الاعتكاف والمافيا في قاموس الامام موسى الصدر..

✏محمد الحاج

قبل تشكل الدولة المدنية كان نظام القبائل في منطقتنا العربية هو السائد بحيث ان زعيم القبيلة يرسم سياسة الجماعة ويتحدث بإسمها ويشرف على ادارة شؤونها الحياتية. والاسلام فرض على الحاكم وولاة المناطق خدمة الناس فجعلها واجبا دينيا يثاب على حسن القيام بها ويعاقب على اهمالها.
نظام الدولة المدنية في عصرنا جعلها محور عمل الحكومة والبرلمان يمارس دور مراقبة حسن ادائها؛ ولتسريع العملية الخدماتية تم إيلاء الشؤون الانمائية الى مجالس بلدية في المناطق تقوم مقام الدولة في العاصمة ؛ لذا اعطيت صلاحية تنفيذ مهامها بمؤازرة القوى الامنية، واعطيت البلديات صلاحية تعيين شرطة بلدية تنفذ المهام وتقمع المخالفات بالقوة.

واذا كان حق لنا الاستئناس بحركة الامام السيد موسى الصدر نموذجا نطل منه على الفارق بين منهجه في خدمة الناس واصلاح شؤونهم، وبين ما نشاهده اليوم في البيئة التي احتضنها الامام حين قدومه الى لبنان.
الامام وبالرغم من غربته السياسية بسبب سيطرة الاقطاع على الجنوب، قد ملأ فراغا كبيرا في حاجات الناس التعليمية والمعيشية اليومية فكان يتنقل بين وزارات الدولة ويجول في القرى يتعرف على اوضاعهم ويحث الميسورين على العطاء وبذل المال للمحتاجين.
ظل الامام يعمل مباشرة مع الناس باذلا كل وقته في سبيلهم يقابلهم ويساعدهم ويرشدهم. وعندما وجد ان اسرائيل تعمل لقضم الارض، وجههم لمحاربتها وتشكيل مجتمع حرب ضدها.
ولكن، ما يحصل اليوم من صور بشعة ومريعة في بيئة الامام وجبل الصمود الذي اذل اسرائيل وعملائها تشعر معه ان اهوال القيامة قد استحضرت؛ فلكل فرد اليوم شأن يغنيه، يحصن فيها بيته وعائلته من شبح الحاجة والمجاعة.
قل المسؤولون الفاعلون واعتكفت البلديات عن المواجهة المطلوبة.
اضمحل التكافل الاجتماعي وتلاشى التضامن العائلي وتسلح معظم علماء الدين بقواعد المباعدة الصحية الكورونية؛ فتركوا الساحة جميعا الى المحبطين والعاطلين عن العمل حيث شكل هؤلاء موجات مافياوية لا زالت تسيطر على كل مفاصل حاجات الناس الغذائية والوقود للمولدات والسيارات دون حسيب او رقيب؛ وكأن الناس قد تركت لمصيرها الاسود بوجه الفساد المناطقي الجديد.
. ماذا لو مارست البلديات صلاحياتها واشرفت على حسن عمل المحطات في نطاقها البلدي !
. ماذا لو تفرغ عدد من متطوعي الاحزاب تحت امرة النواب على مساعدة البلديات في ضبط صفوف السيارات.
. ماذا لو بذل علماء الدين وقتا بشكل دوري باتجاه اصحاب التعاونيات والمحطات والصيدليات لتفادي الاحتكار والغش والاسعار الفاحشة.
واخيرا؛ ماذا لو كان الامام موسى الصدر بيننا الان، فهل يعتكف عن تامين مصالح الناس او تركهم تحت وطأة المافيات ؟

 

شاهد أيضاً

إنتخابات رئاسة الجمهوريّة على ساعة تطوّرات حرب غزة وحصول الهدنة فيها البعريني لـ “الديار”: “كتلة الإعتدال” ستجتمع لتقييم مُبادرتها ووضع آليّة جديدة

    كمال دبيان عام ونصف العام واستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية لم ينجز، وقد يطول …