاء لمحة عن كل منهم مع ذكر بعضاً مما قام به كل منهم، ومن هؤلاء:

 

الشيخ البهائي.. جوهرة لامعة في العلم والفن

_ الشيخ البهائي،

هو الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين الحارثي البهائي العاملي الجباعي، ولد سنه 973.

ويتابع فضيلة الشيخ النابلسي، فيقول:

” إن ما أبدعه البهائي خلال شبابه وكهولته وحتى بداية الشيخوخه في السبعينيات من عمره تعجز عنه أمة بكاملها، إذ كان انجازه في الهندسه المعماريه يحير الألباب. وقد ذكر بعض مترجمي حياة البهائي أنه صنع شيئاً لم يصنع مثله على الإطلاق، وذلك أنه جعل نوافذ غرف الطلبه الذين يدرسون العلوم وفق بعض الأنجم والكواكب التي تنمي العلم في ايام الدراسة بحيث أن الطالب يستطيع هضم المطلب العلمي بوقت أقل مما لو كان في مكان آخر، وأنه يمكن ضغط العلوم واتقانها بمدة أقصر وضبط أحسن.” (4)

 

الشهيد محمد بن مكي بن محمد الشامي العاملي الجزيني

 

_ الشهيد الأول:”أفقه جميع فقهاء الآفاق”

هو الإمام الشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني، ما بين 1328 – 1383 .

“كان يملك عقلية ناتجة منفتحه لا تنطوي على إطار فكري خاص ولا يقتصر على لون من التفكير مما يندر وجود مثله عند عامة المفكرين. كان الاستاذ الأكبر في كل العلوم، وقد قيل عنه أنه “أفقه جميع فقهاء الآفاق.(5) ويعتبر أول مرجع جامع لكل علوم الدنيا يؤسس لمركزية علميه في لبنان وخصوصاً في جبل عامل. وقد امتاز الشهيد بانه الشهيد الأول رغم كثرة الشهداء قبله وبعده من العلماء والقادة فلم يحظ بهذا اللقب غيره.

 

الشهيد الثاني:”مؤسس الحاضرات العلمية”

هو زين الدين بن علي الجباعي _ 1557، المعروف بالشهيد الثاني، وقد قتل على أيادي العثمانيين. ولم يذكر الناس سوى الشهيدين العامليين الأول والثاني سواء في جبل عامل والبلاد العربية أو غيرها من البلاد الاسلامية.

وبعد جولة واسعة في طلب العلم، عاد إلى بلدته جزين، القريه الصغيرة العصية على فتح الصليبيين، والتي تحولت بفضل افكاره المشعة إلى حاضرة لها شهرتها في العالم الاسلامي والعربي بأكمله. ولم تمض سنة واحدة إلا وبدأت الهجرة إلى جبل عامل من بلاد الرافدين وغيره، وشعشع جبل عامل بمنارة العلم ومراكزه الرائده من جزين إلى مشغره إلى عيناتا إلى بنت جبيل إلى شقرا، والصوانه وغيرها.

وكانت عيناتا وميس ومشغرة وجباع وكرك نوح وغيرها غاصة بالمدارس والطلاب التي تخرج منها الآلاف من أعاظم العلماء.(6)

 

السيد محسن الأمين العاملي

 

الإصلاحي

السيد محسن الأمين العاملي، ولد في شقراء من بلاد جبل عامل سنه 1284 ه هو عالم مجتهد متنور، وصادف اثناء وجوده أن كان الصخب والقلق والخلاف قائم وعلى أشده بين الأتراك والعرب، والدولة التركيه تبالغ في الاستبداد والرجعيه، والأهالي في سوريا ولبنان في آخر درجه من حيث الوضع الاجتماعي والتعليمي، وهذا جعل السيد محسن يفكر في مجموعة من الإصلاحات كانت من جوهر الحياة العامه.

والسيد الأمين هو الباحث الذي تحدى الاساطير والتقاليد وطوعها لصالح أفكاره الاصلاحيه.

( توفي سنه 1957 )..

 

السيد عبد الحسين شرف الدين الوطني الحر العاملي

 

عالِم كبير، وقف بوجه المشروع الفرنسي التقسيمي في منطقه الشرق الأوسط. وقد سافر إلى سوريا وفلسطين ومصر، وعمل مع جميع الأحرار الملاحقين على تكوين ثورة وفصائلها في الوطن العربي بضرب الاحتلال واخراجه من أرض العرب والمسلمين. وكان على اتصال دائم بالحركه الشعبية التحريرية.

