فساد يُهدّد لبنان ومسؤولون يُمعنون تجويعاً للشعب

سياسيون يُغالون في اللامسؤولية وزعماء طوائف يستنجدون الوصاية وسفراء ينخرون في عباب الوطن

أحمد موسى


شعب تُسرق أمواله في وضح النهار فمتى تتم محاربة الفساد الذي نهب الدولة، تشعُّبٌ وتجذّرٌ في المؤسساتِ الحكوميةِ، هو الفساد بمخالبه الكبيرة وبرؤوسه القديرة، كان وما زال خطراً يُهدّدُ بُنيان الدولة، وفيما العالم يفتك به وباء واحد، فيما لبنان يفتك به أوبئةٍ سياسيةٍ وحكوميةٍ وأمنيةٍ واجتماعيةٍ وصحيةٍ وزعامتيةٍ، أهذا وقت للجدال على دستورٍ وصلاحياتٍ وخلافاتٍ على حكومةٍ من 18 و20 أو 22 وزيراً، فأي نوعٍ من الأمراض والأوبئة تحكمنا!!؟

شعبٌ تُسرقُ أموالهُ في وضحِ النهار، والقانون، ما زال في حيرةٍ من أمره، بين التطبيقِ والإنكار، أين اليد الحديدية التي يُضربُ فيها الفساد وكباره، نحتاج إلى ثورة، نحتاج إلى ثقافة تُشيرُ بالبنان للفاسد، وتطرده إجتماعياً قبل أن يُحكمُ عليه قضائياً، نحتاجُ إلى ضمير، ضميرٍ حيٍّ في جنبات الإنسان، وزيراً كان أم غفيراً، مسؤولٌ كبيرٌ أم موظفٌ صغير، النزاهةُ سِمتُ الصادقين والفسادُ مُستنقع المنافقين والسارقين والمتسلقين.
في الهاويةِ الاقتصاديةِ لم يعد يَخافُ الغريقُ من البلل، فالاسعارُ في جنونٍ، والشُحُّ المقصودُ للموادِّ بفعلِ المحتكرينَ يُلَوِّعُ اللبنانيين، أما سعرُ البنزين فكانَ ينقصُه لهيبُ أسعارِ تحت حُجج ارتفاع النفطِ العالمية، وأصحاب الشركات والتجمعات و(الصهاريج) يستغلّون، لاقتناص الفرص لإفقار الشعب، ليتبارى أحدهم متشدقاً ليُعلن مسبقاً زيادة في التسعيرة المسبقة ما دون الألف ليرة ليتفاجأ المواطن أنها ألف، وبالتالي احتراف في فن الكذب وزيادة في تخدير المواطن.
السياسة والاحتكار
وبعدَ ان أحرقت الازمةُ الاقتصاديةُ الكثيرَ من ضمائرِ واحاسيسِ المحتكرينَ والمتحكمين المحميين، كلّف رئيسُ حكومةِ تصريفِ الاعمال حسان دياب وزراءِ الدفاعِ والداخليةِ والماليةِ والاقتصادِ “وضعَ خطةٍ لاتخاذِ أقصى الإجراءاتِ والتشددِ في تطبيقِ تدابيرِ مكافحةِ الاحتكارِ والغشِ والتلاعبِ بالأسعارِ والتهريب”، وعلى اهميةِ القرارِ فانَ رئيس الحكومة ورغم هشاشة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والصحي وتدهوره، لا يزال يُنْبِئُنَا بـ”وضعِ خطة”، والمحتكرون يُدركون تلك الخطط وأكثر يكونون أمام “فرصة” في تجذير احتكارهم، أما عن التكليف، “أين كانوا على مدى الشهور السالفة، على فعلِ شيء، يسأل المواطنين، بعدَ أن خَطَّت الايامُ القليلةُ الماضيةُ على وجهِ لبنانَ وأهلِه ما لا يُطاق، رهنُ جِديةِ التطبيق المأمول منها أن لا تكون كسابقاتها من تمثيلات المساعدات المالية الـ400 ألف ليرة التي ذهبت إلى غير مستحقيها من موظفين ومقتدرين، على عينك يا وزارة شؤون اجتماعية وأسلافها وزميلاتها من وزارات، ليطلّ علينا الاتحاد الأوربي بمنحنا قرضاً لـ”حماية الأمن الإجتماعي” بـ246 مليون دولار، قرض كشف الوجه الحقيقي لطبقةٍ تُصرّ على الإمعان في إفقار شعبٍ لم تلوى ذراعه رياح الشرق والغرب، مُريدين قهره جوعاً وفقر، يختلفون على تصريفه وتوزيعه وتقاسمه ومحاصصة لقمة الفقير من حسابه وحقّه.
