التربية مفتاح الحياة

أحمد فقيه

مطلوب الحذر ثم الحذر من المتاهات التي وصلت اليها المفاهيم الاجتماعية في الغرب

لا افراط ولا تفريط

    لقددأبت الدوائر التربوية في العالم كافة، ومنذ القدم، على تنشئة الأجيال وتوجيههم نحو أسس ثابتة تعارف عليها الجميع، وهي تعمل على ترسيخ مفاهيم قائمة على احترام الوالدين ومن هو أكبر سناً والأخذ بتعليماتهم وارشاداتهم.

    إلا أن المراكز التربوية والنظريات الحديثة في الغرب توجه النشىء نحو رفض كل تلك المرتكزات، بل وتحرض الأطفال في المدارس، ومنذ نعومة أظفارهم على أن يشتكوا حتى على آبائهم ان هم حاولوا أن يقسوا عليهم بعض الشيىء في توجيههم وارشادهم، وهذا تمشياً مع نظرية الإستقلالية.

    هذا مع العلم بأن الغرب نفسه، كغيره في العالم، يحث على مبدأ العقاب والثواب في التربية، وأن العقاب المعتدل ضروري في هذا المجال، ومن أقوالهم في ذلك المثل الإنجليزي:

“he hates his son who fails to ply the rod:

The man who loves his son chastises him”

أي: “إن من يكره ابنه يتغافل عن استخدام العصا (عند الحاجة)

أما من يحب إبنه فيعاقبه (عند اللزوم)”

والامام علي (ع) يقول: “ضرب الوالد للولد مثل السماد للزرع”

وفي مكان آخر يقول: “اشفق على ولدك من إشفاقك عليه”

    علماً بأن الاستقلالية أمر مهم للانسان، ونحن لسنا ضدها، إلا أن الطفل في بداية حياته قد لا يحسن استخدام الاستقلالية، ويكون بحاجة لتوجيه وتربية إلى أن يشتد عوده وليس أن يترك له الحبل على غاربه لكي يفعل ما يريد وبالطريقة التي يريدها (بإسم الحرية والديموقراطية). والمعروف أن الشخصية تأخذ مسارها في الصغر، إذ من شب على شيء شاب عليه.

    وفيما يلي نموذج لآثار مثل هذه التربية نطلع عليه من خلال ما تقصه علينا الأم جين وما جرى لها مع ابنتها جونيفر وفق ما جاء في مجلة “ؤمن” (Woman) الانجليزية.

” إني في دوامة..

هل يجب عليَّ أن أطرد ابنتي من البيت؟”

    تقول جين ان ابنتها جونيفر خارج إطار السيطرة كلية. ولكنها إذا طردتها من البيت فإن الأمور ستصبح أكثر سوءاً_ فلننظر إلى الكلمة التي توجهها لها، ومن خلالها ندرك عمق المشكلة:

    لقد قاربت الساعة الرابعة فجراً وأنت ما زلت خارج المنزل يجب أن أعتاد على ذلك ابتداء من الآن ولكن مهما بذلت من جهد ومشقة في محاولتي تلك فإني لا أستطيع أن أتحاشى القلق والاضطراب بالطبع، فإني كلما واجهتك بهذا الأمر ونبهتك إلى محاذيره، دائماً تقولين لي نفس المقولة:” بطلي نق ماما، أنا لم أعد طفلة!”

    إنني لا أفهم ما الذي حصل لك بالضبط. عندما كنت أصغر كنتِ دائماً لطيفة ومؤدبة. ولكن بعد ذلك، تركتِ المدرسة وبدأتِ بمصاحبة تلك العصابة من خارج المنطقة، وتغيرتِ. لقد أصبحت فظة سيئة الأخلاق بدرجة كبيرة. لا أستطيع أن أقول لك أي شيء دون أن اكون عرضة لردك الصلف وتصرفاتك غير المسؤولة.

    في البداية، حاولت مجاراة تقلبات مزاجك. لقد كنت أتفهم مقدار ما تعرضتِ له من إحباط لعدم تمكنك من العثور على عمل.. ولكن عندما بدأت العمل كميكانيكية، قد تحولت الى الأسوأ.

    ومع ذلك فإني أرى أن الأمر قد يعود إلى فترة المراهقة وما لغير ذلك من إثارة واضطرابات عاطفية ونفسية. فأختك الكبرى ميتشل مرت بنفس الظروف التي تمرين بها عندما كانت في سنك، وفي النهاية تخلصت منها كلية.

    اعتقدت بأنك ستمرين بنفس التجربة. ولكن، بدلاً من ذلك، فإني أرى بأنك تزدادين سوءاً وأشعر كما لو أنني فقدت السيطرة عليك كلية. ليس الأمر هو أنك كسولة حقيقة ولا تريدين مساعدتي في أعمال المنزل_ بل انك تقضين كل وقتك تقريباً مكومة أمام التلفزيون محاطة بفناجين القهوة القذرة ومتكات السجاير الطافحة بالأعقاب ورمادها.

