انطباع الانبلاج في مركز الكون

قراءة  فلسفية في لوحة ( انطباع شمس مشرقة)للرسّام العالمي  كلود مونييه( 1840- 1926)

بقلم الدكتورة بهية أحمد الطشم

تحطّ النقس المتأمّلة رِحالها في حنايا أيقونة تُحاكي  لغة الروح بسمفونية راقية ومنسكبة على أوتار القلب بسحر ٍ باهر.

تنبثق خطوط وألوان اللوحة  التي نحن بصددها من حضن الطبيعة وملاذ الاطمئنان النفسي بدون منازع, حيث رسمتها ريشة الرسّام العالمي الفرنسي كلود برنار ببالغ العشق, فرشفَ ابداعه من نبع الطبيعة بكل الحُب ….وبَالغِ التأثّر.

هذه السَيماء ( الأيقونة)  التي تحمل عنوان ” انطباع شمس مشرقة والتي اطلقت الانطباعية في الفن,  وكان مونييه احد روّادها ,ذلك أنّ أهم ما يطبع مسيرته الفنية  هو: هِيامه برسم المناظر الطبيعية ,حيث كان شغوفاً بالطبيعة وبالتنزّه والبقاء في ربوعها لساعات طويلة,والمفارَقة البارزة أنّه كان مجتهداً في دراسته بالرّغم من أّنه كان يملأ كتبه ودفاتره بالرسوم المختلفة والألوان المتباينة,وقد شجعته والدته بشكل فائق على اتقان فن الرسم ودعمتَه كي يُصقل موهبته اللامعة وهو القائل في هذا الاطار: ” عزائي الوحيد في هذه الدّنيا هو وقوفي مباشرة أمام الطبيعة أثناء الرسم.”

تشرق الشمس (مركز الكون) في أديم السّماء مع انعكاس وهجها البهيّ بحنايا لُجج البحر السّاحر,وتتعانق الألوان الدافئة والهادئة على مدى أرجاء اللوحة الزاهية ,فيشعّ الأصفر الأخّاذ بألق استثنائي ويتمازج مع اللون البرتقالي لينبثق كنه السّطوع بأبهى شعاع ( منظر خلّاب).

يتناثر الأخضر في حنايا اللوحة,اذ يبشّر بعناوين التفاؤل والحيوية  فيتماهى بالحقول الخضراء المُزدانة بماهيّات الخير.

يتوسّط اللوحة قارب صغير ويتبعه قارب آخر في مدى أبعد ,حيث يمخران عباب عالم المغامرة,موئل الأسرار والمرتع الأزرق ,فيسردان حكاية رحلة يسِمها  الانتصار بالجمال والألوان على الحروب عبر تصوير انبلاج الشمس مركز الكون وعين الأنوار كدلالة على الجمال المتجدد والمشرِق و وعلامة ساطعة على الاستمرارية في سيرورة الحياة رغم المنعطفات والمآزق والحروب.

مونييه ( الرسّام) المبدع الذي واجه الكآبة العارمة بالألوان المشرقة ,اذ فرضت معالم الكآبة نفسها بقوة على العاشق للفرح والمنغمس بعشق الطبيعة بعدما فقدَ زوجته أليس وخطف الموت أيضاً ابنه الاكبر  وكذلك معاناته الشديدة مع الفقر المدقع , ثمّ فقدان قدرته البصرية ,ولكن الأهم أنّ البصيرة بقيت في أوج حكمتها كنور العقل والقلب في آن.

ولعلّنا نستلهم من اشراق الشمس وتوهجّها بالألوان الدافئة  سِمات الابداع الحكيم  المنسجم في السّياق ذاته من خلال استثارة ذاكرتنا واستحضارها لعبارة ذهبية لمبتكر قانون النسبية الفيزيائي الاشهر البرت ايناشتين والحائز على جائزة نوبل:” تأمّل في الطبيعة تفهم كل شيء.” فندرك عين الادراك: الفضل الكبير للطبيعة في تكريس ابداع المبدعين سواء كانوا علماء , شعراء او فلاسفة وكذلك فنانين من( نيوتن,كبلر, ترنير, مونييه, جبران خليل جبران, ديكارت (الذي كان يجلس لساعات في حديقته وهو يكتب مؤلفاتهالفلسفية)…………..

وأخيراً,أ، انّ أبده البديهيات الوجودية الثابتة في الكون المتغير: مهما غابت الشمس ,فلا بدّ من شروقها مجدداً لتمنح الضوء للعالم من جديد  بعد ليل حالك بالسّواد,على أمل أن تشرق شمس الأمل دائماً في نفوسنا دون غروب . 

شاهد أيضاً

دبوس

ا لتآكل… سميح التايه ثلاثمائة من الصواريخ البطيئة، وبضع عشرات من المُسيّرات التي لا تندرج …