رحلة في بلد الإشعاع

رواية على حلقات للأديب أحمد فقيه

الحلقة العاشرة (الذئاب الضارية)

تراءى لعفراء أن وقفتهما تلك ستطول بعض الشيء، ولم تشأ تأجيلها أو إختصارها، لذلك أشارت على إسماعيل بأن يعدلا من وضعهما، فهناك بعض الحجارة بالقرب من جذع الشجرة العملاقة فليجلسا عليها.. وهكذا كان.. فجلست هي على حجر وأسندت بظهرها إلى جذع الشجرة وجلس هو على حجر آخر وأسند بظهره إلى الحائط، وبهذا الوضع أصبحا متقابلين، وعادت عفراء لتجيب على إستفسارات إسماعيل فقالت:” يبدو أن من عرفك يا إسماعيل أحبك، وكذلك والدي الذي لم يكن حبه لك بأقل من حب الآخرين.. “

وهنا قاطعها إسماعيل، وبشيء من الدعابة، قال:ومن هم هؤلاء ” الآخرون “؟!

فتغض عفراء من طرفها، ثم تبتسم، وتقول:إنهم كثر، لا مجال لحصرهم.. ألا يكفيك بأنني واحدة منهم؟!..بل لا أريد أكثر من هذا..

ثم تستمر عفراء في حديثها:” لقد كان الوالد يعلق عليك آمالاً كباراً.. وإني ما زلت أذكر كم كانت فرحته عندما وصلته منك تلك الرسالة التي كانت الأولى والأخيرة، وكيف كان حزيناً قبلها، وماذا جرى له بعدها عندما طالت غيبتك وإنقطعت أخبارك!.. لقد وصل به الأمر إلى أن كرِه الذهاب إلى المقهى لعدم وجودك فيها ولزم البيت مدّة طويلة.. حتى أن العمّال في المقهى أو البعض منهم، قد إستغلوا حب والدي لك وغيابك لينكلوا به ويغيضوه كُلَّما حانت لهم الفرص، وقد علمت من والدي فيما بعد بأنه كان يعتبرك بمثابة ولده تماماً، بل، على ما أعتقد أنا، أكثر لأن هناك الكثيرين من الأباء لا يولون أبناءهم ذلك الإهتمام، ولا يغمرونهمبمحبة كتلك التي عصفت بوالدي، وخاصة بعد تغيبك.. “

” وقد شعر الوالد بالكِبرِ والعجزِ، أو أنه خشي الوصول إليه وليس له من ولد يرثه ويحل محلّه، فكان يريد أن يترك أمر العمل، وحتى البيت لشخص يطمئن إليه.. وقد وجد فيك ضالته المنشودة.. ولكن بعد أن طالت غيبتك، شعر بخيبة أمله، فإنهار كلية، ولم يعد يشعر برغبة في العمل ولا حتى في الذهاب إلى المقهى ظناً منه أنه أصبح عاجزاً، ولم يعد يقوى على مقارعة العمال والزبائن وغيرهم، كما يحدث في المقاهي أو في الأماكن العامة. وهذا بالطبع، جعل العمّال (يسرحون ويمرحون على هواهم).. وبدأت الديون تتراكم. وإنتاج المقهى لم يعد يكفي مصاريفها، ومع هذا كان الوالد حريصاً على أن يدفع الإيجار الشهري لصاحب الملك، وللعمال أيضاً حتى لو دفع مما يدخره.. وبعد مضي حوالي سنة مرض الوالد مرضاً شديداً أقعده في المنزل مدة تزيد على الستة أشهر. كان أثناءها قد كلف أحد العمال بأن يدير شئون المقهى، فيشتري لها الحاجيات اللازمة، وفي المساء يأتي بما تبقى من الغلة للوالد، وكان الوالد، يعطيه كل شهر ليدفع للعمال ولصاحب الملك. ولكن صاحبنا (الوفي) يبدو أنه قد إتفق مع صاحب الملك والعمال على خطة كان نتيجتها أن أخرجوا الوالد من المقهى دون أي تعويض.. ذلك أنهبعد حوالي ستة أشهر جاء الوالد كتاب من صاحب الملك عن طريق كاتب عدل بيروت ينذره فيه برفع يده عن المقهى وما فيه لعدم دفع الإيجار لمدة ستة أشهر متتالية.. وكان الوالد ما زال مريضاً، ونحن ما زلنا مشغولين به، وبما يجب عمله من أجل شفائه.. لم نكن نتصور بأن يحدث ما حدث.. لم نكن نتصور بأن إنساناً ينهش إنساناً مثله هكذا وهو حي!.. الوحوش الكاسرة لم تفعل هذا.. أبداً.. أبداً.. لم يفعل سوى الإنسان صاحب المدنية وحامل لواء الحضارة!.. وعندما أصبح بإمكان الوالد أن يقف على رجليه، وسمح له الطبيب بالسير، ولكن دون إجهاد فكر بالذهاب للمقهى ليرى ماذا حدث، وخاصة بعد تغيب العامل لمدة تزيد عن الشهر، ولم يعد يشاهده، وكان الوالد أثناءها قد نسي حكاية الكتاب ولم نشأ أن نذكره فيه حفاظاً على صحّته..