    إني أعلم أن هذه صورة تتكرر يومياً (كلية)، إلا أنك تتعاملين مع منزلنا وكأنه فندق|. إنك تخرجين من المنزل دون أن تشعريني إلى أين أنتِ ذاهبة_ ثم تعودين إلى المنزل في جميع ساعات الليل، وأنتِ تتعاطين الشراب دون وعي، والله أعلم ما الذي يحدث غير ذلك.

    لقد تعاملت معك بالعقلانية والتفهم والتروي، وعندما فشل كل ذلك، لجأت حتى للصراخ. ولكن يبدو أنه ليس هناك أي طريقة من تلك الطرق قد أفلحت معك. إن كل ما تفعلينه هو أنك تنظرين إليَ بنظراتك الساخرة المعهودة وتطلقين رشقات من الشتائم.

    إني لا أستحق أن أعامل بهذه الطريقة. ألا تلحظين أنني أهتم بك؟ ألا ترين أنني أخشى عليك من أن تصابين بأذى أو تقعين في أية مشاكل؟ إني أكاد أجن من خوفي وقلقي مما قد يحصل لك.

    والدك استسلم قبل ستة أشهر. لقد تعب جداً من الصراخ والشجار والتوسل إليك لدرجة أنه في النهاية غسل يديه منك. لقد قال لي:” إذا كانت لا تستطيع أن تعامل بيتنا بشيء من الاحترام، أعتقد أنه من الأفضل أن تغادر المنزل وأن تبحث عن منزل خاص بها.” بمعنى آخر، انه يريد منك مغادرة المنزل. إلا أنني أنظر الى الأمر من زاوية أخرى. على الأقل إن وجودك معي هنا يجعلني قادرة على الاعتناء بك وتقديم العون لك فيما لو أوقعت نفسك في أية متاعب. فإذا كنت في مكان آخر، فإني أعلم بأنني سوف اكون عاجزة عن تقديم أية مساعدة لك.

الكراهية تطل برأسها..

    ولكن بعد أن قلت_ وأنا أشعر برعدة في نفسي لمجرد تفكيري بهذا_ قد بدأت فعلاً اكرهك يا جونفير. إن جميع تصرفاتك وكل ما يخصك يستفزني ويثير أعصابي. الطريقة التي تلبسين بها  جاكيتتك الجلدية وحذائك الكبير، الطريقة التي تتكلمين بها معي ومع والدك كما لو كنا قذارة، وحقيقة أنك ترفضين المساهمة معي في مصاريف المنزل لانك تقولين بأنك تحتاجين إليها لحفلات نهاية الأسبوع مع أصدقائك.

    ربما يكون والدك على حق_ قد يكون قد حان الوقت لترحلي عن المنزل. إني اكره أن أراك تذهبين لانني أخشى ألا أراك ثانية. ولكن من يدري_ إن الاحساس بالمسؤولية والشعور بأنه عليك أن تعملي من أجل نفسك قد يعمل فعلاً على ايجاد تغير فيك للأفضل.

    وذالك قد يعني بأننا سنعود مرة أخرى لما كنا عليه ذات مرة_ أم وابنتها اللتان كانتا كذلك صديقتين.”

تعقيب:

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

” المال والبنون زينة الحياة الدنيا”

(سورة الكهف/46)

    من هنا نعرف، كما أن الانسان بسليقته تبين، أن الأبناء هم أجمل ما في الحياة. أما المال فهو تحصيل حاصل، ووجوده والبحث عنه هو فقط لتأمين متطلبات الحياة فقط، وانما الانسان يسعد بوجوده وبكيانه من خلال أبنائه وخلفائه في الأرض. والجميع يعرف أنه إذا حرم إنسان من نعمة البنين، سعى في الأرض جاهداً بحثاً عن معالجة هذا الأمر ولو أدى به الأمر إلى الذهاب إلى أقاصي الصين كما سنرى في حلقات مقبلة.

    ولكن أن يصل الأمر إلى أن يتخلى الأهل عن أبنائهم، فهذا يعني أن هناك خطأ ما وخطأ خطيراً يجب البحث عنه وتداركه.

    تماما كما أن دولة مدججه بالسلاح تدك بيوت الآمنين، وتقطع أوصالهم، وبأشرس أنواع الأسلحة الفتاكة والمحكمة، وعلى مدى عدة أسابيع، والعالم بأسره لا يرف له جفن. هذا أيضاً خطأ يجب البحث عن أسبابه.

    وإذا اتهم من يدافع عن وطنه وبيته وشرفه وعرضه بالإرهابي، هذا كذلك خطأ فادح يجب البحث عن مكامنه وسبباته وتقولاته.

    وهكذا نرى كيف أن خطأ ما يجر إلى أخطاء لا حصر ولا نهاية لها…

أحمد فقيه

شاهد أيضاً

عون التقى محفوظ في اليرزة

استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة رئيس عام الرهبنة اللبنانية …