مما تقدم، نرى أن جبل عامل، منذ نشأته ولا يزال حتى يومنا هذا يمد العالم والحياة بالعلم والوطنيه والتضحية في سبيل إحقاق الحق وازهاق الباطل. وما سبق وذكرنا من منارات ليس سوى باقة محدودة، إذ لا يزال هناك المئات من الأنوار المشعة والتي يستحق كل منها سجلاً كاملا لرصد أعماله الباهرة والتي تتطلب الوقوف عندها مليا والاقتداء بها.

 

الذخر عاملة

وعند وفاة رمال، رثاه أحد أقاربه الشاعر احمد فضل رمال بقصيدة طويلة بعنوان “الذخر عاملة”، نسبة إلى قبيلة عاملة التي جاءت من اليمن واستوطنت جبل عامل، وانتسب اليها:

سائل التاريخ عن هام ظهر       في دجى ليل به زاغ البصر،

عن كرام دانت الدنيا لهم          عن سيوف وقعها كف القدر

حسبنا فخراً بانا عصبت           ما حنت هاما ولاساءت أمر

قد ذخرنا المجد عن اسلافنا     واحتسبناه لأجيال اخر

أرضينا المعطاء تراس الورى      وشراع أنقح الدنيا فكر

وارتقى رمال فيها سؤدذا         في خطى الصباح، في علم بهر

وكأن العهد فينا عهدة             نفتديها الروح حراً أثر حرْ

 

هذا مما يؤكد أن الجنوب اللبناني قد تميز منذ القدم بنهضة فكريه، أدبية، علميه، فقهيه، وتحرريه، ودفع في سبيل ذلك، وفق المصادر التاريخيه، العديد من الشهداء الذين ذاع صيتهم في العالم الاسلامي كافة، ومن هؤلاء:

في الفكر والأدب_ “زينب فواز”_ تبنين/ الجنوب، تعتبر رائدة النهضة النسائيه في العالم العربي في القرن التاسع عشر، وكانت أول من كتب في القصة العربية، ومن أعظم أعمالها كتاب ” الدر المنثور في طبقات ربات الخدور”، كتاب “حسن العواقب”، ولها كتب أخرى وديوان شعر. ومن شهداء العلم والفقه والتحرر وخاصة أيام الجزار وأمثاله:

 

الشهيد الأول والشهيد الثاني اللذان تحدثنا عنها سابقاً.

_ الحر العاملي الشيخ محمد ابن الحسن بن علي

_ السيد جواد المعروف ب محمد الجوادين محمد وسواهم الكثيرون ممن تميزوا بشهرة واسعة في مختلف أرجاء العالم الاسلامي والعربي.(7)

 

  كانت هذه لمحة عن ما انتج لبنان وطبيعته الخلابه فيما مضى من الازمنه، وخاصة ربوع جبل عامل من علماء، ومفكرين ومصلحين ومبدعين..

 

     وفي الحلقه المقبله سنطلع على مسيرة هذه النجوم حالياً والتي تبعث بأنوارها إلى كافه المعمورة، فتضيء خبايا المنعطفات الموصدة.

فإلى اللقاء مع الحلقه المقبله إن شاء الله.

 

المصادر:

(1)”تراجع العظماء”، نجيب زبيب، رمال حسن رمال العالِم الذي كاد يحكم فرنسا”، الهادي للطباعه والنشر

(2) المصدر السابق ص 96_99

(3) نسبة إلى قبيلة عامله من مملكة سبأ التي استوطنت فيه يعد سد مأدب.

(4) ” ومضات مشرقه من حياة علماء جبل عامل”، سماحة الشيخ عفيف النابلسي ص81.

(5) المرجع السابق عن “روضات الجنان”.

(6) “خطط جبل عامل” ص 58

(7)”جبل عامل_ السيف والعلم”، السيد حسن ص84_ 232

(8)(*) غرينوبل: جامعة في فرنسا التحق بها رمال حسن رمال في بدايه مسيرته العلمية.

 

شاهد أيضاً

بدر:”الحزم والقسوة مطلوبان حين يتعلق الأمر بأمن بيروت والوطن”

كتب النائب نبيل بدر عبر منصة “اكس”: “ان الجريمة البشعة التي أودت بحياة المغدورة زينب …