ولشد ما كانت دهشته عندما لم يجد أثراً للمقهى!..

لقد علمنا فيما بعد بأن الدولة كانت قد وضعت خطة لتوسيع الشارع الذي تقع فيه المقهى، ومن ثم لا بد من هدم بعض الأبنية التي تعترض هذا العمل.. وقد علم صاحب الملك بهذا الأمر، وكان على علم بحالة الوالد، فإتفق مع العمال في المقهى على تلك الخطة الدنيئة لسلب الوالد حقه في التعويض الذي كان يجب أن يدفع له.. وعندما حاول الوالد أن يراجع الجهات المختصة بهذا الأمر، وجد أن كل شيء قد إنتهى، والجميع أداروا له ظهورهم!.. والوالد بطبيعته لم يكن يهوى المشاكل والمحاكم، وليس بذى مال أو نفوذ ليستطيع الوصول إلى حقّه، فسلّم أمره لله، ولزم المنزل..

وبقي الوالد في البيت مدة سنتين تقريباً، صرفنا خلالهما كل ما كان لدينا من دراهم، وباعت الوالدة الكثير من مصاغها وحليها، وباع الوالد السيارة التي لم نكن بحاجة إليها، والتي يبدو أن الوالد قد إشتراها من أجلك عندما حزت على إجازة القيادة. وكان الوالد يتفقدها من آن لآخر، ويقف عندها بعض الوقت.. وقد شاهدته ذات مرّة وهو يقف بجانبها وكأنه يحدثها، وعيناه مغرورقتان بالدموع، ثم سمعته يقول: “.. أردت أن أكمل فرحته، وأصرف نظره عن ترك المقهى.. هل يعود يا ترى؟!..”

وإني لا أكتمك بأني قد تأثرت جداً عندها وبكيت بكاء مراً لكن دون أن أجعل الوالد ينتبه إليّ..

وضاقت بنا الحياة.. وفكرت مراراً بالخروج للعمل، ولكن لم أكن أعرف ماذا أعمل، وكيف أفتش عن العمل.. وفكر أبي بأن يبيع البيت الذي نسكن فيه، ونستأجر شقة أصغر منه. وقد عرض على الوالد مبلغ مائة وخمسين ألف ليرة كثمن للبيت، إلا أن رفض هذا المبلغ.. وله الحق في أن يرفض، فالبيت من طابقين وحديقة، وكراج للسيارة في بيروت لا شك أنه يساوي أكثر من هذا الثمن بكثير. أضف إلى هذا حب الوالد وحبنا جميعاً لهذا البيت. فأنا ولدت فيه ونشأت، والوالد والوالدة تزوجا وعاشا حياتهما الزوجية كلها فيه فكان البيت جزء من كياننا جميعاً، نحنُّ إليه كما نحنّ لبعضنا البعض، فهو بالنسبة لنا كالوطن بالنسبة للمغترب الذي يتحرّق شوقاً لمشاهدة وطنه.. فهو وطننا الصغير في قلب الوطن الكبير.. ومع هذا فقد وضع الوالد كحد أدنى لثمن البيت مبلغ مائتي ألف ليرة لا يقل عن هذا قرشاً واحداً مهما حدث..

وإستمر بنا الوضع هكذا مدة ستة أشهر أخرى، باعت الوالدة خلالهما كل ما لديها من حلي ومجوهرات، وبعت أنا كل ما أهدي إلي دون معرفة الوالدين، وبعنا كثيراً من التحف والكماليات التي كانت تزين البيت، وكل هذا لم يكفِ مما أدى بالوالد إلى الإستدانة.. فقد إستلف بعض الدراهم من مراب، ورهنه على الطابق الأرضي من البيت..

قبل أن تنتهي المدة المحددة لسداد الدين جاء الغيث من عند الله!..

لا أدري إن كنت دقيقة في تعبيري هذا.. إذ أنَّ ما حدث هو أنه جاءنا كتاب من مجلس التخطيط والإنشاء يبلغنا بأنه سيمر شارع من منطقتنا، وأن هذا الشارع سيبتلع بيتنا بأكمله، وبيوتاً أخرى عديدة.. وبناء عليه فقد تم تثمين البيت من قبل لجنة خاصة بمبلغ أربعين ألف ليرة تدفع حسب نظام وموعد سيتقرران في كتاب لاحق.. وقد تركوا في كتابهم مهلة لمدة أسبوعين لكي يفكر الوالد في الأمر ويحتج إذا أراد الإحتجاج..

