*أبـــعـــد مـــن الـــصــهـــاريـــج …فـــتّـــش عـــن رئــيـــســي*

 

الــكــاتــب ســامــي كــلــيــب

ليس مشهدُ صهاريج المازوت الإيراني القادمة بحرا من إيران والعابرة براً سورية، والواصلة  بلا أي اعتراض لعند حزب الله في لبنان، أمراً عادياً.

فما حصل  يشبه الأحداث الكبرى التي وقعت في المنطقة منذ عقود. ولذلك فإن التعامل معه بحسابات سياسية داخلية ضيقة في لبنان، هو ضربٌ من الوهم أو الخلل الاستراتيجي الذي أوصل البلاد والمنطقة إلى ما وصلت إليه.

هو إلى حدٍ ما يُشبه مثلا قرار حزب الله الانخراط في الحرب السورية، فآنذاك قيادة الحزب هي التي قرّرت، وهي التي أقنعت إيران بدعم القيادة السورية.

ذلك أن بعض القيادات الإيرانية كانت مترددة، وبعضها كان يناهض الرئيس بشار الأسد وبين هؤلاء مثلا الرئيس السابق أحمدي نجاد نفسه الذي كان يعتبر أن الأسد ” قد انتهى” وكان ينتقد العنف ضد المتظاهرين.

لكن مرشد الثورة السيد علي خامنئي حسم القضية، وسلّم مفاتيحها للسيد حسن نصرالله ولقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني .

من المهم اليوم ربط خطوة الصهاريج بوصول السيد إبراهيم رئيسي إلى رئاسة إيران، ومن المهم كذلك القاء نظرة على العودة الإيرانية إلى منطق التشدد حيال التفاوض النووي مع أميركا والغرب دون إغلاق الباب أمام مفاوضات بلا شروط ولا إضافات.

ومن المهم ثالثا النظر إلى رفض إيران الضغط على أنصار الله الحوثيين لإنهاء حرب اليمن رغم ٣ جولات من التفاوض الإيراني السعودي.

ومن المهم رابعا مراقبة الحركة الإيرانية هذه الأيام حيال العراق قبيل الانتخابات التشريعية، ومراقبتها أيضا حيال الوجود الأميركي في سورية.

لكي ندرك أن ثمة مناخا جديدا في طهران يوحي بمراجعة عميقة للإستراتيحية الخارجية ورفع مستوى التشدد حتى لو وصل الأمر إلى مواجهة.

ولا يمكن فهم هذا المناخ الجديد، بلا معرفة الدور العميق والبعيد عن الأضواء الذي يلعبه السيد نصرالله في مختلف الملفات الإقليمية من العراق الى اليمن ففلسطين ولبنان.

ذلك أنه هو الذي يدير جزءا لا بأس به مما يحصل، وإيران بهذا المعنى تعتمد عليه وليس العكس.

فهل يعرف أحد فعليا ما هي أنواع الاجتماعات التي يعقدها مع أطراف المنطقة لتصليب عود المحور؟

لم تكن إيران هذه المرة بقيادة رئيسي وزعامة خامنئي بحاجة إلى جهد إقناعي كبير من نصرالله، فالحزب الذي يعتبر أحد أهم ركائزها الخارجية قرّر في لحظة التخبط الاميركي والاستعداد للانسحاب من أفغانستان.

وفي لحظة التشبيك الجدية بين طهران والصين وروسيا، أن ثمة فرصة استراتيجية كبيرة لفك الحصار بالقوة عن لبنان وسورية، وبعث رسالة بحرية وبرية حول حدود المواجهة.

كل المعلومات كانت تشير إلى أن طهران والحزب كانا على استعداد للرد عسكريا لو تعرّضت ناقلات النفط لهجوم إسرائيلي أو أميركي.

وحين طرح الحزب الفكرة على طهران لبّت سريعا، لأن هذا الأمر ينسجم تماما مع المناخ العام السائد حاليا فيها منذ تولي رئيسي مقاليد الرئاسة.

ثمة من يقول إن الأمر حصل بالتفاهم الضمني مع واشنطن، يبدو هذا الأمر صعبا في الوقت الراهن، فأميركا وعلى العكس تماما، سارعت الى الاستنجاد بمصر والأردن لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.

لا بل أنها ذهبت الى حد استثناء هذا الأمر من قانون قيصر حتى تسبق النفط الإيراني الى لبنان.

وكان قد سبق هذه الخطوة من الحزب، رفعٌ عالي المستوى لخطاب نصرالله ضد السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا.

ولا شك أن حل عقدة وصول النفط العراقي الى بيروت، حُلّت كذلك بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى طهران، وهو الراغب بالحصول على ضوء أخضر ضمني من القيادة الإيرانية للبقاء في رئاسة الحكومة لولاية ثانية.

ذلك أن بعض الأطراف الداخلية في العراق والمحسوبة على إيران تتردّد كثيرا في ذلك، لا بل وتعمل ضد بقائه.