تهريب
لم ينتهِ الصخَبُ الاعلاميُ حولَ اللقاحاتِ في لبنان، وقبل ان تُهرّب إلى الخارج (بل بدا تهريبها)، كما هُرّبت إلى السياسيين والمحميين والمحضيين، لينبري أحدهم صاحب السعادة بطريقة استغلالية استعلائية حتى فقد صبره وكاد يطير عقله، مدافعاً عن عملية تهريب اللقاح إلى السياسيين بدلاً أن يقف إلى جانب من هم أولى وأحق من العجزة والمعوزين، منتهكاً الأعراف القانونية ودستورية منصّة وضعتها اللجنة الصحية ومقحماً مؤسسة الصليب الأحمر واللجنة الدولية للقاح، حتى كاد يطير اللقاح من لبنان، معرّضاً حياة اللبنانيين للموت البيطيء، لـ200 ألف مسن، تفوق أعمارهم الـ75 عاماً، لم يحصل منهم على هذا اللقاح سوى 13 ألفاً، أي بالكاد 7 في المئة منهم.
الأعراف والسياسة
ويطالعنا وزير معني ليمعن أكثر في حياة الناس وصحتهم، فيُلاقي نائباً، مستنداً إلى الأعراف العشائرية التي هي أكبر وأنبل من استخدمها بالأسلوب الذي اعتمده صاحب المعالي، مع الإحترام والتقدير للوزراء والنواب والسياسيين، فيما غليانُ الاسعارِ وصلَ الى حدِّ تبخرِ احساس المواطنِ بالوجعِ والفقر، فبِتنا في بلدٍ كلُّ أهلِه مياومون، ينتظرونَ يوماً بيومٍ الخبرَ السياسيَ او المؤشرَ الاقتصاديَ او الجديد الاجتماعي، وهم يسيرونَ في النفقِ الطويل.
استقالة سياسية
أما إطلالة الدكتور عبد الرحمن البزري الذي نحترم، فاعتلتها الكثير من الشوائب، ولم تكن موفقة، لا في بعدها الشعبوي ولا في مضمونها السياسي، وإن كان ضاهرها انتصار للحقيقة، لكن مضمونها كسب شعبوي على قارعة السياسية على رصيفٍ شعبوي من خلال الشفافية ونظافة الكف، وإن جاءت الإستقالة في وقت حرج “صحياً” على اللبنانيين، إلا أن استقالته خسّرته الكثير واطاحت بكرسي لطالما قاتل لأجلها، فالاستقالة سياسية غير مربحة.
سفيرة النحر
وفيما الوطنُ مطوقٌ بكلِّ اشكالِ الازمات، وأهلُه يعانونَ الجوعَ بفعلِ الاميركي وعقوباتِه وحصارِه وأدواتِه التي اَمعنت بنحرِ الاقتصادِ اللبناني على مدى عقود، خرجت السفيرةُ الاميركيةُ في بيروتَ بعقودِها وحِلِيِّها تَستعرضُ على الشاشاتِ وتكشفُ عن بذخِ عطاياها ووقوفِها الى جانبِ اللبنانيين، مستغلّةً حياة اللبنانيين، ومستهزئةً ومساعدةً بنحرهم مع طبقةٍ سياسية تُمعن وتمتهنُ نحر شعبٍ، كما أمعنت في تجويعهم، مستغلّةً الرأي العام اللبناني عبرَ توزيعِ الكماماتِ وكَنسِ زجاجِ انفجارِ المرفأِ وتلوينِ الجدران، فكُفُّوا عن تجويعِ الفقراء ومساندة وتغطيقة الناحرين والتجّار والمتحكمين والمحتكرين والسارقين والفاسدين، ونحنُ نعرفُ كيفَ نرمِّمُ الدمار وننهض من عمق الركام.
نفق مظلم
سياسياً لا بصيصَ أملٍ الى الآنَ في نفقِ الحكومةِ المظلم، وسردُ المظالمِ على الهواءِ والرسائلُ المتأرجحةُ يَميناً وشِمالاً والتي لم تترك حتى اللقاح، تُظهرُ حجمَ التشنجِ والتوترِ واللعبِ كهواةٍ لا مسؤولينَ على أوتارِ التأزم، وجائحة كورونا كشفت ضعفاً بنيوياً يُقوّض المجتمع اللبناني التعددي، فيُمعن المسؤولون فيه تخديراً بوعودٍ أقرب إلى الكذب على المساعدات الإجتماعية والصحية معاً، فيتقاسمون حقوق الشعب ويضربون في عقوله أخماساً بأسداس من التخدير بوعودهم التي عرّتهم ولا يتعبون من حالة العُري التي هم فيه.