ولكن الوالد طار صوابه عندما علم بهذا الثمن البخس.. ولم يخبرنا بالموضوع في بادئ الأمر إذ أنه لم يكن يريد أن يزيد من آلامنا وآثر أن يتحمل الأمر بنفسه.. راجع بعض الناس بخصوص عملية الرد والإحتجاج وكيف يمكن هذا فأشاروا عليه بألا يفعل، لأنه إذا فعل فإن الدولة ستراجع تثمينها هذا ( وتخسفه إلى النصف تماماً ). وإحتار الوالد ماذا يفعل، إذ أن الذين أشاروا بهذا هم من موظفي الدولة الذين لهم علاقة بالأمر مباشرة!.. وقضى الوالد مدة أسبوعين في حيرة وقلق لم يذق فيهما طعم النوم إلا نادراً.. وكثيراً ما كنا نشاهده وهو جالس أو مستلقٍ على فراشه، يقلب كفيه، ويتمتم بكلام لم نتبين منه شيئاً، فإعتقدنا بأنه يفكر في مشكلة الديون التي بدأت تتراكم علينا، وكيفية التخلص من الهاوية التي ننزلق إليها بسرعة..

ولم نعلم حقيقة هذا الهاجس الجديد الذي سيطر على الوالد وشغله ليلاً ونهاراً إلا عندما إنقضت مدة الأسبوعين ( المدة المحددة في الكتاب آنف الذكر )، حيث ورد للوالد كتاب آخر من المصلحة نفسها المختصة في التثمين.

لم يستطع الوالد أن يمسك نفسه عندما فض الرسالة وعلم ما بها.. فتنبهت أنا ووالدتي على صراخه الصادر من قلب مثخن، فإذا به يقول بأعلى صوته: (لا!.. لا!.. هذا نصب!.. هذا تدجيل!.. هذا سلب!..هذا حرام!.. حرام!.. حرام!.. يا ناس!.. حرام عليكم!.. حرام ثم حرام!.. أين العدالة؟! أين الإنسانية؟!.. أين الدّين؟!.. أين الشرائع؟!.. هل نحن في غابة؟!.. لا!.. لا!.. الوحوش لا تفعل هذا.. لا.. لا.. لا!!..)

ثم يرتمي على السرير منهك القوى، يكاد أن يفقد وعيه لولا أن تقدمنا منه ولاطفناه، وعملنا على تخفيف الكارثة عليه بشتى الوسائل، بعد أن عرفنا السبب.

قلت للوالد: (ماذا بك يا والدي؟.. أخبرنا قد نستطيع مساعدتك! بعد أن هدأ روعه بعض الشيء، أشار إلى الرسالة التي كانت قد أفلتت من يده ولكنها ما زالت إلى جانبه دون أن يتكلم.

فشعرت بأنها إشارة منه بأنه لا يمانع في أن أطلع على الرسالة، فأمسكت بها وقرأت، فإذا بها تقول:

( و.. إن اللجنة العليا لرعاية مصالح الشعب وحقوقه قد وجدت بعد التدقيق والتمحيص، أن التثمين الذي قامت به لجنة من مجلس التخطيط لمنزلكم، مجحفاً بحق الشعب.. لذلك، حرصاً على مصالح وحقوق الجميع، نرى أنه من الواجب تخفيض هذا الثمن إلى النصف تماماً، أي إلى عشرين ألفاً، تأخذون نصف المبلغ عند توقيعكم على الأوراق، والنصف الآخر عند الإخلاء.. )

لا أخفي عليك، كانت الصدمة عنيفة.. كان من الصعب جداً عليّ وعلى الوالدة تجرع مثل هذه الكأس.. وكاد أن يغمى عليّ بعد قراءة تلك الرسالة المشؤومة لولا أن تذكرت الوالد وما يجب أن نفعله من أجله..

ثم طرأت لنا فكرة بعرض القضية على محام، فأسرعت إلى المحامي ( مسعود عبد الجليل ) إبن جارتنا أم مسعود. وبعد أن أطّلع على الأوراق هز رأسه أسفاً وألماً، ثم قال إن الأمل ضعيف جداً لأن فترة الإحتجاج قد إنتهت. ومنه علمت بأن هناك رسالة سابقة كانت قد وصلت للوالد. ولكنه قال سأكتب لكم إحتجاجاً وإسترحاماً، قد تتحرك فيهم بعض المشاعر الإنسانية، وينصفونكم ولو بالقليل القليل..

.. وفعلاً، كانت هذه الرسالة أفضل من لاشيء، فقد رفعوا السعر إلى عشرين وخمسة آلاف.. أما الوالد فكاد أن يصاب بمس من الجنون.. لم يستطيع تقبل هذا الظلم. وقضى مدة أسبوع وهو يقطع البيت ذهاباً وإياباً، وهو يردد كلمات أحياناً نفهم منها: ” هذا ظلم!.. هذه سرقة!.. إلخ ” وأحياناً لا نفهم شيئاً، إذ كان يكتفي ببعض التمتمات، وأحياناً يقلب كفيه، وأحياناً يرفعهما إلى السماء، وهكذا..

ولكن على الرغم من عظم الصدمة وعنفها، إلا أنها تمخضت في النهاية عن نتيجة نحمد الله عليها.. لقد قلَبَت تفكير الوالد رأساً على عقب. فزال عنه ذلك الوهم الذي إخترعه لنفسه بأنه أصبح عاجزاً ولم يعد يقوى على العمل. لقد وجد الذئاب تتربص به مكشرة عن أنيابها، وهي تتحين الفرص للإنقضاض عليه.. فوطد نفسه على أن يبدأ حياته من جديد.. من الصفر!..

