قصة قصيرة (رسالة إليها)

بقلم الكاتب أحمد دسوقي مرسي – مصر

وضع الخبز و قرطاس البيض على السرير اخرج من جيبه الرسالة

راح يقض غلافها بسرعة و بايد ارعشها الخوف من المجهول ….

اللهم اجعله خيرا يارب …الخطاب غريب ترى من ارسله الى ؟ فرد الرسالة … وجدها ورقة صغيرة مفصولة بعناية من كراسة اسرعت عيناه تركض على السطور…

فى لحظات انزلقت عليها نظراته و انتهت منها تنفس بارتياح يا سلام انا فى حلم ام فى علم يا اولاد امعقول هذا!! وضع الرسالة على المكتب اخذ يخلع ملابسه بفكر بعثرته البهجة. احس بخدر لطيف ينتشر كالعطر فى كيانه حاجة غريبة فعلاً … لقد كتبت خطابى و لم اكن واثقا ابداً من الرد عليه ارتدى جلبابه بسرعة

عاد الى الرسالة من جديد قراها للمرة الثانية اعاد قراءة السطرين الاخيرين ثلاث مرات مسموعة متانية

” ….و ارجو ان تكتب لى عن حياتك بالتفصيل و عن هواياتك المفضلة و لا تنسى ايضاً ان ترسل الى بصورة حديثة لك حتى اراك”..

تشبثت عيناه بهاتين الكلمتين (صديقتك المخلصة). حدق فى الكلمتين بقوة كانه يحفظ رسم الحروف مسح بلسانه على شفتيه فى نشوة نسى الجوع تماماً

راح يفتش فى ادراج المكتب عن المجلة . لم يجدها…. يا للحظ اين وضعتها يا رب ؟ لقد كانت معى منذ يومين 

فتش تحت اكوام الكتب و المجلات يعنى عفريت خطفها ..حاجة تجنن صحيح ، جلس على المكتب يائسا امسك بالخطاب مرة ثالثة بدا يقرأه ببط ء شديد و يامل حروفه باعجاب و ثمة دفء لذيذ ، يسرى فى عروقه ابتهاجا . 

الخط ليس جميلاً لكنه مع ذلك مقروء الاسلوب يعنى حتى لا نظلمها يمكن ان نحكم عليه من ناحية سنها يا اخى العظيم مقبول . مقبول يا انسة و لكن يبدو من كلامها انها مرحة… ما رايك ؟ طبعاً . لابد ان تمرح فسنها هى سن الشباب و المرح دق بكفه على المكتب لاحظ طرفها تحت الوسادة . نهض مسروراً   

يا شيخة . انت هنا و انا قلبت عليك الدنيا كلها جذبها اليه اخذ يفر صفحاتها على عجل . نعم قف هنا . قف . و ثنى المجلة …فى صفحة (بريد التعارف ) تطلع الى صورتها مبهوراً كان شعرها ينسدل على كتفيها طويلاً حملق فى عينيها . ابتسم .. و اسعتان . انا احب العينين الواسعتين . عظيم امسك بصفحة المجلة يا صغيرة. انت جميلة.. جميلة بحق صحيح و الان استاذنك لمدة قصيرة لاتناول طعام غذائى … ثم اعود اليك بعد ذلك شبعاناً و مرتاحاً . عن اذنك يا صغيرتى … عندك المجلات تسلى بها …. ها هى امامك كومة هائلة تخيرى منها واحدة و تصفحيها حتى اعود اليك و الان استاذنك … خمس دقائق فقط لن ازيد عليها صدقينى 

ساذهب. عن اذنك

غاب قليلاً فى المطبخ ثم عاد.. لم اتاخر عليك كثيراً اليس كذلك؟ جلس على الارض . امسك بالمجلة . نظر الى صورتها . تفضلى.. هى لقمة ليست على قد المقام عمرك فى المجلة 17 سنة .. اه ..انت عارفة كم عمرى انا؟ … قدريه اذا كنت شاطرة ..لا تعرفينه ..طيب . طيب ..انا يا ستى عمرى 47 سنة …ارايت؟

فارق السن بيننا رهيب .. اليس كذلك؟ .. و لا يهمك فانت تعرفين ان السن لم يكن فى يوم من الايام عائقاً ابداً يفصل بين قلوب البشر ..الحمد لله .. اكلنا يا ست و شبعنا. اسمحى لى مرة اخرى بعمل كوب من الشاى و اعدك ان اجلس اليك بعدها كما شئت . ساعة . ساعتين . ثلاثا …المهم ساجلس اليك حتى تحسين بالارهاق ما رايك … هل اعمل لك كوبا من الشاى معى ؟ .. لا تخجلى ..فانت صديقتى .. و البيت بيتك و الله .. ألست صديقتى؟ انت قلت لى ذلك 

دخل الى المطبخ يترنم باغنية مشهورة . عاد مرة اخرى . سامحينى . لقد تغيبت قليلا انت عارفة طبعا اننا فى اخر الشهر . هل تعرفين اخر الشهر ؟!

