تحف فنية قبل التاريخ

أحمد فقيه

    على الرغم مما يقال عن انسان اليوم وتقدمه حضارياً وفنياً، إلا أن هناك شواهد تثبت وجود فن راق وتحف فنية رائعه يعود تاريخها إلى قرون عديدة قبل الميلاد. وهذه الشواهد عديدة : منها حفريات “تشانع- نشأ” في الصين التي عثر فيها على الكثير من التحف مثل التوابيت، والصناديق، والعلب، وأعماد الخناجر المطليه بالك، وقد قاومت عوامل الزمن منذ القرن الثامن قبل الميلاد.

اللك.. ودوره في

صناعة التحف           

    في القرن الثامن عشر وصل فن صناعة اللك ذروته تحت حكم أسرة “مينغر” حيث ظهرت ثلاثة اصناف متميزه بوضوح: لكْ الرسم، ولكْ النحت، ولكْ الطلاء. وقد انتج في ذلك العصر تحفاً نادرة الجمال موشاة جميعاً أو مطلية بالذهب، كما وتطور فن صناعة الك في اليابان خلال نفس الحقبة الزمنيه وكان للفنانين اليابانيين مبادرات في هذا الفن منذ حكم كو-إن(393 قبل الميلاد)، لقد اوجدوا كتاجولات خاصه من التصاميم واستخدموا الذهب والفضة والخزف والبورسلان وكذلك العلب المقفله ذات الشهرة الواسعة، والتي أصبحت فيما بعد علب للحبوب أو المساحيق يحملها الأغنياء في اليابان أو يثبتونها على أحزمتهم بأزرار من العاج.

 

 

لويس الرابع عشر

أول من يقدر قيمة اللك

             

    يرجع الفضل في اكتشاف أوروبا إلى فن صناعة اللك إلى الشركه الفرنسيه الهندية عندما استقبل لويس الرابع عشر أول سفير من سيام فاتحاً بذلك عصراً من التجارة والتبادل، وكان بلاطه أول من قدر قيمة البضائع والأثاث المصنوعة من الك، وقد أدى ذلك إلى انتشار هذا التقليد بسرعة، حيث قامت مدام دي بومبادور في عهد لويس الخامس عشر بطلب الأواني والتحف المصنوعه باللك الصيني لقصر ترباثيون. وكذلك فعل أوغسطس الثاني الذي زين منزله في درسدن بتحف البورسلان، كما وبادر أمير بافاريا في باغودينبرغ، وقيصرة روسيا في بيترسبورغ باقتناء هذه التحف. وقد حاول الفنانون الفرنسيون اكتشاف أسرار فن صناعة اللك دون جدوى على الرغم من قول فوليتر بأن الرهان الذي يحمل علامه “فررمارتن” والذي ظهر عام 1730 يتفوق على صناعة الصين، إلا أن شعبيته لم تستمر سوى ايام حكم لويس الخامس عشر والسادس عشر بفضل صانعي العلب المشهورين مثل بول أوبيرميجون الثاني، إذ تحول الجميع بعد ذلك إلى الك الصيني الأصل. وهكذا احتفظ اللك الصيني بشعبيته بين أولئك الذين يقدرون التحف الفنية التي تتميز بالأناقه والجمال.

 

 

تصنيع اللك..

وسر اللون الساحر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ             ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    يتم أولاً استخلاص العصارة من شجرة اللك، ثم  تجمع في علب وتترك حتى الركود لكي يحصل التجانس المطلوب، وعندما تتكون طبقه رقيقه على السطح يتم علاجها بالترشيح، وتحضر العصارة بطريقة خاصة لتصبح جاهزة للاستعمال بحيث يحتفظ كل حرفي بأسرار مهنته المتخصصه والتي يصعب إفشاؤها. وتعتبر عمليه التلوين التي تضفي على اللك ألوانه الدقيقه وفقاً لألوان محددة تضاف اليه من الأسرار الخاصة بهذه المهنه. ويضفي زيت الخشب ومسحوق كبريتيد الزئبق والفيتانوم الأبيض والكروم الأصفر مع بعض المواد الأخرى الواناً خاصة على تلك المادة الرقيقه الساحرة يصعب مضاهاتها ثانية لأن الحرارة المحيطه به أثناء عملية الخلط مع درجة الرطوبه والضوء والمواسم بأنواعها تؤثر في هذه العمليه عند تلوين اللك.