.. وهكذا بدأ في البحث عن بيت نأوي إليه، وعن عمل يناسبه ويمكننا أن نعتاش منه.. (إن الله لا يبلي حتى يعين.) وهو الحكيم العليم.

وعندما وصل التفكير بالوالد إلى هذا الحد، ووجد بأنه لا مناص من ترك البيت وحسب الشروط التي أرادوها، تحامل على نفسه وذهب إلى الدائرة المختصة لإتمام المعاملات اللازمة وأخذ ما بقي له لكي يدفع الديون المستحقة عليه للمرابي، ولربما بقي معه بعض الدراهم لمساعدته في المشروع الجديد الذي سيباشر في البحث عنه. وعندما وصل إلى الصندوق تبين له بأن عليه ما يزيد عن الخمسة الآف ليرة ضرائب ورسوم، فلم يأبه لها كثيراً إذ كان يردد في نفسه المثل الشائع: (من غرق لا يخاف من البلل)..

وعاد الوالد أخيراً وبصحبته مبلغ لم يصل في مجموعة إلى العشرة آلاف ليرة، دفع أكثر من نصفه كديون مستحقة، وبقي معه الباقي..

وبعد حوالي أسبوعين من التفكير والبحث إهتدى الوالد إلى محل صغير عند نهاية هذا الشارع.. (مشيرة بيدها إلى الشارع الذي أمامها) ففكر في أن يستأجره ليبيع فيه عصير الفواكه وشراب العرقسوس، والتمر هندي، وبعض المرطبات الأخرى صيفاً، والقهوة، والشاي والسحلب شتاء. وخيل إليه بأنه سينجح في هذا العمل.. وقد تعجبت جداً من الحماس الشديد الذي ملك عليه تفكيره إزاء هذا العمل لدرجة إنه نسي كل ما أصابه من جراء الظلم الذي نزل عليه بخصوص البيت، والمقهى.. فلم أعد أسمعه يردد سوى نغمة واحدة بحماس وإندفاع: (.. الضعيف تأكله الذئاب. لن أكون ضعيفاً بعد اليوم.. سأعمل.. سأكافح.. لأسترد ما سلبوه مني.. لا بارك الله لهم في كل قرش أخذوه مني أو من غيري ظلماً وعدواناً).

وفعلاً، صدق حدس الوالد.. فقد كان هذا الدكان الصغير مصدر خير وبركة ورضا من الله، ألف مرة أفضل من المقهى.. وقد سُرَّ الوالد به جداً، وسررنا نحن لسرور الوالد، وللفرج الذي أنزله الله علينا.. وإذا شاهدت الوالد الآن، أخشى ألا تعرفه، فقد تغير كثيراً.. كأنه ولد من جديد. لقد زال “كرشه”، وأصبح خفيفاً رقيقاً بشوشاً ودوداً لكل الناس..

وهنا قاطعها إسماعيل مبتهجاً بعد ساعات الحزن والأسى التي قضاها منصتاً كالمكتومة أنفاسه، فهتف:الحمدلله!.. لقد شوقتيني الآن لمشاهدة ذلك الصديق العزيز والأب الحنون، ولكن لا أريد أن تكون زيارتي له مفاجئة ومقتضبه. غداً إن شاء الله سآتيه بعد أن تكوني قد مهدت الطريق. ولكن لم تخبريني ماذا جرى بالبيت. هل وجدتم بيت بالقرب من المحل، وهل تركتم البيت القديم رأساً فور إنتقالكم إلى المحل؟.. وهل دفعوا لكم ما تبقى من ثمن البيت فور إنتقالكم منه؟..

