دوزان الروح

بسمة حيدر سلوم

بين كل الذين نعرفهم هناك شخص ما نذهب إليه، بتعمّدٍ و نية عميقة عن سابق تصميم و اصرار، لا نعرف كثيراً لماذا هو بالذات؟ و لماذا هو الآن؟و لماذا لا أحد سواه؟

إنه الشخص الذي نذهب إليه عندما نعرف أننا لسنا بخير بدون أن نعرف جيداً أن نضع أصبعنا على موطن الوجع .
هناك شيء ما ليس على ما يرام، و هو الوحيد القادر على ضبطه و تحديده بأسرع ما يمكن و بالعدد الأقل من الأسئلة و الكلمات .

هؤلاء هم “دوزان الروح”.
الذين يستطيعون رؤية الألم المخفي المتخفي بمسكنات مثل “الألم المحتمل” و “العادة ” و “الاعتياد” و “الطبيعية” ، و يستطيعون أن يقولوا لنا:” لا بأس .. عمود روحك ما يزال يعمل .. لكنه يتآكل رويدًا رويدًا ” تماماً كما يقول الميكانيكي الماهر بعد فحص السيارة .

ما يفعلوه معنا هو الرؤية و ليس المشاهدة، البصيرة و ليس البصر، قادرون على أن يقولوا لنا “عميان” و عيوننا بأفضل حالاتها، بدون أن نستغرب أو نشك أو تضطرب نفوسنا، فما يحدثونه من اضطراب لا يشبه إلا السكينة… يا للهول.

كلنا أو أكثرنا عنده من هذا ال “دوزان روح” يجلس أمامه مستسلماً بدون رغبته، مسلوب الإرادة، مسترخياً. نتركه يمد يد قلبه أينما شاء و كيفما شاء، حتى نجده يقول و بكامل الثقة: “عمود روحك يحتاج إلى دوزان”. يفعل كما يفعل المعالج الفيزيائي الذي يقوم بحركة واحدة فيعدل وضع العمود الفقري غير المتوازن (الذي كنا نظنه متوازناً لسبب ساذج واحد فقط و هو أنه ما زال يعمل!!!)، و “يطقطق” فقرات العمود واحدة واحدة و كأنه هو من صنع هذا الجسد و هو من يعرف أسراره .

هؤلاء هم الوحيدون الذين نقبل فكرة معرفتهم عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا، ليس فقط أسرارنا و خفايا قلوبنا، بل إنهم يستخدمون هذه الأسرار و الخفايا ليحفروا أكثر في زوايا حياتنا المعتِمة، بنيّة صافية و قلب محب.

هم أكثر بكثير من أصدقاء، و أقل بقليل من آلهة.

حظه كبير من يكون “دوزان روحه” من محيطه القريب و قد اكتشفه باكراً، فقد نجا بحياته إلى الأبد.
و حظه أكبر ذاك الذي قدمته له الحياة رويداً رويداً ، عاماً بعد عام، ثقة بعد ثقة، تجربة بعد تجربة حتى صار أشبه بالخيال و لو ابتعد .

♥️♥️♥️♥️

شاهد أيضاً

عروس النيل الفنانة لبنى عبد العزيز:

★خرج من بيتي العندليب عبد الحليم حافظ وانا أحمل سيناريو الفيلم. ★زمن جميل بكل الفنون: …