رحيل يوسف شعبان.. صاحب التعابير القوية والصوت الأجش

زياد سامي عيتاني*


يحمل النجم القدير يوسف شعبان الذي يغيبه الموت، متأثراً بجانحة “كورونا” تاريخاً كبيراً على كتفيه.. تاريخ يتجاوز نصف قرن من العطاء في دنيا الفن والشهرة والنجومية، إذ عمل فى السينما والمسرح والتلفزيون مع جيل القمم، الذي كان واحدا منهم، وأبدع في تقديم تجارب مهمة، ستبقى عالقة في ذاكرة الجمهور العربي.
فالنجم الراحل صاحب تاريخ طويل وأدوار مميزة وأداء لافت وضعته في مصاف مبدعي وعمالقة الفن الذين صنعوا أشهر وأجمل الروائع، وكان لهم دور كبير فى صناعة أهم الأعمال الدرامية في عصرها الذهبي. 
فقد كان يوسف شعبان يتمتع بالقدرات الفنية الهائلة التي تفصح دائما عن نفسها في كل دور، لتؤكد أن لديه المزيد من القدرات والطاقات الفنية.


فيكفي النظر إلى تعبيرات وجهه وقوة شخصيته، لنرى ذكاء وحكمة الممثل المبدع الذي تألق في أدوار الحاج درويش فى مسلسل “الوتد”، ورزانة وقوة اللواء محسن ممتاز فى “رأفت الهجان”، وحافظ رضوان فى “الشهد والدموع”، والحاج سلامة فراويلة فى “المال والبنون”، وأمجد هاشم فى “ضمير أبلة حكمت”، والمعلم سيد أبو ليلة في “ليالى الحلمية”، ورزق الهلالي في “السيرة الهلالية”، والأستاذ إلهامي فى “إمرأة من زمن الحب”، ووهبي السوالمة في “الضوء الشارد”، والأستاذ يوسف في “الحقيقة والسراب”، والأسطى سيد في “عيلة الدوغري”، و”ليلة القبض على فاطمة”، وغيرها عشرات الأدوار والشخصيات الراسخة فى ذاكرة الفن والجمهور، والتي أغنت الدراما المصرية والعربية قاطبة…


•خطيب في مدرسته بسن العاشرة:


وقف أمام الميكرفون لأول مرة قبل أن يكمل عامه العاشر فى مدرسته الإسماعيلية الابتدائية، حين اختاره مدرس اللغة العربية بعد أن لاحظ قوة شخصيته وصوته وسلامة لغته ليلقي كلمة في الإذاعة بمناسبة المولد النبوي الشريف. وبعد أن انتهى اهتزت المدرسة بتصفيق الطلبة والمدرسين إعجابا، وشعر الصغير بالنشوة والفخر.
ربما ما ساعده على ذلك، أنه قد سبق والتحق بإحدى مدارس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم قبل التحاقه بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية وحفظ أجزاء من القرآن، حيث ساعدته طوال حياته على إتقان اللغة العربية وسلامة مخارج الألفاظ، ومنحته مع صوته الأجش قوة فى التعبير والإلقاء.


•أول دور تمثيلي في الثانوية:


“على من يرغب الانضمام لفريق التمثيل التواجد فى مدرج الطبيعة بعد انتهاء الحصص”…
كانت هذه العبارة التي قرأها الطالب يوسف شعبان بعد التحاقه بمدرسة التوفيقية الثانوية، بداية الرحلة فى طريقه نحو الفن، حيث تذكر ذلك خلال إحدى المقابلات معه قائلاً:
“توجهت إلى مدرج الطبيعة فوجدت عددا من الزملاء الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك، ومنهم بليغ حمدي وحمدي أحمد وغيرهم. وكان الفنان صلاح سرحان الشقيق الأكبر للفنان شكري سرحان يشرف على المسرح المدرسي، ويعد رواية لتقديمها على مسرح الأزبكية واستصغرني، وقال لي تعالى العام القادم، وبالفعل في العام التالي أعطاني دورا فى مسرحية «سالومي» وحصلت على جائزة عن أول دور فى حياتي. 


•من دراسة الحقوق إلى معهد الفنون:


لا بد من الإشارة إلى أن الصدفة لعبت دورا مهما في دخوله الوسط الفني، إذ تمنت أسرته أن يلتحق بالكلية الحربية أسوة بأبناء عمه أو كلية الشرطة مثل أبناء خاله.
لم يجتهد يوسف شعبان من أجل تحقيق رغبة أسرته، وفضل الالتحاق بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، وشاءت الظروف أن يلتقي بالموهوب كرم مطاوع، ونشأت بينهما صداقة قوية وتأثر بشخصية صديقه كثيرا، وشيئا فشيئا تعلق بفن التمثيل، واستجاب لنصيحة صديقه العاشق للفن، والتحق بفرقة التمثيل بالجامعة.
تحول حب الفن إلى شغف كبير، ولذا ترك الحقوق، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وراح يرسم طريقه الخاص.
وعن تلك المرحلة يقول: “لم أفكر في احتراف التمثيل وكنت رياضيا وحصلت على بطولة المدارس فى المبارزة والسلاح وبعد حصولي على التوجيهية فكرت فى الالتحاق بكلية عسكرية لأنى كنت (لعبي)، وقلت الكليات العسكرية هتعلمني الحزم والالتزام، وحلمت بدخول كلية الطيران، لكن والدتي خافت ورفضت، فقدمت فى كلية الشرطة، ولكن لم يتم قبولي في كشف الهيئة”…