فتنهدت عفراء قبل أن تجيب، ثم قالت بألم وحسرة:ماذا أقول لك يا إسماعيل، كنت أفضّل ألا أدخل في هذه التفاصيل لأنها تعيد إليّ تلك الصورة المقيتة عن الإنسان ومعاملته لأخيه الإنسان والتي لا أريد لها أن تبقى في ذهني.. أريد أن إستبدلها بصورة أفضل.. صورة تشع منها المحبة، والعدالة، والمساواة.. ولكن ما دمت تريد معرفة كل شيء، فلا بد لي من أن أعيد هذه الصورة الأليمة: بعد أن إستأجر الوالد هذا المحل وباشر العمل فيه، بدأ يبحث عن بيت قريب منه لنا لكي نسكن وإياه فيه. إنه يريد أن يكون البيت قرب المحل، وهذا طبيعي وخاصة بالنسبة للوالد وسنّه. وبديهي أن البيت لم يكن موضوعاً على ” الرّف ” لكي يتناوله الذي يريده ساعة يشاء. فبقينا ستة أشهر ننتظر حتى فرغ بيت هنا فإستأجرناه ونقلنا إليه. وعندها ذهب الوالد إلى المصلحة المعنية بالأمر لإبلاغهم بإخلاء البيت وتسلّم ما تبقى من ثمنه.. وبعد محاورة ومداورة وطلب براءة ذمة وما شابهه، وجد الوالد بأنه يتطلب منّا دفع إيجار قدره ثلاثة آلاف وخمسمائة ليرة عن الستة أشهر والخمسة عشر يوماً.. تصور هذه المهزلة.. بيت إيجاره الشهري خمسمائة ليرة، أي ستة آلاف في السنة، لم يدفعوا من ثمنه أكثر من ضعف إيجاره.. لم نستلم حتى الآن أكثر من إثنى عشر ألفاً!.. هذا عدا المصاريف التي يُلزِمونا بها، كإيجار تاكسيات من وزارة إلى وزارة، ورسوم على كل طلب من الطلبات التي لا تنتهي، والرشاوي، أو ” البقشيش ” التي لا تستطيع أن تنجز ولا ” وريقة ” صغيرة دون أن تدفعها، إذ أينما حللت ترى الموظفين، صغاراً وكباراً يتحلقون حولك، فلا يتركونك إلا وأنت خالي الوفاض، وإذا لم تعطهم ما يشبعهم، فيتآمرون عليك، ويماطلون في معاملتك، ويتركونك تأتي وتذهب بدل الشهر سنة وهم ” يا جبل عالي ما يهزّك ريح “.. وإذا كنت ذاهباً لدفع ضريبة يرفضون إستلامها، ويتعمدون تأخيرها لكي ” تدوبل “، وهكذا يصبح الألف ألفين، ثم أربعة، ثم ثمانية،.. وهم نائمين نومة ” أهل الكهف ” لا من يدري ولا من يحس.. ولا يرف لهم جفن!..

وخلاصة القول ” زهق ” الوالد من كثرة ما جرجروه، فإستلمت المهمة أنا عنه، ولكني سرعان ما زهقت أنا كذلك، فتركنا الأمر، وحتى الآن لم نقبض من ثمن بيتنا فوق ما قبضناه أول مرة سوى ثلاثة آلاف ليرة. والباقي كل يوم يقولون غداً، وكل سنة يقولون السنة القادمة، وعند بدء السنة المالية، وهذا السنة يوجد عجز في الميزانية.. وإلخ.. حتى شبعنا ضجر.. فتركنا الموضوع. وعلى كل حال قد نسي الوالد هذا الأمر الآن، فلا داعي لأن نذكّره به، وهو مسرور جداً بحياته الجديدة، وهذا ما يعزّينا عن كل ما فاتنا والحمدلله.

وبعد هذا السرد من عفراء، عقب إسماعيل، وهما يهمان بالوقوف تأهباً للذهاب إلى البيت:الظلم مهما طال، فلا يدوم. فلا بد للظلم من نهاية. على أنني مسرور جداً من التحول الذي طرأ على الوالد، وخاصة تركه للمقهى.. فكان يوماً مباركاً ذلك اليوم الذي أزيحت فيه. لا بد أن كابوساً قد أزيح عن صدر هذا البلد، ولا أظن إلا أنه أول الغيث.. لقد ساءني جداً ما كنت أراه في المقهى من فساد وعبث ومضيعة لإعمار الناس وجهودهم. وما فكرت في تعليم قيادة السيارة إلا لأنني كرهت العمل في مثل هذه الأماكن، ولكن الذي أخرني يومها، هو أنت.. نعم أنت.. اليوم أقولها غير خائف.. لقد تعلق قلبي بك، فتغاضيت عما كنت أشاهده وأتألم لأجله، لكي أبقى قريباً منك.. وأما الآن وقد ذهب ذلك المقهى فأنا مسرور جداً، ولا أحسب أن تلك الدراهم التي خسرتموها إلا كفارة عما كان يحدث في ذلك المقهى من سوء.. فلا تأسفي ولا تحزني على ما فات.. وليبارك الله في ذلك العمل الجديد.. وألف حمد لله الذي سيّرَ الأمور على هذا النحو. فهذا على الرغم مما إحتواه من مرارة، يجعل الإنسان يشعر براحة النفس وراحة الضمير.. أهل هناك أجمل من أن يعمل الإنسان على راحة الآخرين وسعادتهم والإبتعاد عما يؤذيهم؟! وقد إزداد سروري الآن، وإزداد شوقي للقاء والدك الحبيب لأهنئه بعمله الجديد.. آه، كم أتمنى أن آخذه بالحضن الآن وأسمع كلماته الحنونة الطيبة، ولكن الوقت قد تأخر بنا، ولم يعد مناسباً، وإني إن شاء الله سأخصص مساء الغد لزيارتكم، بعد أن تكوني قد مهدت السبيل إلى ذلك..

وكانا أثناءها قد وصلا إلى منعطف يأتي المنزل بعده مباشرة، فلم يرد إسماعيل أن يقترب من المنزل أكثر لكي لا يشاهده أحد من أفراد المنزل، فوقفا هناك هنيهة تبادلا خلالها النظرات المليئة بالآمال، ثم.. إفترقا..