جلس الى مكتبه . تطلع الى صورتها فى المجلة . ابتسم لصورتها . ساشرحه لك .. فانت لا تدركين فيما يبدو شيئا اسمه اخر الشهر … اخر الشهر يا ست عند الموظف معناه : ان كل شىء قارب على الزوال، ان لم يكن بالفعل زال. يضحك . صدقينى . الطعام تنخفض نوعيته و ربما كميته .. يعنى كما تقول الرياضة 

“هناك علاقة طردية بين النقود و كمية الطعام ” … اما انا فاقول :

– مع سبق الاصرار و الترصد و ايضا كيفيته طبعا لقد رايتنى الان و انا اتناول طعام غذائى بيضاً و الحلو شاياً ..

يتنهد بحزن بعيد عنك النقود شحت .. هل تصدقينى ان معى الان ثلاثة جنيهات حتى اخر الشهر . اللحم طبعاً مؤجل حتى اول الشهر الجديد.

يحتسى رشفه …الله . شاى جميل فعلاً .. يقلب شفتيه هذا الملعون لن يكف عن شكايتى ابداً .. و لكن الدش الذى غسلته فيه اليوم كان يستحقه . اقسم بالله سألقنك درساً حتى تعرف من انا و تكف عنى لسانك الطويل، انا تشكونى يا احط الموظفين . يدق بكفه على المكتب . اسف يا صديقتى العزيزة . اعذرينى لست ادرى لماذا تذكرت هذا اللعين و انت معى لقد ضايقنى اليوم ووشى بى عند المدير و قد طلبنى  المدير بعد ذلك الى مكتبه و كان معى الدليل على اخلاصى فى العمل . ابتسم لى المدير ، و قال لى حصل خير ..ارايت ؟ ! ..المدير يبتسم مع انه – و حياتك عندى – لا يبتسم ابداًدخلت طبعاو على الزميل المحترم و عيناك ما تشوف الا النور . نزلت فيه نزلة “سودة ” يتكلم … يقدر يتكلم و الله يا عزيزتى لولا بعض الزملاء الذين حالوا بينى و بينه لربما ضربته او حتى قتلته انسان حقير – بعيد عنك – دنىء النفس متسلق قذر .. ماذا نفعل؟ الدنيا ملانة بالشرور .

ابعد الله عنك كل الشرور 

صدقينى – سأعترف لك – لقد عدت الى البيت يائساً محزوناً . كارهاً لكل الحياة، و لولا خطابك هذا الذى اعطانيه عم حجازى البقال ، لامضيت كل يومى مهموماً غضباناً . الحمد لله . ربنا ستر و لطف ، فانا و الله لا ينقصنى اى هم جديد.. يكفينى ما انا فيه .. يبتلع ريقه كغصة. طولت عليك ما علهش – تحملينى فلابد ان اشكو اليك ..ألست بصديقتى؟! المهم ساهديك صورتى لتذكريننى على الدوام يفتح درج المكتب 

يمسك بمظروف اصفر صغير . اه . ها هى ذى الصورة صورة قديمة التقطت لى و انا فى سن الثامنة عشرة اتقدم بها الى امتحان شهادة البكالوريا – يعنى الثانوية العامة على ايامكم … ما رايك فيها ؟ . شاب فى عمر الورد . اخر حلاوة

الشعر اسود . اجعد صحيح و لكنه مرجل بعناية و الشارب صغير . طويل . رفيع . كان نفسى ايامها ان اكبر بسرعة و اكون رجلاً يضحك فى تحسر هذا الشارب هو الشعر الاول الذى بدا ينمو فوق شفتى ايامها. هيه ايام .. الانف . ليس جميلاً .. لكنه ليس ايضاً قبيحا .. حتى انظرى … المهم الوجه مقبول و اجمل ما فى الصورة … الابتسامة اللطيفة . اياك ان تقولى : لا تصلح لى فصورتك و صورتى لائقتان على بعضهما تماماً . كاننا حبيبان ..هذه الصورة ساهديها لك يا ست . تذكاراً لصداقة ووفاء سيدومان ان شاء الله على الابد . 