وفي العراق، الذي لإيران فيه وجود مفصلي موزّع بين الحرس الثوري وجهاز ” إطلاعات”، تبدو الصورة مريحة لطهران قبل نحو ثلاثة أشهر من الانسحاب العسكري الأميركي، رغم المساعي الخليجي الحثيثة لتعديل الصورة.

الواضح أن المنطقة إذا تشهد في الوقت الراهن، حركة مترابطة ومتكاملة لــ ” محور” يمتد من طهران الى العراق فسورية ولبنان وصولا الى فلسطين.

وهي حركة لا تعترف ضمنيا بالحدود في إطار المشروع الاستراتيجي، وتزيد فرص استنادها على الشرق الصيني-الروسي.

الواضح كذلك أن المحور المناهض، أكان محليّا في لبنان، أو إقليميا أو دوليا، ليس لديه مشروع واضح أو فعّال، وهو ما يترك المجال واسعا لطرح السؤال التالي:

ماذا لو اختارت أميركا التعامل مع هذا المد الاستراتيجي ذي القاعدة الشيعية، على أنه أمر واقع، واختارت أن الأنسب بالنسبة لها مستقبلا هو الاعتماد على الأقليات؟

السؤال مطروح، تماما كما مطروحٌ أيضا، احتمال خروج إسرائيل عن ضوابطها ومحاولة كسر هذه الحلقات المترابطة بمغامرة عسكرية اعتقادا منها بأن الخسائر اليوم ومهما كانت بالغة، أفضل من الخسائر غدا حين يتصلّب عود هذا المحور أكثر ويقترب بقوة الى حدود فلسطين.

يحاول العرب المقرّبون من المحور الغربي، الالتفاف على ما يحصل، فيعقدون اجتماعات على مستوى مصر والأردن والعراق، ويقتربون من سورية، وبعضهم يعزز العلاقات مع إسرائيل.

لكن من غير الواضح فعلا كيف يستطيعون بعد اليوم، صد هذا التمدد الإيراني الذي نجح، على الأقل حتى الآن، في فرض نفسه في خمس دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.

فحين عُقدت قمة بغداد الأخيرة للحوار والشراكة، تصدّر وزير الخارجية الايراني المشهد، وتصرّف كأنه رئيس وليس مجرد وزير خارجية.

انطلاقا من كل ما تقدم، ربما ينبغي النظر الى خطوة الصهاريج العابرة للحدود، ليس من منطلق محلّي ضيق، وإنما من هذا المنظور الواسع، والذي يستند الى التغيير الحاصل في إيران منذ وصول إبراهيم رئيسي الى الرئاسة.

وفي هذا نجح الحزب، في تحقيق ضربة اجتماعية وسياسية وأمنية وإعلامية لافتة، ,وفي استعادة وهج كان بحاجة اليه  شعبيا منذ انتفاضة 17 تشرين 2019.

وفي تهديد كارتيلات الاحتكارات النفطية، وفي ضرب فكرة الحياد التي جاهر بها البطريرك بشارة الراعي، وفي ربط علاقات مباشرة لبنانية سورية.

فصمتَت الحكومة التي تحتاج الى دعمه رغم ادراكها ان ما يفعله يتخطى الدولة ويكسر الحدود ، وصمت بعضُ المناهضين له من منطلق إدراكهم بالتتغيرات الكبرى في المنطقة.

وصرخ آخرون بأن في الأمر كسرا لهيبة الدولة وسيادتها وحدودها، لكن أحدا لا يسمعهم في المعادلات الاقليمية والدولية الكبرى.

وأيّد المناصرون أو الطامحون لكسب ود الحزب انتخابيا وسياسيا خطوة الصهاريج، وفرح جزء متنوّع وكبير من الناس في لبنان بوصول النفط اليهم بعدما عانوا الذل.

لكن كل هذا ليس مهما، الأهم هو أننا في مرحلة جديدة تتطلب قراءة أخرى، خصوصا أن القمة الروسية السورية الأخيرة وما تبعها من اتصالات مع طهران، أمور تؤكد أن المحور يتصرف من منطلق قوة ويريد أن تعترف أميركا بأمره الواقع، اذا أرادت التفاوض…

لكن هل استقر الأمر هنا؟ ليس أكيدا، فالمحور الغربي ومعه إسرائيل، يفكّر هو أيضا بكيفية الرد، ذلك أن في الأمر ما يعزز أيضا قدرات الصين وهي الهاجس الأهم لأميركا والغرب. فهل يصعّد أم يفاوض؟

*هـــذا هـــو الــــســؤال*

شاهد أيضاً

NADIN JEWELRYافتتاح محل للمجوهرات

مصطفى الحمود السيدة نادين مكي جابر تحتفل بإفتتاح باكورة اعمالها في محافظة النبطية برعاية وحضور …