أما من جهة والد عفراء ووالدتها، فبعد أن إستقر بهما المقام في المنزل الجديد، وبعد أن يسر الله سبل عيشهما، لم يعد هنالك ما يقلقهما أو يشغل بالهما سوى تلك المسحة من الكآبة التي خيمت على وجه إبنتهما الوحيدة، وذلك اللباس الأسود الذي عجلت فتوشحت به، وهي ما تزال في عمر الزهور مما جعل حياتها وحياتهما قاتمة على الرغم مما أضفى عليها ذلك من الروعة والجمال.. فأصبحت بزيّها الجديد بحيّها الجديد محط أنظار الجميع من أبناء الحي فالجميع ينظرون إليها بشوق ولهفة مع تقدير وإجلال لدرجة تقارب القدسية.. لذلك كان كل هم الوالد والوالدة هو جلب السرور إلى نفس إبنتهما، وإخراجها من ذلك الجو الكئيب الذي أسرت نفسها فيه، فلم يعارضاها في أي شيء تطلبه، أو أي شيء تعمله. فأطلقا لها الحرية الكاملة في كل شيء، وإن كانت لا تفعل إلا ما يعود بالخير على الجميع، وما يرفع شأنها وشأن والديها في نظر كل من يعرفهم.. فقد كانت حصيفة، رَزينة، لا تتكلم إلا بمقدار، وإذا تكلّمت راعت الحكمة والتعقل في حديثها. وإذا سارت كانت تسير الهوينى، وهي لا تنسى في كِلا الحالتين من يكون معها فتشاركه أطراف الحديث في لباقة وعذوبة، أو تجاريه في سيره أو عمله إن إقتضى الأمر، بطريقة طبيعية خالية من التكلّف والتصنّع.. فكانت حسّاسة جداَ، شديدة الملاحظة، تحافظ على شعور الآخرين، فلا تذكر أمام أحد ما تعرف بأنه يضايقه أو يذكره بما يضايقه.. وإذا حدث مثل هذا من غيرها في حضورها، فتسرع للعمل على إقفال باب الحديث، وتداري الموضوع، وتعالجه بطريقة لبقة مهذّبة، حتى ينسى الجميع ما كان، وكأنه لم يكن.. وقد أكسبها هذا التصرف مكانة عالية في نفوس الجميع وبالأخص واغلديها مما حدا بوالدها أن يعتمد عليها في إنجاز ومتابعة الكثير من معاملاته الحكومية التي تحتاج لطول صبر وأناة..

وكاد الصوت أن يكون واحداً

عندما تأخرت عفراء في تلك الليلة التي إلتقت بها بإسماعيل أثناء عودتها من زيارة إحدى صديقاتها، ساور والدتها بعض القلق، إذ أنها لم تتعود التأخر عن الساعة التاسعة مهما حصل، وها هي عقارب الساعة قد مالت عن العاشرة والنصف وعفراء لم تأتي بعد.. وفي هذه الأثناء كان ابوخليل قد عاد من عمله، فأسرّت له أم عفراء بما يساورها من قلق. فأجابها وهو يخلع ملابسه:لا تقلقي! فلا خوف عليها.لكن لم يسبق لها أن تأخرت إلى هذا الوقت.لا بد أنه قد طرأ عليها شيء جعلها تتأخر.. والمثل يقول:

” لا تلوم الغايب حتى يحضر “.أنا لم ألمها.. أنا فقط خائفة.. خائفة عليها.. من يدري؟!..تخافين على عفراء؟!.. والله لو كنت أنا وأنتِ، وكل الناس معها لما فعلنا أكثر مما تستطيع هي فعله.. ولا ندرك مواطن الخير أو الخطر أكثر مما تدرك..إني أوافقك على هذا.. ولكن لا تستبعد أن يكون قد أصاب البنت شيء في الطريق، أو عند رفيقتها، فالإنسان معرض لكل حادث مهما بلغ من المقدرة والقوة العقلية والجسمية.. أنا لست مطمئنة.

عندما ذكرت أم عفراء هذا كان زوجها قد إنتهى من خلع ملابسه، ولكنه فجأة عاد إلى لبسها ثانية، وبسرعة متناهية، وهو يقول:لقد أخفتيني فعلاً!.. لقد غاب عني هذا.. قد تكون البنت في ضيق وبحاجة لنا.. ثم إندفع نحو الباب مسرعاً..

وما كاد يضع يده على مسكة الباب محاولاً فتحه للخروج والبحث عن إبنته، وإذا بالباب يفتح برفق وتظهر من خلفه عفراء والبهجة بادية على محياها. ثم تقول: ” مساء الخير”..

وقبل أن يرد عليها الوالد فتح ذراعيه، وضمها إلى صدره، وهو يقول: ” مساء النور.. كلك خير إن شاء الله! “. وسمعت الوالدة بعض الكلام عند الباب فأسرعت، فإذا بها تفتح ذراعيها وتحتضن إبنتها، وقد هزتها موجة السعادة التي تغمر إبنتها. فتفجرت دموع الفرح من مقلتيها، ثم هتف وتبعها أبو خليل بنفس الهتاف وكاد الصوت أن يكون واحداً:

” الحمدلله على سلامتك.. لقد إنشغل بالنا عليك.. خير إن شاء الله؟!.. ” فشكرتهما على طيبتهما وحبهما لها، وقبّلت كلاً منهما بعد أن طمأنتهما بأنه لم يحدث إلا الخير.. وأردفت موجّهة كلامها إلى والدها:لك عندي بشارة سارة، يا أغلى أب..

