لماذا سميت “الجمعة اليتيمة”؟ وكيف كان حكام مصر يحيونها؟

زياد سامي عيتاني*


أطلق المسلمون على أخر جمعة من شهر رمضان المبارك، إسم “الجمعة اليتيمة”، وهم يسمونها بذلك لأن لا جمعة تليها ولا أخت لها في الشهر الفضيل، وعلى الرغم من عدم وجود أصل شرعي لها،(هذه التسمية هي مجرد سلوك إجتماعي مرتبط بالعادات والتقاليد الراسخة)، إلا أن كثيراً من المسلمين يحتفلون بها ويحيونها بتأدية صلاة الجمعة اليتيمة” في المساجد، حيث يخصص الخطيب خطبته على فضائل الشهر الكريم والتحسر على قرب إنقضائه، ويلي صلاة الجمعة تواشيح وإبتهالات تودع الشهر المعظم، يطلق عليها “توحيش رمضان” (من الوحشة)، وسط مشاعر الحزن والأسى على قرب رحيل الضيف العزيز…


*الصلاة في جامع عمر بن العاص:
وكانت الحشود الهائلة تجتمع من ذي قبل لأداء الصلاة بأول مساجد مصر وأفريقيا المعروف بـ “المسجد العتيق” أو بـ “تاج الجوامع” الشهير بـ ” مسجد عمرو بن العاص”، حيث كانت تحضر إليه من جميع أنحاء القاهرة وأحيانا من خارجها، وكان حكام مصر من الأسرة العلوية يحافظون على هذا التقليد من سنة 1805 – 1952، حيث يصلون صلاة الجمعة اليتيمة في هذا المسجد الشهير، وكان الخليفة في العصر الفاطمي يصلي هذا اليوم في هذا المسجد أيضا، وكان يتم فرشه المسجد بفرش خاص من الحرير، وتعلق على المحراب ستارتان من الحرير الأحمر عليهما عدد من قصار السور، وكان قاضي القضاة يقوم بتبخير المنبر بأجود أنواع البخور بواسطة مبخرة مصنوعة من الفضة المطعمة بالذهب، ويأتي الخليفة في موكب مهيب يرتدي ملابس بيضاء اللون استعدادا لصعود المنبر وإلقاء الخطبة، وفقا لما جاء في كتاب (شهر رمضان فى الجاهلية والاسلام) أحمد المنزلاوي‎.


•حكام مصر يحرصون عليها:
ظل أداء صلاة الجمعة اليتيمة بأحد المساجد الكبرى بالقاهرة من التقاليد الملكية والرئاسية لسنوات طويلة، ربما تأثراً بالوجدان الشعبي الذي يحرص على صلاة آخر جمعة في رمضان قبل توديع الشهر وإنتظاره لسنة كاملة.
كان حكام مصر، لا سيما في العهد الملكي حريصين على أن يؤدوا تلك الصلاة “الجمعة اليتيمة”، وكان الملك فاروق من أوائل حكام مصر الحديثة الحريصين على أداء صلاة “الجمعة اليتيمة” في مكان عام، إذ كان يؤديها إما في جامع السيدة زينب أو جامع عمر بن العاص في الأغلب.
وبعد ثورة يوليو مباشرة أدى الرئيس محمد نجيب “الجمعة اليتيمة” في الأزهر الشريف، وهو نفس المسجد الذي إختاره الرئيس جمال عبد الناصر، والذي يعتبر الرئيس الأكثر مواظبة على الاحتفال بهذا اليوم طوال سنوات حكمه.


وفيما يلي إستعراض لفعاليات إحتفال حكام مصر بالمناسبة:
-الملك فاروق:
كان فاروق مواظبا على صلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان أو “الجمعة اليتيمة” في مسجد “عمرو بن العاص”، وكانت هذه الجمعة تحظى باهتمام الملك والشعب، وكان الموكب الملكي يتقدمه خيالة الحرس الملكي، وتسير حوله وتتعقبه في نهايته الفرسان، وتجر العربة الملكية 8 خيول، وكانت العربة مغلقة ولها نوافذ من الكريستال، ويستقلها الملك وخلفه كبير “الياوران”، وتتبعها عربات رئيس الوزراء والوزراء والحاشية الملكية.
وبعد ذلك أصبحت المواكب الملكية تتكون من السيارات وحولها الموتوسيكلات.


