فلسفة الرموز والأشكال في لوحة التركيب الثامنcomposition 8

للرسّام العالمي : فازيللي كاندنيسكي

( 1944-1866 )  

بقلم الدكتورة بهية أحمد الطشم

اذا كان أرسطو ( مبتكر علم المنطق) قد جعل قوانين المنطق خاضعة لقواعد اللغة,لذلك فعلاقة اللغة بالفكر هي علاقة ديناميكية غير جامدة, والانسان هو مسرح اللغة بموازاة كونه صانعاً لها مهما تنوعت اللغات وتعدّدت:لغة الشِّعر, لغة الرسم ..لغة الكمبيوتر..لغة الموسيقى….فهي أصدق ترجمة للعقل…..

ولعلّنا نستنبط من أهم سِمات منطق الرموز او الرمزي المرتكز على الحسابات التحليلية أهمية ارتباط العلامات والرموز بلغة العقل أو التفكير والمنعكسة بالسّيمية .

ولا غرو,فالرموز هي بمثابة أبجدية الرسم في اللوحة التي نحن بصددها والمتسمة بفن التركيب للاستدلال الفكري على جمّ المعاني الجوهرية.

وبالفعل, فقد تمت ترجمة الافكار والأحاسيس الى لغة الرموز المجرّدة في اطار مجموعة من الصّور الرمزية ضمن أيقونة فنية خالدة رسمتها ريشة سيّد التجريد.

فقد استطاع كاندينسكي أن يصل الى جميع عقليات المجتمع من خلال لوحاته,وبرز اهتمامه بنقل وتجسيد صخب الأفكار التي تدور في ذهن كل انسان عبر الخطوط والألوان,وما زالت لوحاته تُدرّس في أهم معاهد ومدارس الرسم,وكذلك اسهاماته في مجال التجريدي جعلته من أهم المبدعين في الفن الحديث.

وبالرّغم من دراسة مُبدع الرسم التجريدي في مجال الحقوق,الاّ أنّ شغفه بفنّ الرّسم كان محور حياته,ولعلّ السبب الكامن في سيادة الخيال على لوحاته هو  ميله الى العزلة وكذلك الابتعاد عن الضوضاء والمجتمع ,وكان شديد الانغماس بلوحاته التي تجلّت في عبقريته الرائدة المنسكبة فيها.

امتزجت الافكار من خلال الرموز والأشكال والألوان المنسجمة والتي مزجها الرسّام باحترافيّة في لوحة التركيب الثامن لدرجة أنّها تجعلنا عند تأمّلها نراها أقرب للحقيقة, ولدرجة استدعاء الصوت من أثلام الدماغ من خلال التأثيرات لذبذبات حاسة البصر ابّان تأملنا في حنايا اللوحة.

وكذلك, فقد استخدم كانديسيكي في لوحته التي رسمها عام 1923 الالوان الزاهية المختلفة داخل الاشكال الهندسية لخلق دينامية اللوحة,فبرزت دائرة صفراء بهالة زرقاء,وفي المجال عينه تتراجع الأشكال الهندسية وتتقدم ضمن ارجاء اللوحة لتعزيز دينامية التشكيل ,فينبثق تأثير الدفع والجذب لماهيّة التفاصيل.

ولعلّ التركيز على الايقاع الهندسي للوحة التشكيلية هو بغاية ابراز تأثير البنائية ,على اعتبار أنّ اللون والشكل هما الأكثر وضوحاً للعين.

أمّا التنوع في الأشكال الهندسية,فهدفه التوازن الديناميكي للعمل الفني, حيث تبرز الدائرة الكبيرة في أعلى اللوحة وتقابلها شبكة من الخطوط المحددة والدقيقة في الجزء الأيمن منها.  اذاً,تستحوذ الدوائر الصغيرة والكبيرة بحجمها على مساحة يسيرة من الأيقونة,نظراً لِما لسيمائية الدائرة من أهمية قصوى,اذ يتناسب الشكل الدائري بشكل بارز مع الجهاز البصري ويريح حاسة النظر,وذلك انسجاماً مع ما اكتشفه عالم النفس حون بازيللي في بحثه بهذا الصّدد فهو يرمز بشكل مجرّد الى السّعادة.

فقرص الشمس (مركز الكون) يسكن في السّماء و القمر كذلك أهم نجم في أديم السماء عندما يكون بدراً….

وكذلك كوكب الأرض الكروي الشكل والذي يدور حول ذاته وحول الشّمس ليعبّر عن دورة الحياة…

أمّا بروز المثلثات الصغيرة والكبيرة برؤوسها الثلاثة , فهو لغاية التأكيد على الأبعاد المتنوعة لماهيّة الأفكار  التي تحثّ العقل في سيرورة التفكير.

وفي الاطار ذاته, تندرج سلسلة المربعات الصغيرة والكبيرة بهدف تأطير الافهوم  عبر الخطوط المكونة  من نقاط والتي تشكل بُنى الاشكال.

كما يدلّل ولوج الخطوط المستقيمة والمتعرّجة لاختلاف الاشكال الهندسية على أوج التناغم وعمق الانسجام بين بنات الافكار المنبثقة عن انفعال الشعور المرهف في لحظات الاسقاط الفني.

وفي الخلاصة, نستلهم حكمة رائعة تترسخ في قناعاتنا ألا وهي:

ما أروع الابداع مهما تعددت لغات التعبير عنه,ليتكامل الشكل واللون مع عمق الجوهر,فيغدو الجمال من أهم المسلّمات المنطقية برموزه ودلالاته واختلاف معانيه مهما جنح في عالم الخيال!

شاهد أيضاً

طرابلس عاصمة للثقافة العربية

  المرتضى :شعوبنا تخوض معارك في حرب كبرى سوف تظلّ تستعر وتخفت لكن في نهاية …