الأغاني ومسارات السياسة

من التكتيك الى البرتقالة


الكاتب محمد عباس- سورية


كان الفن بمختلف مجالاته ومظاهره يمثل حالة استكشاف للغد والقادم من الايام.
بحيث كان الفنان يحلق عالياً في المستقبل (وإن بخيال جامح بعيد عن الواقع). وتاتي الايام واذ بها تطابق خيال وأفكار الفنان وكاأن للفن رسالة تحذير وتنبيه (بين رسائل اخرى طبعاً).
والمتتبع لمسار وتوقيت بعض الأغاني يلاحظ بدقة مدهشة كم كانت حافلة بالإيحاءت واستشفاف المستقبل.
وهنا سنتحدث عن اربع اغاني سبقت عصرها ونبهت الى ما هو قادم (كنماذج ):


1- اغًنَيَةِ (الُتْكِتْيَكِ ) لعبد الله حداد:


التي انشدها باليمن امام ياسر عرفات وعلي ناصر محمد وابو اياد (1983)
حيث اسست لمرحلة التخلي عن الكفاح المسلح وبدء مرحلة العمل السياسي وما انتجته من عقم في النتائج وانكسارات في المشروع الوطني الفلسطيني.
اذ جاءت منبهة بمرحلة مبكرة عن توجه لدى القيادة الفلسطينية بالتخلي عن العمل العسكري والتوجه للعمل السياسي الصرف. ونحن هنا نتحدث عن عام 1983 عندما الكل يتحدث عن المعركة والسلاح واذ استشعر الشاعر الفلسطيني عبد الله حداد ما لم يستشعره غيره من خطورة هذا التوجه ومدى انعكاساته على مسار القضية الفلسطينية. فاعلن بوضوح لا لبس ولا غموض فيه عن مرارته من هذا التوجه (وحتى عندما غنئ الاغنية بحضور عرفات لم يكن ينظر إليه ابدا رغم المجاملة البروتوكولية في مطلع الاغنية) اذ اعلن بوضوج تام وقاطع ان المنظمة تجاوزت الخطوط الحمر وبدات في انحدارات ومسارات التسوية وهو ما ادى لاحقا لاتفاقات هزيلة ضعيفة فرطت بالارض وحق العودة والحق المشروع بالنضال الثوري……..


2- اغنية البرتقالة ( علاء سعد. 2004)

وهي اصلا للمطرب (قاسم السلطان ) حيث غناها قبل سنة واكثر. ولكن ظروف العراق يومها لم يكن يراد لها هذا الغيير العميق في السلوك ونمط الحياة
حيث اوضحت الصورة التي يراد للعراق ان يصبح عليها وهو ما تم بحيث اصبح الشباب العراقي باحثاً عن البرتقالة حيث الرقص والطرب والاستمتاع بالحياة.
كانت جرأة كبيرة وشجاعة وذات دلالة اختياره لمجموعة من الحسناوات العراقيات وهن يتمايلن ويتراقصن ويطلبن من والد البرتقالة (بالحاح عجيب ) ان يسمح لابنته بالقدوم والرقص بجانب الحبيب الئ أن يستسلم والد (البرتقالة) ويخضع للامر كاي فارس لم يعد لمقاومته فائدة
وتظهر أله السكس فون الغربية سيدة الاغنية (رمز السعادة الامريكية) مسيطرة علئ المكان..
وهي الصورة التي يجب ان يكون عليها العراقي (شاهد دون تاثير وموافق دون قناعة) مدخن للاركيلة كاي شخص مطيع متخم بالخيبات والانكسارات. وهو مرغم على ابداء الرضى والسعادة


3- (خطابة) لعمر سليمان:

حيث نفاجأ بذاك البدوي الذي يَرَكِبّ الجمل ويلبس العباءة والعقال ويشرب القهوة المرة وهو يتحدث عن حاجاته من عواصم العالم (لندن + باريس) ويتظاهر بسفاسف الامور وتوافهها ويهتم بشكليات الحياة وهي رسالة عن التناقض بين ما نحن عليه وبين ما في داخلنا من شرخ وعدم انتماء للمكان.
وَُهوَ ما اسِسِ لُمٌرَحُلُةِ فقدان الهوية. وضياع التاريخ وتجاوز الجغرافية حُيَثُ تتداخل المفاهيم الاوربية للحياة مع طقوس البادية .
وهنا يؤسس المطرب لحالة انفصام بينه وبين محيطه والمشكلة انه لا ينسجم مع الحياة الجديدة. رغم رقصة الخاطب الجميلة والحلوة والتي اصر المخرج ان يؤديها وهو يلبس العباءة العربية الاصيلة .فضاع وضيع واسس لحالة فقدان التوازن والانتماء والهوية.


4-اغنية لعبر على تركيا:
(حسين السليمان/ 2017 )

حيث يتمحور حلم الشباب بالنجاة في عبور الُحدود الى تركيا وكما هو معروف لم تكن لتركيا ذاك البريق وتلك الميزة .
وكان مستهجناً وغريباً وقتها العبور لتركيا .فلا اغراء هنا ولا مغريات. وكان غريبا أن يكون العبور بسبب (درد النسوان). ودرد هنا بمعنى ضيم وظلم وقهر المرأة. وكما هو معروف لم تكن للمرآة وقتها تلك السطوة والقوة والنفوذ وكإن المخرج كان متاكد يقينيا بأن القادم من الايام يحمل سيطرة ملفتة وحضوراً عالياً للمرأة (وهو ما ظهر لاحقاً في مشروع الادارة الذاتية) وتمكين المرآة وسيطرتها وخروجها من منزلها كمقاتلة بجانب الرجل من جهة وكحالة لا يمكن الاقتراب منها جهة اخرى. حيث اصبحت كلمتها مقبولة بدون شهادة وكل خلاف طرفه امرأة لا يمكن توكيل محام فيه. وانظر للمحاكم لترى العدد الكبير والقياسي للدعاوى التي اقامتها المرأة علئ مختلف الاطراف وعدد القابعين بالسجون بسبب ذلك.
وهو ما يؤسس لمرحلة قادمة لم تكن متوقعة الا في خيال المعد و المخرج وكان ملفتاً التمايز والاختلاف بين الاشخاص وارتباطهم بشِرَيَحُةِ مٌحُدِدِةِ ِ (اللباس والطقس والعادات. وَالُجْمٌالُ) في حين اصطف المؤلف والمخرج والموسيقا كمحركين للحدث في جانب اخر قطعاً لا ينتمي للمغني والمحيط والايحاءات.

شاهد أيضاً

خليل :”إلزام الحكومة دفع العائدات من الصندوق البلدي المستقل وعائدات الخليوي المحجوزة منذ عام 2018.”

كتب رئيس بلدية ‎الغبيري، ونائب رئيس لجنة رؤساء البلديات اللبنانية معن خليل مقالًا وجاء فيه …