قلّة الموت
فالقوانين تنفع في الدول التي تحترم شعبها وتنفذ العقد الاجتماعي بينها وبينه، وأما إذا كانت هذه الدولة والطبقة السياسية الحاكمة فيها هي سبب تجويع أهلها، فباسم أي قانون تَحكُم؟، فنعم، هذا يحدث في لبنان، فقيراً يسرق قوت عائلته، وطبقة وسطى، تنهشها المصارف والضرائب، وأقساط المدارس والمحروقات والمولدات والمستشفيات، ولن يبقى منها إلا بقايا شعب يعيش من “قلّة الموت”، في ظل تهاوي النموذج الاقتصادي الحالي، وتقويض الطبقة الوسطى التي تُعتبر العمود الفقري للابتكار والازدهار، نتيجة التدمير الهائل للثروات وافتقار الحكومة السابقة إلى الكفاءة وعدم استعداد السياسيين اللبنانيين لتغليب مصالح البلاد على مصالحهم الخاصة، وتستمر الحكومة الحالية على نفس الوتيرة لسابقتها، بالتأكيد ثمّة فساد وتعفّن في لبنان، سياسيون لبنانيون ومقرّبون منهم، رجال أعمال وشركات نافذة تنهب البلاد ومؤسساتها، مخلّفين وراءهم مؤسسات ضعيفة ودولة مفلسة، وزعماء طوائف يتحالفون مع قوى أجنبية، سعياً منها بالحصول على امتيازات محلية، تارةً يُسوّقون للحياد وأخرى لاستجلاب الوصايات، وفقط ليحافظوا على تركيبة حكم استثمر جميعهم فيها، فازدادوا غنىً ووفحشاً وزادوا لبنان واللبنانيين فقراً، فقوّضوا بالقمع ثقافة التعدديّة، منتهجين السياسة الشعبوية لخنق اللبنانيين، فكانت هوة من عدم الثقة، بينهم وبين متفرعات الحكم فيه، فكل ما يُريده اللبنانيون من هذا الحكم “شويّة أخلاق” دون تمييز في الحصول على اللقاح، “وقفوا بالصف وبس”.
الحيادية والوصاية
أما في السياسة والحكومة والتأليف والتوليف، ومع فشل البطريرك بشارة الراعي في مسعاه والتسويق لـ”الحيادية” بسبب التوقيت الخاطئ، أكمل مسعاه باستقطاب الخارج من خلال “مؤتمر دولي للبنان” وفيه استجلاب الوصاية الخارجية، مكان مسعى لا يقبّ تعثّراً وفشلاً عن الأول، وبين الحيادية والوصاية الدولية، فانعدام الأمل أقرب إلى التشاركية في ظل استدعاء الخارج، و”استدعاء وسطاء سبق أن اختبروا ساحة التفاوض”، لأن “نيوجرسي” أقرب إلى الواقعية والتوقيع، فعدّلوا “الطائف” وابنوا على “التحديث” لبرنامج سياسي مواكب للعصرنة والحداثة، ففي التشارك الجميع يرغب في المشاركة، أما الخسارة فولادوها كُثُر، فكفى “بهلوانيات” على حبال الانتخابات المبكرة والتطاول على مقام الرئاسة والأثلاث والأرباع والحصص الطائفية، فلطالما القوى الكبرى اختبرت الساحة اللبنانية كثيراً وعن قرب، فلماذا تتعامل مع الضعفاء والفاشلين، طالما أن “الأقوياء (…)” واضحين ثابتين لم يتزلزلوا والحل سيكون في قبضتهم ومنحهم “حكومة إنقاذية” موثوقة وفق قاعدة الخبرة والنزاهة والاختصاص والحيادية عن الوصاية الدولية.

شاهد أيضاً

يمق زار مركز “الجماعة الإسلامية” في مدينة طرابلس معزيا” باستشهاد عنصريها

زار رئيس مجلس بلدية مدينة طرابلس الدكتور رياض يمق، مركز الجماعة الإسلامية في طرابلس، مُعزياً …