وفي يوم من الأيام صودف بين مناسبتين، هما “الجمعة اليتيمة” وليلة القدر، صلى الملك فاروق الجمعة فى “جامع عمرو بن العاص”. وقامت مجلة “المصور” بتغطية هذا الحدث الكبير والمهم، فى عددها الصادر بتاريخ 24 أكتوبر 1941، تحت عنوان «المليك وشعبه فى صلاة الجمعة اليتيمة »، ومما جاء فى الموضوع الذى خلا من اسم المحرر: «كانت مصادفة سارة أن تقع الجمعة اليتيمة وليلة القدر هذا العام فى يوم واحد، فيحتفل المسلمون بالمناسبتين الكريمتين ويرفعون إلى بآرئهم أكف الضراعة أن يتقبل صيامهم وأن يقيهم وأهلهم وأوطانهم ومواطنيهم شرور هذه الحرب الضروس (الحرب العالمية الثانية)، وقد أحيا جلالة الملك أعزه الله السنة المباركة،على مأثور ما عرف عنه من الحرص على إقامة شعائر الدين فأدى فريضة الجمعة اليتيمة فى مسجد عمرو بن العاص، جريا على عادته وعادة من تعاقب على عرش مصر من آبائه وأجداده، ومن سبقهم من الولاة والسلاطين.


-محمد نجيب:
أدى أول رئيس جمهورية في تاريخ مصر صلاة الجمعة اليتيمة في الجامع الأزهر عام 1953 ، وكانت هذه هي أول مرة يؤدي فيها الرئيس الجمعة اليتيمة في الأزهر.
وقام البكباشي حسين الشافعي أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة بإلقاء الخطبة وكانت بعنوان : “محاربة الشائعات”.


-عبد الناصر:
ثاني رئيس جمهورية في تاريخ مصر ، جمال عبد الناصر قام بتأدية صلاة الجمعة اليتيمة عام 1955 في الجامع الأزهر، حيث توجد فيديوهات مسجلة له أثناء أداؤه لصلاة الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في الجامع الأزهر وكان يرافقه الوزراء، وفي العودة كانت الشوارع تعج بالمواطنين الذين خرجوا لاستقبال الرئيس وتحيته.


واستمر على أداء هذه الصلاة حتى عام 1961 في مسجد السيدة زينب وتواجد معه ابراهين ايناس زعيم السنغال. وبعدها طاف موكب الرئيس شوارع العاصمة وسط احتشاد الجماهير.


-السادات:
كان الرئيس أنور السادات يقضي أغلب شهر رمضان في مسقط رأسه فى قرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية، وكان يقضي أغلب وقته سواء بالليل أو النهار فى قراءة القرآن، كما أنه كان يطلب حضور الشيخ سيد النقشبندى فى ميت أبو الكوم، مساء كل الليالى القمرية بالشهر الكريم.
وكان الرئيس أنور السادات يقضي الأسبوع الأخير من رمضان فى سيناء معتكفا متعبداً قارئا للقرآن.
لذلك، لم يسجل للرئيس مشاركته في إحياء “الجمعة اليتيمة”، على غرار أسلافه.


-حسني مبارك:
والرئيس حسني مبارك كان يؤدي كذلك صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في الجامع الأزهر وفق ما نشرته صحيفة الأهرام عام 1988 ورافقه رئيس مجلس الشعب وكان في مقدمة مستقبليه رئيس الوزراء وشيخ الأزهر جاد الحق علي جاد، ووزير الأوقاف.


إلا أنه كسابقه كسر القاعدة في عام 2000، حيث أدى صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان في المسجد المغطى الجديد الذي أقامته القوات المسلحة بالنزهة في مصر الجديدة والذي يتسع لثمانية الف مصلٍ، وكان في استقبال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر حينها، والدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية آنذاك، ووزير الدفاع وعدد من كبار رجال الدولة.


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

ضاهر: “نطالب وزير الصناعة بالاعتذار علنا عن الإساءة لجدعون وتشويه سمعته”

قال النائب ميشال ضاهر في بيان صدر عنه: “بعد حوالى 11 شهرًا على إحالة المدير …