الخبيرالسياسي والإقتصادي المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس: تمرير الوقت ليس إلاّ تأجيل مؤقت للسقوط المُدّوي



في حواري معه كان البُعدُ وسيلة وأمناًا وأمانًا، إلتزاماً منّا بالسلامة العامة وِفقَ معايير وزارة الصحة في مواجهة  covid-19، هو قاضٍ ورئيس وحدة قضائية في المحكمة الدولية لتسوية المنازعات وممثل إتحاد خبراء الغرف الأوروبية في بيروت، المستشار الدكتور نبيل بو غنطوس في مقابلة مع مجلة وموقع “كواليس” تحدث فيها عن مختلف القضايا القانونية التي نحتاجها في أيامنا العصيبة هذه محليًا ودوليًا..

أجرى الحوار: هيثم الزنجي

*كيف تقرأ القرار القضائي الصادر عن رئيس دائرة التنفيذ في بيروت القاضي فيصل مكّي بالحجز الإحتياطي على عقارات سلامة؟

– هناك العديد من التفسيرات لهذا القرار القضائي، انما السؤال الاساس الذي يطرح نفسه، هو حول توقيته، ولماذا الآن، ولماذا اقتصر الأمر على حاكم المصرف المركزي وحده من دون سائر الذين تحوم حول ادوارهم الشبهات. من وجهة النظر القانونية، القرار غير مدعم بمسوغات تبرره حاليًا، وبالتالي يمكن قانونيًا ابطال مفاعيله، كما حصل مع قرارات مماثلة. أما إذا اعتبرنا أنه قرار سياسي، جاء بعد المواقف التي اطلقها الكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حول المطالبة بحياد لبنان، فالأمور قد تأخذ منحى تصادميًا أكثر، خصوصًا إذا ما تم إعتبار القرار رسالة في السياسة للسيد البطريرك.



*ما هي المستنقعات التي تُعيق حركة تقدم الأداء الإقتصادي في السير قدماً نحو خشبة الخلاص في لبنان؟

المشكلة في لبنان هي مشكلة في بنيته الاقتصادية منذ نشأته، فإقتصاده قائم على قطاع الخدمات في الاساس، كان فندق الشرق ومستشفاه وجامعته الخ… أتت الحرب اللبنانية في العام 1975، فتعطلت هذه الخدمات كلها وانتقلت إلى دول أخرى في المنطقة، وتم الإستغناء رويدًا رويدًا عن دور لبنان الخدمي، من دون أن يتم إيجاد بدائل إقتصادية أخرى تؤمن للبنان دورًا آخر يقوم به، ومن دون أن تلحظ الحكومات المتعاقبة منذ الستينات أو قبل، إنشاء بنى تحتية في الزراعة والصناعة وكل أبواب الإنتاج الاخرى التي تؤمن له إكتفاءًا ذاتيًا، فوقعنا في المحظور. أضف إلى ذلك، أن لبنان، لم يعد يشكل بيئة إستثمارية جاذبة للاموال والإستثمارات من الخارج، نتيجة ما يواجهه المستثمرون من عوائق لا مجال لذكرها كلها، وابرزها الفساد على كل المستويات…




*هل تعتبر تمرير الوقت هو تأجيل للسقوط المُدّوي؟ أم نكبة للجميع فيما يتعلّق بالليرة اللبنانية؟

 بالطبع، تعمل السلطات القائمة على تمرير الوقت، بهدف تأجيل السقوط المدوي ما امكن تأجيله، الجميع يريدون المحافظة على مكتسباتهم ومواقعهم وإمتيازاتهم الخ… وليس هناك حتى من معالجة جدية تلوح في الأفق للمصاعب التي يعانيها الإقتصاد اللبناني، والليرة اللبنانية هي أولى الضحايا، بما تسببه من إنعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني، كما على قيمتها تجاه الدولار الاميركي، الذي أصبح لا سقف له. أضف إلى ذلك عامل فقدان الثقة لدى المواطن اللبناني بالطبقة الحاكمة والقيمة على مقدرات البلد، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على العملة الوطنية.

*هل تعتبر إستشهاد الدكتور لؤي إسماعيل أثناء القيام بعمله أمام جائحة كورونا شهيداً للواجب إنساني أم شهيداً للوطن أيضاً في مواجهة الوباء العالمي covid 19؟


 – الدكتور لؤي إسماعيل هو بالطبع، شهيد الواجب، سقط في الصفوف الأمامية وهو يعمل على مواجهة تأثيرات جانحة كورونا، قام بواجبه الإنساني والاخلاقي والاجتماعي حتى الرمق الاخير، وهو كان يعرف سلفًا المخاطر التي يواجهها في عمله بغية تحصين أبناء مجتمعه في وجه كورونا. يتوجب هنا على الجهات الرسمية في البلاد، إتخاذ القرارات التي تعتبر كل من يسقط من أفراد الجيش الأبيض في لبنان، شهيدًا للواجب، وأطالب مجلس الوزراء بمعاملتهم اسوة بشهداء القوى العسكرية والامنية، من خلال إصدار القوانين اللازمة بالتوافق مع المجلس النيابي، وصرف رواتب تقاعدية لعائلاتهم تقيهم العوز في حياتهم المستقبلية.