 

 

إنتقال الفنون

بين المشرق والمغرب

    منذ عصر الزخرفه الصينية في أوروبا وبالأخص في فرنسا، كانت هناك محاولات قليلة من فنانين وحرفيين لانتاج اللك من الجودة الممتازة، ولكنها باءت بالفشل حتى حلول القرن العشرين(1920 1925)، إذ ظهر الفنان جان دونالد بأعماله الأصيلة، وهو إبن أحد صانعي الساعات، كما كان قد جاء إلى باريس عام 1887، وقد حالفه الحظ عندما التقى بالسيد سوغادارا الياباني الذي كشف له |أسرار وأساليب صناعة اللك مقابل تعليم الياباني أسرار تطعيم الفولاذ بالحجارة الكريمة. واستمر الفنانان اللذان التقيا عام 1912 لمدة ثماني سنوات يتبادلان المعرفه والمهارات حتى تمكن جان دونالد عام 1920 من الاعلان عن نفسه فناناً متخصصاً في صناعة اللك. وقد حققت فرنسا تفوقها في صناعة اللك في أوروبا عندما نجح بعض المتخصصين في طلاء علب البودرة باللك وكان يقوم بهذا العمل فنان من توكف بصناعة اللك، وكان يعيش في باريس فلاقت هذه التحف رواجاً عظيماً، وأصبح يقام لها مزاداً في درووت، وهو لا يزال يقام حتى يومنا هذا.

 

 

 

العلاقة بين اللك

والتحف الفنيه الراقيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ             ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    صرح جان فونتين، أحد كبار فناني صناعة اللك الصيني بأنه لا يمكن أن تصنع نفس القطعة من اللك مرتين. ولذلك لايمكن أن تجد تحفتين متماثلتين صنعتا على فترتين متقاربتين، حتى من حيث الألوان كالأسود أو الأزرق إذ ستبقى هناك فوارق طفيفة بينهما لتضغي على كل منهما شخصية متميزه وأصالة خاصه لكل نوع. وعندما يترك توليف الالوان لوحي الفنان، فإن كل قطعة من اللك تعتبر تحفة فريدة بحد ذاتها، ولا يمكن تقليدها أو مضاهاتها.

    إن جودة اللك جاءت ثمرة لآلاف التجارب والجهود اليوميه المضنية لمعالجة معقدة لا تخضع بسهولة إلا بعد أن يتحقق الانسجام التام بينها وبين الفنان للحصول على أفضل الفوائد المرجوة. اللك مادة مزاجيه تتطلب الدقة المتناهيه، وفي بعض الأحيان ترفض قطعتان من كل خمس تحف يتم تصنيعها. ومما تجدر الاشارة إليه أن العاملين باللك الإصطناعي لا يواجهون مثل هذه المصاعب، حيث العمل أسهل، ولكن الابداع والاتقان يظلان حكراً على الفنان الأصيل.

 

 

تطور طلاء اللك الذهبي

في اليابان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ             ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمصادر المهتمه بالفن ورقيه، تقول :

    إنتعشت الحركة الثقافيه الجماهرية في اليابان إبان القرن السادس عشر، كما وجدت جهود لرفع مستوى الفنون الكلاسيكيه والزخرفيه التقليديه. ومع ارتفاع مستويات المعيشة زادت أيضاً الطلبات على أنواع عديدة من الحرف الصناعيه. وفي الوقت الذي كانت فيه الآلات لا تزال في مرحلة بدائيه، كان الصناع ذوو المهارات الفائقه مطلوبين لانتاج  سلع مثل الأدوات المطليه باللك، والفخار الصيني، والسلع المصبوغة والمحبوكة، وأدت هذه الحاجة الى تطور الفنون اليدوية التقليديه. وكانت الشخصية الرئيسية في ميدان الحرف هو “هونامي كوبيتسو” (1558 1637)، وقد ولد في أسرة من الاختصاصيين في تحكم السيف. وقد أظهر مهارة غير عاديه في الفنون المرئية، كالخط واللك الذهبي والأواني الفخارية، وكان هدفه هو ادماج كل الفنون الزخرفيه في فن واحد.