شربت الشاى الان . اريد ان اسمع اغنية او قطعة موسيقية . هل تسمعين معى؟ انت لا تمانعين طبعاً اليس كذلك ؟ ينظر الى صورتها فى المجلة يبتسم . ينهض بخفة يفتح الراديو . يعود الى مكتبه .. يا سلام اغنية حب رائعة . تنسجم تماماً مع النسيم الرقيق الذى نستنشقه معاً … الا توافقيننى . يهز ساقه اليمنى اسمحى لى بعد ذلك ان اكتب اليك برسالتى الثانية ساعرفك بنفسى صادقاً، و لن اكذب عليك و الله بل ساجعلك تريننى كاننى فى الواقع فعلاً . امسك بكراسة صغيرة امامه. وضع رجلاً فوق رجل تناول القلم

تنتهى الاغنية فجاة . تدق الساعة معلنة الرابعة ينظر الى ساعته ياه .. لقد سرقنا الوقت يا عزيزتى .. ماذا اقول لك؟ .. و لا يهمك ..انا شخصياً احس بالسعادة ، و انا فى محضرك .. لتهرول كل ساعات الارض كلها و لتنفصل ايضاً عقاربها و هى تجرى ..فماذا يهمنى ؟ ! ينصت قليلا ” و قد اعلن اليوم وزير الدفاع الامريكى ، انه لا بد للولايات المتحدة ان تتصدى لمحاولات الاتحاد السوفيتى التوسعية و من ناحية اخرى صرح …..” 

ارايت . ملخص انباء الرابعة ينهض ساخطاً و يغلق الراديو .. انهم يريدون ان يلوثوا جونا الجميل المعطر باخبار مزعجة . يشيح بيده . كانهم – و الله – يحسدوننا على سعادتنا . المهم . لا تبالى . دعى هذا العالم كله يتخبط فى شئونه …فماذا يهمنا منه .. اننا لا نريد منه شيئاً ابداً انظرى . ان الحجرة مغلقة علينا و لن يزعجنا احد بعد ذلك ابداً و الان دعينى اتحدث اليك حديث الحب و الصداقة يمسك بالقلم . بسم الله نبدأ

صديقتى المخلصة ( ………..) 

“وصلتنى رسالتك الاولى فكدت اطير بها فرحاً و مع ان خطابك صغير . صغير . الا انه حوى من المعانى اللطيفة ما اعجز عن الاتيان بها …فهل ترانى حقا استطيع . ؟ ! 

ارجو ذلك يا صديقتى الرائعة . اما طلبك لى لاكتب لك عن حياتى و هواياتى ، فذاك امر على سهل يسير و انه لشرف لى و اى شرف ان اكتب لك عن حياتى و ان كانت الكلمات عن النفس تبعث الملل فى قلوب سامعيها الا اننى و انا اخطو اليك بصداقتى الاولى ، لا بد ان اقدم اليك نفسى لاجتاز عتبات قلبك الغض فعلنى بذلك اكون احد ساكنيه ” وضع القلم اعاد قراءة ما كتب … عظيم … نبدا الان فى سرد حياتنا المملة . اسمعى يا ست …….. و امسك بالقلم 

” لقد و لدت منذ ثمانية عشر عاما ” 

رفع القلم . يا سيد . قف مكانك هذه كذبة ضخمة فى حجم فيل … طيب انتظر دعنى يا اخى ادافع عن نفسى فانت تعلم اننى لا استطيع ان اكتب لها عن سنى الحقيقية الافضل ان تتغاضى عن هذه الكذبة البيضاء لمصلحة المراسلة و الصداقة .. لنكمل 

“حياتى ليس فيها شيئاً جديداً فانا ثالث ثلاثة من اخوة اشقاء و اوفرهم حظا فى التعليم فاخى الاكبر يعمل فى الفلاحة بعد وفاة ابينا و الثانى يعمل ناظرا فى محطة اتوبيس …اما انا فقد حصلت على بكالوريوس تجارة ” انتظر …. ماذا كتبت يا شيخ ؟! . انت تريد ان ترمينا فى مصيبة ، انت كتبت سنك 18 سنة …طيب مستحيل تكون فى هذه السن حاصل على بكالوريوس . اف لك حتى الكذب لا تعرف ان تساويه – يا للمصيبة – اياك ان تكتب لها و لم اتزوج بعد . اشطب العبارة الاخيرة يا سيدى . اشطب . امسك بالقلم 

” اما انا فلا زلت اكمل تعليمى … بعد شهور ، سانتهى من الثانوية العامة فادعى الله ان احصل على المجموع الكافى لادخل كلية الطب او الصيدلة ” 

قرا العبارة الاخيرة …اه . هكذا يكون الكذب منسجما كالهارمونى فى الموسيقى …كلية الطب – يا للحسرة – تلك امنية غالية ضاعت منى يا عزيزتى و ها انا ذا اكتب اليك عن امالى التى خابت و ضاعت .. فاعذرينى …ماذا يا ترى اكتب لها بعد هذه الكلمات .. ماذا اكتب ؟! .. ماذا اكتب ؟! … اه 

