21 عاماً على رحيل العلّامة د.مصطفى الرافعي

فلك مصطفى الرافعي

..سيدي الوالد،طبتَ وطاب مقامك، ريشتي من رشيق اقلامك، حبري من رحيق مدادك ،احسبها ” سنابل يوسف” على سوقها لمواجهة السنين العِجاف.


سيدي، الأرض الولود أطلقت من خمائلها إحدى وعشرون باقة من الزنابق الباسقة تسورتْ ضريحك ، والغمام الودود كلّف إحدى وعشرون غيمة ان ترسل نميرها العذْب ونداها لتلقي حملها كانها الحروف في تهاديها هطولا وإجتهادا وقولا حكيما من سداد رؤية وقويم فُتيا .
في الرابع من آب سنة ٢٠٠٠ كان أمر الإستدعاء لهامتك الكبيرة ،إستدعاء لايحتمل “الإستئناف ولا التمييز ولا التأجيل او التسويف ” وكانت الطاعة في قبول الامر ساطعة كسناء الرضى.حقيبة سفرك نعش من غلافات اكثر من خمسين مؤلَفا في الفقه والتفسير والتربية والفلسفة وكان كفنك صفحة بيضاء كانت تنتظر آخر كلماتك ،مسيرتك حجة لك وشاهدة يوم لاينفع الا من اتى الله بقلب سليم ،كان رحيلك جرحا عائليا ونكبة على العلم فقد جاء في الأثر “إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا وينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ” .
في ذكراك وانت الذي لم تَغِب ،فعمرها ما تعبت الدوالي من إستضافة عناقيد العنب ،وما عمرها أخفت المناجم تبر الذهب ،وما عمرها تعبت الابجدية من لسان العرب .واستذكر اليوم تحديدا وسط فتنة كاداء مؤلفك “في التوفيق بين المذاهب ” الذي نفدت ثلاث طبعات وتُرجم الى لغات عديدة وكان المؤًلف منذ اربعة عقود وكأنك المستشرف لخطر قاتل في خلافات المذاهب واشرتَ تلميحا وتصريحا الى خطبٍ جلل يمشي بيننا كالوسواس الخنّاس ويحرقنا سريعا كسرعة النار في الهشيم فكم كنت صائبا وعاقلا وخائفا ونجّاك الله من معاينة ذلك .
واليوم ياسيدي تحط ذكراك رحلها على متن “الشراع ” الزاهرة الرصيفة التي أحببت واعجبت بربّانها وقائدها الصحافي الكبير والعروبي الأصيل الاستاذ حسن صبرا ،”الشراع ” التي استضافتك صفحاتها الحدث لسنوات كاتبا ومؤرخا لمرحلة دقيقة من محطات امتنا العربية عندما كنت ملحقا ثقافيا برتبة سفير في البلد / البوصلة /الحبيبة مصر .
سيدي الوالد ،رغم قسوة الفراق،غير اني المؤمنةبقضاء الله وقدره واعلم انه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجَلَها ،سافرت لاول منازل الآخرة بدون فقدان الدواء ومرارة الإستشفاء وقبل ان يجنح جواد الرغيف الحرون و..قبل مأساة “طوابير الذل ” من أهلك ورفاقك ومريديك وقبل انهيار الاقتصاد وضياع البلد ،واختم ان فراقك في الرابع من آب سنة ٢٠٠٠ كان وجعا عائليا ونزفا عاطفيا وفقدانا لا يعوض وخسارة عربية وإسلامية حتى تأتي الاقدار بالمصادفة والمطابقة الحزينة في الرابع من آب سنة ٢٠٢٠ في جريمة العصر ،تفجير مرفأ بيروت وما خلّف من مظلومين وخراب ودمار وهذا جرح إضافي نكأ الوجع بملح اجاج …
سيدي ،سلام عليك في ذكراك وسلام عليك يوم تُبعث حيّا .
وانا إن شاء الله على الوعد والعهد ” إن العهد كان مسؤولا ”
فلك مصطفى الرافعي .

شاهد أيضاً

الأمم المتحدة : أنقاض غزة تحتاج 14 عاما لإزالتها

قدرت الأمم المتحدة حجم الركام والأنقاض الذي يتعين إزالته في قطاع غزة بحوالي 37 مليون …