مارون مخول المصرفي صباحاً المؤلف،الملحن،الرسام العازف ليلاً..

إختصار لرجال في رجل
تنقل بين الإقتصاد والأدب والفن..فصار كما فصول السنة، يرحل من مهنته الى هواية فشغف..


*أي ثقافة بعد الكورونا.. الفيلسوف الفرنسي “اندريه مالرو” وضع كتاب “الوضع الانساني” أو الشرط الإنساني” la condition humaine- الم يؤد كوفيد 19 إلى أحداث إنقلاب في الوضع الإنساني؟

– كورونا مسّت صميم الواقع الإنساني برمّته، وقلبت موازين القوى المشتركة التي تآلبت عليها المحن الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فقد أدّت إلى الإنعزال الإنساني والحد من التواصل الاجتماعي، وساوت بين الفروق الاجتماعية فعانى منها الغني كما الفقير، وروّعت حكومات دولٍ أخذت تكافح للحدّ من إنتشارها، الوضع المزري الذي تجمهرت حوله البشرية بأسرها. “اندريه مالرو” وضع كتاب الوضع الانساني بمثابة وعي وإدراك وإلمام للكرامة الإنسانية ونحن نختبر ما خلفته كورونا من آلام جسيمة في هيكل البشرية التي أنهكها الفقر والعوز بعد الإنحدار الهائل للإقتصاد العالمي بسببها.


‏‎* العالم كله يعيش، منذ عقود، ما يمكن أن يسمى بالكورونا الثقافية…
‏‎الفلسفة في تراجع، الشعر، الرواية ..
‏‎التكنولوجيا تبدو وقد ابتلعت الثقافة ما دامت قد ابتلعت الإنسان..؟


– لم تحد الكورونا من إنتشار الثقافة لأن طالب العلم والمعرفة لا يقف في سبيله أي عائق. القراءة هي التي تبث شرارة الفكر والمعرفة، وقد انكبّ الكثير من الكتاب والمثقفين وحتى الهاوين على القراءة وعلى تفجير مواهبهم من رسم وموسيقى التي تضاءلت بسبب سرعة الاعمال وتطور التكنولوجيا فوجدوا في حجرهم المنزلي ميلًا للتعويض عن النقص في الاختلاط والاجتماعات في الندوات.. الثقافة عصيّة على أن تُبتلع وهي بخير.

‏‎*في الغرب يتحدثون عن عالم ما بعد الحقيقة، وما بعد الزمن، ربما أيضًا ما بعد….الثقافة؟

– لا أستطيع أن أفكر بتكهنات الغرب كأمرٍ واقع لا محال، تبقى مجرّد توقّعات لا يعوّل عليها، ليس هناك ما يسمّى عالم ما قبل وما بعد، لا يأس مع الحياة، الإنتفاضة الحقيقية للزهور تبدأ بعد إنقضاء موسم الشتاء وحلول فصل الربيع، كذلك الأمل.

‏‎* في لبنان.. ولطالما كان منارة المنطقة…
‏‎الآن …ضحالة، وسأم، وفوضى، وتصدع…
‏‎لو كان هناك دور للثقافة لما كان ذلك السقوط المروع في القاع…
‏‎كيف يمكن أن يعود لبنان إلى ديناميكيته السابقة؟


-لا أعتقد أنّ الخلل في الثقافة، الخلل ينبع من تأزّم الوضع الإقتصادي الذي أدّى إلى كل تلك الأزمات، التصدّع الحقيقي نابعٌ من الفجوات التي لم يسدّ ثغرها في الشقّ المعيشي، البطالة عمّت والفقر بدأ يؤدي إلى السرقة والجريمة، ديستوفيسكي كتب معاناة الفقراء من خلال تحليل نفسي عن وضعهم الذي يدفعهم لارتكاب الجريمة، وفي روايته الجريمة والعقاب مثلها من خلال شخص مثقف طموح دفعه العوز للقتل. أعود وأقول الثقافة بخير.
‏‎* زحلة مثال…