* لعبة الدولار الامريكي هل هي تصفية حسابات داخلية أم هي أحد أوجه عقوبات قيصر في المنطقة؟


 -يعتمد النظام المالي في العالم على الدولار الاميركي، الذي هو محور معظم الانشطة الإقتصادية، وكلنا يدرك أن الولايات المتحدة الاميركية، تحارب من لا يحابيها بإخراجه من المنظومة المالية العالمية، فكيف بها وهي تعلن صراحة مطالبتها للبنان الرسمي بإتخاذ مواقف تخدم اجندتها السياسية في المنطقة. أضف إلى ذلك، سوء الإدارة والهدر والفساد المتحكم بالسياسة الإقتصادية في لبنان، كلها عوامل أدت إلى الوصول بالوضع الإقتصادي في لبنان إلى ما هو عليه اليوم، والذي تفاقم أكثر مع عملية فرض الولايات المتحدة عقوبات على كيانات وشخصيات لبنانية بشكل تصاعدي. ليست عملية تصفية حسابات داخلية، فالكل متضرر والكل تأذى، والوضع إلى المزيد من التدهور.



*هل تعتبر لبنان بلداً منكوباً؟


 – هنا، اطرح سؤالًا بديهيًا، ما هي النكبة الأساسية التي يعانيها لبنان؟!! لبنان منكوب بمسؤوليه الذين تولوا إدارة شؤونه منذ ما بعد إتفاق الطائف، إذ حولوه إلى محميات طائفية ومذهبية وحزبية ومناطقية، تقاسم امراء الطوائف خيراته على مدى عقود حتى وصلنا إلى الحال التي نحن عليها اليوم. أضيف هو وطن منكوب ومنهوب، ولم نجد حتى اليوم أية محاسبة جدية للموبقات التي أرتكبت بحق مفهوم الدولة وبحق المواطن اللبناني على حد سواء. درب الإنقاذ طويلة وشاقة، قد يكون اللبنانيون حاولوا إنطلاقًا من حراك 17 تشرين الاول تغيير الصورة والمسار، لكن سرعان ما تم الإلتفاف على المطالب بحجة الكثير من الذرائع الواهية التي يتقن تأليفها القيمون على السلطة اليوم، ثم أتت جانحة كورونا لتفرمل الإندفاعة الشعبية ولتعطي أهل السلطة المزيد من الوقت، لتغيير مسار الأمور، بما يكفل إستمراريتهم في مواقعهم.

* متى تبدأ الحلول برأيك لحل هذه الأزمات والمنازعات بين الأطراف السياسية والتي يدفع ثمنها الشعب اللبناني؟

 -خارطة الطريق واضحة، وهي أولًا وأخيرًا بالإلتفات إلى المصلحة الوطنية العليا وحدها، وتوحيد لغة التخاطب السياسي بين الأطراف من خلال اجماعهم على أن للجميع حقوقًا متساوية، وواجبات يفترض الإلتزام بها، والإبتعاد عن التفرد في أخذ القرارات المصيرية. فلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه بكل مكوناته، وللجميع الحق على الجميع، بمعالجة هادئة لأي موضوع خلافي أيًا يكن هذا الموضوع، وذلك لتبديد ما يمكن أن يساور أي طرف من قلق في إتجاه ما


* ما هو الدور الذي يلعبه إتحاد خبراء الغرف الأوروبية في بيروت لمساعدة لبنان في أزمته؟


* في العام الماضي، تم تكليفي بتمثيل إتحاد خبراء الغرف الأوروبية لدى الجمهورية اللبنانية، وأجريت الكثير من الإتصالات مع هيئات رسمية وإقتصادية ودينية ورجال أعمال، هدفت كلها إلى وضع خبرات الإتحاد بتصرف الشعب اللبناني، إضافة إلى البحث في إمكانية التعاون في الكثير من المشاريع المشتركة خصوصًا مع القطاع الخاص. ويعمل مكتب الإتحاد الرئيسي في بروكسل، والهيئة الإدارية العليا فيه، على التواصل المستمر مع مسؤولي دول الإتحاد الأوروبي، ومع البرلمان الاوروبي والمفوضية الأوروبية في بروكسل، بهدف تأمين ما أمكن من دعم للبنان لينهض من الأزمة التي يتخبط فيها.



* كيف تُثمِّن اليوم بكونك قاضٍ ورئيس وحدة قضائية في المحكمة الدولية لتسوية النزاعات موضوع النفط والغاز في الأراضي المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان؟


لا نحبذ المواجهة، ولا نعتقد أن الاتصالات الدبلوماسية قد توصل إلى نتيجة، والحل باللجوء كما حصل في العديد من الأمور المشابهة حول العالم، إلى التحكيم الدولي في هذا الإطار، إنما طبعًا بعد أن تكون الحكومة اللبنانية قد جهزت ملفاتها كما يجب، واستحصلت على المستندات التي تعزز وجهة نظرها وتثبت حقها في الأرض والمياه الاقليمية اللبنانية،إضافة إلى إختيار هيئة تحكيم دولية موثوقة وحيادية، وأذكر هنا أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمح في السابق إلى إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي لنحصيل وتثبيت حقوق لبنان في قضايا متنازع عليها مع العدو الإسرائيلي.




* كلمة توجهها للبنانيين في هذه المرحلة الصعبة وشكراً؟
 

المرحلة صعبة بلا شك، لكن اللبنانيين مدعوون اليوم إلى التكاتف والتعاضد، لتمريرها بأقل قدر ممكن من الخسائر، وما أقوله، ليس دعوة إلى الطوباوية، إنما دعوة إلى الواقعية، ولن يكون خلاص للبنان، إلاّ بإصرار اللبنانيين على محاسبة من أوصل البلاد إلى هذا الدرك، فليتمسكوا بحقهم بالعيش الكريم على أرضهم، وليعملوا بلا هوادة، على إعادة لبنان للعب دوره في المنطقة، طليعيًا كما كان منذ تأسيس لبنان الكبير.

شاهد أيضاً

السفير الأممي أبوسعيد لـ”كواليس”: فرضية الإرهاب وأبعاد استهداف بيروت

 أحمد موسى “11أيلول لبنان” دمّر نصف بيروت موقعاً آلاف الجرحى والقتلىعون “تخزين غير آمن” …