 

 

  ويمكن مشاهدة المفاهيم التي كان يعتقنها كوئتسو في أعماله بطلاء اللك. وتاريخ اللك الذهبي طويل جداً، يرجع إلى عصرنارا، ويتضمن اكثر الأساليب تقدماً لكل أعمال اللك اليابانيه. وكان نبلاء عصر هييان يطلبون أعمال اللك الذهبي حتى في أثاث غرفهم وزخرفة داخل المعابد. ومنذ ذلك العصر، انتقلت ملكية قطع رائعه عديدة استخدم فيها هذا الأسلوب الفني من يد لأخرى. أما من ناحيه التصميم. فإن علبة المحبرة الحجريه المطليه باللك الذهبي “جبر على زوارق” المرئية المصقولة التي صنعها كوئتسو، وعلبة المحبرة الحجرية المطليه باللك الذهبي “الحبر ذو الألواح الثمانية” التي صنعها أوجاتا كورين بنفس الأسلوب، منهما أكثر الأعمال شهرة وتنتميان إلى الفئة الممتازة.

الولاعه.. تحتل مكانتها

بين الحلي والمصوغات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ             ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    في سنه 1948، ظهر اختراع آخر عمل على تطوير كبير للولاعه. وهذا الاكتشاف هو الغاز السائل كوقود. ثم عولج هذا الغاز المشتق من النفط، مما أدى إلى ظهور أول ولاعة غاز. وكان بهذا الاكتشاف أثر كبير في جعل الصمامات أصغر بكثير، كما وأصبحت الولاعة تعطي شعلة ثابتة ودون رائحه.

    وبهذا أصبحت الولاعة، سواء أكانت للجيب أو للصالون تحفة فنية. فقد استطاع الصناع وصانعو الحلي إضافة مسحة من الجمال الفني إلى الكمال التقني الذي وصلت إليه الولاعة عبر عصور طويلة، فتمكنوا بذلك من إبداع تحف حقيقية تعد رمزاً للعصر والتقنية الحديثة، والاحساس المرهف. ولكن كان لابد لتشغيلها من إظهار الفتيل، وادارة الدولاب. وقد تم إبتكار جهاز ذي نابض ليقلل من الجهد إلى أقصى درجة. وهذا الجهاز عبارة عن كباس يدير الدولاب ويبرز الفتيل في آن واحد، ولاطفاء الشعلة، ترفع اليد بحركة بسيطة من على الكباس. وظهر من هذه القداحات أنواع واقيه للريح تستخدم في البحار والأرياف حيث يشتد الهواء، وبقيت تستخدم حتى وقت قريب.

الولاعة.. تصبح

تحفة فنية رائعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ             ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    استمرت التطورات والتحسينات، وأدى ظهور الجاذب إلى سهولة تشغيل الدولاب ومضاعفة سرعته، ومساحته كانت اكبر من مساحة الدولاب مما جعل استعمال الولاعة غاية في البساطة. ثم حدثت تعديلات هامه على الهيكل نفسه، فأصبح للولاعة غطاء معدني يحجب الجهاز، ويظهر الولاعة بشكل أنيق جذاب. عندئذ أخذت الولاعة شكلها النهائي الذي هو عبارة عن علبة فاخرة لا يظهر منها سوىالجاذب الذي يعمل الفنانون على تغطيته بمعدن ثمين ولكن، هل ستقف العملية عند هذا الحد؟ بالطبع لا.. إذ لا بد أن يأخذ كل عصر دوره في التطور، وإذا كانت عجلة التطور فيما مضى بطينة نسبياً، فعصرنا الحالي، عصر الكبيوتر والالكترون، لابد أن يكون دورة أبعد مدى وأكثر بروزاً.

شاهد أيضاً

من “اجتثاث حماس” الى “الهزيمة النكراء” .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

بقلم : حمدي فراج كان لا بد من نص واضح و صريح لوقف اطلاق نار …