‏‎هذه المدينة أعطت عمالقة… أين هي الآن؟


– زحلة ما زالت تبث شرارة الوهج الابداعي بكل معاييره، هي في فترة استعادة رباطة جأشها بعد الظروف الصعبة التي خلّفتها كورونا، ولكنها كالبلبل تصدح بالحب وعطر المحبة. زحلة قاومت الحروب والأزمات منذ عقود بعيدة ولم تنحني للذل واليأس بل تخطّت كل العقبات لتبقى شامخة. والعالم يمر بمراحل عديدة ففي كل حقبة تاريخية نجد الكثير من الموسيقيين الذين تركوا بصماتهم في العالم كبتهوفن وباخ وموزار وفي الشرق عبدالوهاب وعبد الحليم وام كلثوم وفريد واسمهان ووردة والرحابنة وفيروز وصباح ووديع وغيرهم..
ومن الشعراء والأدباء فولتير وشكسبير والعمالقة سعيد عقل وجبران ومخائيل نعيمة وأمين الريحاني وغيرهم
ومن الرسامين بيكاسو ورمبرنت وصليبا الدويهي ومصطفى فروخ وغيرهم الكثير، الآن العالم في فترة إستراحة لها ايجابياتها وسيئاتها ولا بد من نهوض الثقافة من جديد .


‏‎*هل حاولتم استقطاب النشاطات الثقافية في المنطقة بإعتبار أن زحلة كانت مركز الإستقطاب السياسي والإقتصادي.؟

– النشاطات الثقافية ما زالت قائمة ولكنا ننتظر هدوء الوضع نسبيّاً للانطلاق بشكلٍ أقوى، و الاحتواء الثقافي فيها ما زال ذاكرةً قائمة ومستقبلًا قادمًا، أنا متفائل في الغد، فالشلل الثقافي في إقامة المؤتمرات والندوات الثقافية أصاب العالم بأسره ولكنه سيبرأ تدريجيًا. ونحن بصدد الشروع في تبنّي عدة نشاطات منها مهرجان الشعر السنوي الذي ننوي إقامته هذه السنة مباشرة على التلفزيونات من دون جمهور بمناسبة ذكرى إعلان مئوية لبنان الكبير من أوتيل قادري الكبير في زحلة وغيرها من الندوات التي تبرز أهم مشاكل العصر.

‏‎* يقال أن السياسة دمرت الحالة الثقافية في زحلة، كما في لبنان ..ما رأيك؟

– الإقتصاد الرديء يؤثر في النفوس ويخلف جراحًا باهظة الثمن، أتمنى أن يؤول الوضع إلى التحسن، والثقافة تعلم الإنسان مبدأ الصبر والتفاؤل وهي ثابتة لا تُدمّر وإن تراجعت محاصيلها.

‏‎* لا بد أن تكون للازمة الإقتصادية والاجتماعية تداعياتها الدراماتيكية على الثقافة…
‏‎لا أحد يقرأ… الاولوية الآن لرغيف الخبز وربما لسنوات طويلة..!؟


– كما ذكرت لك الثقافة بحر لا يجف، ولو قلّت أسماكه، الأزمة الإقتصادية هي عالمية الآن ولكنها استفحلت ببثورها في وطننا، والثقافة هي منبرـ لمناقشتها وتبادل الأفكار وإيجاد حلول، من غير ثقافة لا حياة تستحق العيش، ولا عقل يمضي في التفكير السوي، كبار الشعراء والأدباء قاوموا الفقر المدقع بأقلامهم لتستمرّ الحياة.

*ما صلة الوصل بين عملك المصرفي حسابات وأرقام وبين الثقافة والشعر؟


– كل وقت بيعطي حكمو أنا من الناس لي بيقسموا وقتهم لـ 3 أقسام،30٪ للعيلة، و30٪ للمجتمع والفن والثقافة و 40٪ للعمل..
                      حوار: جيهان دلول

شاهد أيضاً

السفير الأممي أبوسعيد لـ”كواليس”: فرضية الإرهاب وأبعاد استهداف بيروت

 أحمد موسى “11أيلول لبنان” دمّر نصف بيروت موقعاً آلاف الجرحى والقتلىعون “تخزين غير آمن” …