وقد سر الوالد سروراً بالغاً عندما شاهد السعادة والبهجة تغمر إبنته، فحمد الله على ذلك وأجابها وفي حلقه غصّة الفرحة:مهما تكن البشارة فهي لا تهمني بقدر ما تهمني تلك البسمة التي تشع على وجهك والتي حرمت منها سنوات عديدة.. ولو أن الأموات يرجعون إلى الحياة بعد موتهم لقلت بأن تلك البشارة التي ستزفينها إلي، ما هي إلا عودة إسماعيل من عالم الغيب..

ثم رفع يديه إلى السماء، وتمتم بكلمات غير مسموعة، وعاد إلى مخاطبة إبنته:.. على أية حال، ما هي بشارتك يا حلوتي؟..لقد أصبت يا والدي!.. لقد عاد إسماعيل، وغداَ سيأتي لزيارتنا!..

فدهش أبو خليل لدرجة الذهول.. ولكن تماسك وقال لإبنته:أنا، بالطبع، لا أناقشك في صحة ما تقولين، فما تعودنا منك سوى الصدق، وما يبدو على وجهك لخير دليل على هذا، ولكن كيف عرفت؟!..

وكان عقل كل من الأم والأب قد أخذ يعمل بسرعة، وكل منهما بدأ يربط بين حالة عفراء بالأمس وحالتها الآن، وعلاقة هذا باللباس الأسود. وبعد هذا لم يعد خافياً على أي منهما سبب بهجة إبنتهما إلى هذه الدرجة.

أما من جهة المعلم فقد كان سروره بالغاً عندما تأكد من وجود إسماعيل، وأنه سيأتي لزيارتهم في الليلة التالية.. ولكنه عتب على إبنته لتركه يذهب تلك الليلة بعد أن وصل إلى باب البيت دون أن يراه، ولم يقبل منها أي إعتذار بهذا الشأن.. ثم رفع يديه إلى السماء وهو يقول:حمداً لك يا رب.. يا مجيب الدعوات!..

ولم يزد على هذا، ولم يسأل أين كان وعن سبب تأخيره، فكل همّه أن يراه.. أما ” زمزم ” أم عفراء التي كان يهمها جداً أن ترجع إبنتها إلى سابق مرحها وسرورها، وبأية وسيلة، إلا أنها كمعظم الناس لم يهن عليها التراجع عن رأيها السابق بسهولة.. لذلك قالت: ما دام إسماعيل موجوداً حقاً، فما الذي أخّره كل هذه السنين؟!..

فسارع أبو خليل للإجابة قبل إبنته، وقال:لا بد أن هناك سبباً أخّره عن المجيء.. الحياة يا زمزم ملآنة بالأحداث وإسماعيل لا يتأخر إلا لسبب قاهر!..

وهنا تقدّمت عفراء وقالت:فعلاً يا والدي، كأنك عارف ما حدث.. ولكن ما حدث لإسماعيل لمؤسف جداً، ومع هذا فقد ترك بلدته منذ أكثر من سنتين، وما زال حتى الآن يبحث عنّا..ثم قصّت عليهما ما حدث له من وصية والده، ومن عقدة الذنب التي ما زالت تلازمه حتى الآن، والتي يحاول جاهداً أن يكفّر عنها بكل ما يستطيع..

إلّا أن الوالدة هزّت رأسها إستخفافاً، ثم قالت:إذا كان إسماعيل ” هذا ” يحبك كما تحبينه أنت لما ألقى بالاً إلى وصية أحد.. فها نحن ” أحياء ” وكم حاولنا إقناعك حتى بنزع هذا الرداء الأسود الذي تكبلت فيه منذ أكثر من ست سنوات، ولكننا لم نفلح.. فما رأيك فيه وهو يستجيب، حسب إدعائه كما تقولين، لوصية من فارق الحياة.. ويتزوج بأخرى، ويبقى معها طوال هذه المدة، ولا يسأل عنك، وأنت هنا تتحرقين لوعةً وألماً وحزناً على فراقه!!.. هذه أمور، بصراحة، لا تدخل عقلي!!..

وكانوا ثلاثتهم قد وصلوا غرفة الجلوس وإستلقى كل منهم على كنبة، وعندما وصلت الأم بتهجمها إلى هذا الحد، إنتصب أبو خليل واقفاً، ثم قال:إنتِ دائماً ضدّه.. حرام عليكِ!..

ثم يهدأ فجأة، ويأخذ بمداعبة شاربه الكثيف بيده اليمنى، كمن يفكر بشيء، ثم يواصل كلامه، ولكن بلهجة أقل حدّة:.. كل شيء جائز.. ولكن يجب ألا نتعجل في الحكم.. من يدري؟!.. قد نفعل ما فعله لو كنا مكانه!..

