لقاء صحفي مع الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) “مقابلة مفترضة”

إعداد: الأستاذة رداح عسكر

هذا اللقاء نشرته مجلة «المستقبل» العدد 314 في 26 فبراير من عام 1983 (أي قبل 35عاما من الآن). وهو من إعداد الكاتب المعاصر والصحافي المتميز: رياض نجيب الريس.

حيث كان يستفسر فيه من الإمام علي (عليه السلام) عن شؤون معاصرة في حياتنا اليومية وشغلت بال الجميع. وقد مهد لموضوعه بمقدمة نفسية وتاريخية، اجتذبت الكثيرين من مفكري أوروبا وآسيا وقتها. حتى إن أسئلة مختلفة من وزراء إعلام عرب وردت للمجلة حول هذا اللقاء الصحفي الأكثر من رائع …
وهذا هو نص اللقاء كاملاً:

س : سيدي أمير المؤمنين . ما هذا الزمان الذي تعيشه أمتك؟
ج : -“يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف في إلا المنصف. يعدون الصدقة فيه غرما. وصلة الرحم منا. والعبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، وإمارة الصبيان، وتدبير الخصيان.
لكن إذا تغير السلطان تغير الزمان.
وصاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه .
وآلة الرياسة سعة الصدر.
لكن من ملك استأثر”.

س: لكن كيف يواجه المرء، يا أمير المؤمنين، آلة الحكم، وسلطان الحاكم، والوضع العربي كما نعرفه اليوم عاجز ومشلول؟
ج : “لا خير في الصمت عن الحكم كما إنه لا خير في القول بالجهل”.

س : وهل يعمل الحاكم بمشورة المحكومين يا أمير المؤمنين؟
ج : “من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها.
ومن استقل وجوه الآراء عرف مواقع الأخطاء”.

س : لقد أصبح الظلم من معالم أمتك يا سيدي الإمام. أليس لهذا الظلم نهاية؟
ج : ” الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم لا يطلب . ويوم المظلوم على الظالم ، أشد من يوم الظالم على المظلوم .
ويوم العدل على الظالم، أشد من يوم الجور على المظلوم”.

س : لكن سلطان هذا الزمان يضيق صدره بالعدل يا سيدي؟
ج : ” من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق”.

س : أليس لهذا السلطان يا سيدي أمير المؤمنين من مواصفات؟
ج : -” لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيل ، فتكون في أموالهم نهمته. ولا الجاهل، فيضلهم بجهله. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه.
ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم. ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع”.

س : أين الوطن يا سيدي الإمام، وقد أصبحنا كلنا نعيش في غربة قاسية؟
ج : “ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك
(…) الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة”.

س : الفقر يا أمير المؤمنين، ليس هو غربتنا الوحيدة. يكاد الفقر يكون مقيماً معنا في عصر الغنى العربي؟
ج : ألم أقل لابني محمد بن الحنفية: يا بني، إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه. فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت.(…) الفقر هو الموت الأكبر (…) ولو كان الفقر رجلا لقتلته.

س : لقد شح عطاؤنا يا أمير المؤمنين. حتى يوم كثر مالنا؟
ج : “لا تستح من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه. (…) ومن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه.(…) وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله. (… لكن) ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى. (…) فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له”.

س : لكن الحاجة تدفع إلى الطلب أحيانا كثيرة يا سيدي الإمام؟
ج : “إن حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك . ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس”.

س : والطمع؟
ج :و”الطمع رق مؤبد”.

س : والعلم يا سيدي، أين منه المال؟
ج : “العلم خير من المال. والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق (…) العلم حاكم والمال محكوم عليه. (….) إن المال من غير علم كالسائر على غير طريق”.

س : أحوال العبادة في عالمنا قد ساءت يا سيدي الإمام. لم تعد تدري كيف يتعبد الناس يا أمير المؤمنين، وبماذا تؤمن؟
ج : “إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار. وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار”.

س : ما الفرق بين العاقل والأحمق يا أمير المؤمنين؟
ج : “لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه”.

س : والأحمق ماذا يريد عادة؟
ج : “إنه يريد أن ينفعك فيضرك”.

س : والبخيل؟
ج : ” فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه”.

س : والفاجر؟
ج : ” فإنه يبيعك بالتافه”.

س : والكذاب؟
ج : “فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب”.

س : أليس من الصعب الحكم على النوايا يا سيدي الإمام؟
ج : “وما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه”.

س : كيف نعامل الناس يا أمير المؤمنين في ظل هذه الظروف الصعبة؟
ج : “خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم. (…) ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك ولا حاجب إلا وجهك. (….. لقد) هانت عليه نفسه من أمر لسانه”.

س : وأعداؤنا؟
ج : “إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه”.

س : وهل نصالح أعداءنا يا سيدي الإمام؟
ج : “لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمنا لبلادك.
ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه. فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن”.

س : كيف نسعى يا سيدي أمير المؤمنين بين الحق والباطل؟
ج : “الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت. (…و) الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل أثمان: إثم العمل به وإثم الرضا به (…و) من صارع الحق صرعه”.

س : وكيف نعمل إذن يا أمير المؤمنين؟
ج : “احذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية. واحذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه”.

س :روالحياة، كيف نواجهها والحالة هكذا يا سيدي؟
ج : “ليس من شيء إلا ويكاد صاحبه يشبع منه ويمله، إلا الحياة فإنه لا يجد له في الموت راحة”.

س : والدهر كيف نعامله يا مولاي الإمام؟
ج :” الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فكلاهما زائل”.

س : لكن اللؤم يكاد أن يطغى على دهرنا هذا يا سيدي؟
ج : “احذروا صولة الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع”.

س : بل كيف ندفع التهمة عنا؟
ج : “من وضع نفسه مواضع التهمة لا يلومن من أساء به الظن”.

س : والإصرار على الجهل. كيف نحترس منه يا سيدي؟
ج : “من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق”.

س : حتى لو أصبحنا اليوم من غير أصدقاء؟
ج : “أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم. (…) لكن لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك”.

س : أين الأمل في كل هذا يا أمير المؤمنين؟
ج : “من وثق بماء لا يظمأ” .

س : أليس من مسك لختام حديثنا هذا يا سيدي أمير المؤمنين؟
ج :”ما أكثر العبر وأقل الاعتبار”.

ملاحظة:


[اعتمد هذا اللقاء على ما ورد في كتاب «نهج البلاغة» بأجزائه الأربعة. وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)،

وكما شرحه الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية]

شاهد أيضاً

*قتل زوجته بطلقين نارييَن بسبب خلاف بينهما، وقطّعها بمنشارٍ كهربائي ودفـنها في حديقة المنزل وشعبة المعلومات أوقفته وضبطت سلاح الجـريمة.

  2024-04-20 صــدر عــــن المديريّـة العـامّـة لقــوى الأمــن الـدّاخلي ـ شعبة العـلاقـات العـامّـة البــــــلاغ التّالــــــي: …