•”في بيتنا رجل” باكورة أعماله:


بدأ يوسف شعبان العمل في السينما قبل التخرج من معهد الفنون المسرحية بعام، حيث رشحه المخرج بركات للمشاركة في بطولة فيلم “في بيتنا رجل” إنتاج عام 1961، وضم هذا الفيلم نخبة كبيرة من نجوم التمثيل مثل: رشدي أباظة، وعمر الشريف، وحسن يوسف، ولذا حقق نجاحا كبيرا، ولفت أنظار شركات الإنتاج لميلاد وجه جديد، لتتوالى بعد ذلك العروض التي تلقاها…


•عبد الحليم كان يخشى منافسته:


يحكي الفنان الكبير عن مشاركته فى فيلم “معبودة الجماهير” أمام شادية وعبدالحليم حافظ، فيقول: “بعدما قدمت عددا من الأدوار كتبت عني الصحف أنني أستطيع أن أخطف الكاميرا من الفنان الذي يقف أمامي، ووقتها أراد عبد الحليم أن يكون الممثل الأول فى العالم العربى بعد أن أصبح المطرب الأول، واعترض حليم على مشاركتي فى الفيلم لكن شادية أصرت أن أؤدي الدور، لأنني كنت تعاونت معها فى أكثر من عمل، وأصر كل منهما على رأيه وظل الديكور لمدة 3 أسابيع دون تصوير بسبب خلاف شادية وعبد الحليم”…


•مسيرته الفنية:


قدم الفنان يوسف شعبان مسيرة فنية حافلة بالأفلام والمسلسلات بداية من عام 1961 بفليم “في بيتنا رجل”، لتتوالى أعماله إلى ما يزيد على 110 فيلما سينمائيا، فضلا عن المسلسلات التي قدمها ما بين رجل الأعمال الثري والرجل الصعيدي الجدع وغيرها، ليبقى في مكانة خاصة لا يستطيع أحد منافسته عليها، وتجاوز عددها  130 مسلسلاً.


-أفلامه:


شارك فى العديد من روائع السينما مع كبار نجومها من عمالقة الفن، فمن ينسى جلال العريس فى “أم العروسة”، وسلامة فى “بياعة الجرايد”، وفرج فى “زقاق المدق”، ورؤف فى “حمام الملاطيلى”، وعصام فى “الثلاثة يحبونها”، وعباس فى “الرصاصة لا تزال فى جيبى”، والوزير أحمد ثابت فى “هدى ومعالى الوزير”، وطلعت الحلوانى فى “كشف المستور”، ويوسف فى “قضية سميحة بدران” والعقيد مدحت فى “ليلة القبض على بكيزة وزغلول”، وغيرها عشرات الأدوار المتنوعة.


-مسرحياته:


في المسرح بدأت مسيرته بالمسرحية التلفزيونية “الطريق المسدود”، ثم قدم عدة مسرحيات بعدها أهمها “شيء في صدري”
و”أرض النفاق”، كما شارك في بطولة مسرحية من إنتاج القطاع الخاص بعنوان “مطار الحب” عام 1970 مع الفنان عبد المنعم مدبولي والفنانة ميرفت أمين.


-مسلسلاته:


وفي مجال التليفزيون قدم الفنان يوسف شعبان العديد من المسلسلات المتميزة منها “الوتد” مع الفنانة هدى سلطان و”عائلة الدوغرى” ودوره المتميز في مسلسل “رأفت الهجان” مع الفنان محمود عبدالعزيز وشارك الفنانة سميرة أحمد بطولة عدد من المسلسلات منها: “ضد التيار” و”أميرة في عابدين” و”امرأة من زمن الحب”، وقام بدور متميز في مسلسل “الشهد والدموع”، ومسلسل “الضوء الشارد” مع الفنان ممدوح عبد العليم، كما شارك في الجزء الخامس من المسلسل الشهير “ليالي الحلمية” للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة.


وقدم يوسف شعبان مسلسلا أبدع فيه باختلاف اللهجة المصرية وهو المسلسل الأردني “وضحى وابن عجلان” والذي اعتبر الأكثر مشاهدة في دول الخليج والأردن وسوريا في حينه، وشاركته البطولة من سوريا سلوى السعيد ومن الأردن نبيل المشيني إلى جانب الممثلين الأردنيين والسوريين الكبار، وغيرها الكثير…


ورغم هذا المشوار الطويل الذي بدأه يوسف شعبان بداية الستينات ومنحه عمره ووقته وأعصابه، فإنه اختار له نهاية قد لا تتشابه مع طموحه وحلمه، حيث قرر اعتزال الفن والتمثيل نهائيا وبلا رجعة، وقال متحسراً: “الفن “باظ” والمهنة “لمت” ومعندناش ثقافة ولا أخلاق.. المنتجون بتوع مصالح والمسلسلات بقيت شبه صفحات الحوادث.. بعض الفنانين “بيقلعوا هدومهم” والآخر “فتوات”!!!


*إعلامي وباحث في التراث الشعبي

شاهد أيضاً

ممثلة لبنانيّة تكشف: “خنت وتعرضت للخيانة”

كشفت الممثلة ريتا حايك، عن تعرّضها للخيانة، وقالت “خنت وتعرضت للخيانة”. وعن سبب إقدام الشخص …