وما كاد أبو خليل ينتهي من حديثه حتى إنطلقت عفراء قائلة:.. بل لو كنت أنا مكانه لما فعلت غير الذي فعله.. إنه إنسان يقدّر شعور الآخرين حتى وهم أموات!.. إنه يسعد بسعادة غيره.. ومن أجل هذا ضحّى بسعادته ليرضي ويسعد غيره..

فأجابت الأم: أرجو أن تكون تقديراتك في محلّها يا عزيزتي.. إن ما يسرّك يسرّني طبعاً.. وإن كان هذا رأيك في إسماعيل، فإني أول من يبارك حبكما ويعمل على تحقيق سعادتكما..

وبات الجميع كل يحلم بما سيأتي به الغد.. وكانت تلك الليلة الأولى التي تخلع فيها عفراء الأحلام السوداء لتستقبل أحلاماً أخرى من نوع آخر فتجعلها تغمض جفنيها في دعة وسكينة وتنام قريرة العين هادئة البال.

أما إسماعيل فقد بات تلك الليلة وهو يحلم بذلك اللقاء البهيج الذي يمثل منعطفاً تاريخياً في حياته، وفي الهدايا التي سيحملها إلى حبيبته في ذلك اللقاء، و في الطريقة التي سيقابل بها المعلم أبو خليل الذي أصبح بمثابة والده، وأم عفراء التي لا يفرّق بينها وبين والدته..

وما كادت شمس الصباح تطل بأشعّتها الذهبية الدافئة حتى نهض إسماعيل، وقصد إلى السوق مباشرة حيث قضى معظم نهاره متنقلاً من سوق لآخر وهو يختار الأنسب من الهدايا من مجوهرات وعطورات وألبسة لحبيبته، ولم ينسى كذلك الوالدين العزيزين..

ثلاث حقائب

وفي المساء كان إسماعيل يقف على باب بيت حبيبته ويده تضغط على الجرس الكهربائي وإلى جانبه ثلاث حقائب على كل منها كتب إسم صاحبها.. كان اللقاء حاراً، وغمرت السعادة الجميع..

كان إسماعيل موفقاً تماماً بإختيار الهدايا بالنسبة للجميع وبالأخص بالنسبة لأم عفراء التي بدأت تغير رأيها فيه.. فقالت لإبنتها بعد خروج إسماعيل، وبعد أن إطلعت على ما خصّها به:تعرفي يا عفراء أن إسماعيل، حقاً، عنده ذوق!.. الله يلعن ساعة الشيطان.. كم كنت قاسية عليه!..

أما أبو خليل الذي أسكرته نشوة اللقاء وكاد يطير من الفرح والغبطة، فإنتهز هذه الفرصة وعلّق على كلام زوجته قائلاً:الحمدلله!.. هل صفي قلبك الآن؟!.. هل صدَّقتِ كلامنا؟!..

فأجابت أم عفراء وهي تغض من طرفها بعض الشيء:كل ما أريده هو مصلحة إبنتنا العزيزة الوحيدة، ومن حقّي أن أشكّ في كل شيء ما دام غير واضح أمامي، إنه مستقبل.. إنه عمر كامل، ولا أريد، وأنت كذلك لا تريد أن تعيش إبنتنا في بؤس وشقاء.

ثم تبتسم إبتسامة خفيفة، وتخفض من لهجتها وتقول لإبنتها:” مش هيك ” يا عزيزتي؟.. يا أحلى الحلوين إنتِ!..

وتقترب منها أكثر ثم ترسم على جبينها قبلة، لتقول بعدها:مبروك.. مبروك.. ألف مبروك.. الله يسعدكما ويجعل حياتكما كلها بهجة وسروراً!..

فيهتف أبو خليل:”براڤو”.. “براڤو”.. أحسنت يا أم عفراء.. أحسنت يا ست الكل.. هه.. ” هيك بدّي إياكِ.. عفارم.. عفارم.. يا ست الستات.. عفارم! “.

فتدمع عينا عفراء من الفرح وهي تمسك أمها بيد وأبيها باليد الأخرى، ثم تجذبهما حتى يلتصقا بها، فتحتضنهما بذراعيها وهي بينهما، ثم ترسم على خد كل منهما قبلة حارّة كلها حب وحنان، فيردّا لها القبل بحرارة أقوى وحب أشدّ..

.. وهكذا ينصهر الثلاثة في موجة من الحب الإلهي.. ويبدون للحظات كأنهم جسم واحد متآلف متجانس! فتتذكر عفراء تلك الصورة التي حدّثها عنها إسماعيل، فيزيد إعتبارها له، وقيمته في نفسها تزداد عمقاً ورسوخاً..

إلى اللقاء في الحلقة الحادية عشر ( البيت الجديد)

شاهد أيضاً

البيسري استقبل الحشيمي وقصارجي ومحفوظ

  استقبل المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري ، في مكتبه في مقر …