” و اتمنى لك داعيا الى الله ان يحقق لك الامال فى اجتياز هذا المانع المسمى بالثانوية العامة فى عامك القادم ان شاء الله … ترى اية كلية تاملين و تحبين الالتحاق بها ” ؟

“مات ابى منذ سبعة اعوام ، فكلفنى اخى الاكبر الذى هو لى الان بمثابة الاخ و الاب معاً ” …قف . عرفت كيف تكذب . اخوك الاكبر كفلك . يا عينى عليك . انه لا يكاد يعرفك …يا مسكين ..اشطب يا عم اشطب . بلا غم ..مات ابوك و كفى 

” و ماتت امى بعد ابى باربعة اعوام “

عند هذا الحد و كل شىء صحيح ..لكن – يا حدق – وقعت فى مطب …عندك 18 سنة عظيم ابوك و امك – رحمهما الله – ماتا . فمن يتولى من بعدهما امرك . انتبه …اه …يا سلام . اين انت يا اخى ..فلنكتب : 

” وكفلنى اخى الاوسط ..الذى ملأ قلبى عطفا و عوضنى عن ابى و امى خيراً .. جزاه الله عنى كل خير ” 

هذه كذبة معقولة على اية حال …فاخوك الثانى عطوف عليك عن الاول و دائماً يسال عنك …ماذا افعل ؟ لقد كذبت …فلا بد ان اكذب حتى النهاية …انا بهذا الكلام الفاضى اظلم ابى الطيب … فقد جاهد الرجل – عليه رحمة الله – حتى اتممت تعليمى و توظفت … ثم مات .. فلا فضل لاحد على سوى هذا الرجل ..و لكن …ابلع 

اما هواياتى …صحيح …ماذا اكتب لها عن هواياتى ؟! هل اكتب لها اننى فى عصر كل يوم اقعد فى المقهى حتى الساعة الحادية عشرة مساء … يا نهار اسود، لو كتبت لها ذلك فى هذه الحالة.. اصبح فى نظرها ولد ( بايظ ) …لا ….لا …. لا بد ان اكون امامك الرجل الذى تنشدين يا صديقتى المخلصة . استمر فى الكذب.. استمر

“اما هواياتى فانا احب القراءة حبى للحياة و امارس رياضة السباحة فى فترات غير منتظمة و لكن اياك ان تظنيننى بطلاً فانا لم ادخل اى مسابقة فيها ابداً … لكنى على اية حال اجيد السباحة و هذا حسبى .. احب ايضاً سماع الموسيقى … و كم كنت اتمنى ان اكون عازفا لالة البيانو او الفيولينا غير ان الظروف لم تمكننى من ذلك التعلم فاكتفيت بالسماع فقط دون العزف

وضع القلم . تنهد . القراءة تحبها … معقول … .فانا لا ادعى اننى قارىء نهم و لكن الحقيقة انا اقرا لاتسلى و اضيع الوقت اما السباحة فانت تعلمتها – يا حلو – فى ترعة بلدكم و انت صغير و نسيتها ايضاً و الحمد لله الذى لا يحمد على مكروه سواه ، و الموسيقى … هل تسمى نفسك اذا استمعت لام كلثوم و فريد الاطراش و عبد الحليم .. انك هاو لسماع الموسيقى … يا اخى اتلم اعمل معروف … انت عندك هوايه ؟ انت يا سيد محسوب على البشر انسان انت فاهم …طيب – ما علهش – اكتب . اكتب . 

“صديقتى العزيزة .. اسمحى لي ان امد لك يد الصداقة و دعينى اصافح يدك الصديقة التى شرفتنى و سطرت لي هاته الكلمات التى تكاد تشدو صداحة فوق عساليج السطور .. اشكر لك و اشكر يوماً انت فيه صديقتى فلنكن حقاً اصدقاء و ساكتب لك كل ما يجول فى نفسى و ساسطر لك امالي و الامي حتى اجعلك تريننى على الصفحات راى العيان تقبلي فى الختام تحياتى و سلامى و السلام ” 

صديقك المخلص ابدا 

لنقرا الان ما كتبنا …امسك بالورقة …معقول …معقول …طيب …و لكن الا تلاحظ يا محترم انك تكتب عن انسان اخر غير نفسك . لا حول و لا قوة الا بالله . صمت قليلاً احس بشىء ينهار فى اعماقه و ان السعادة التى كانت منذ قليل تسرى فى عروقه بهجة و ثقة قد تبددت هى الاخرى بدداً طوى المجلة وضع يده عليها . استغر الله العظيم

اللهم انى استغفرك و اتوب اليك … و تنهدت عيناه بالدموع . نزع ورقة جديدة 

امسك بالقلم 

” اسمعى يا عزيزتى …انا رجل هرم وحيد قاربت سفينة ايامى على الوصول الى شاطىء الخمسين . تولت عنى يا حبيبتى ايام الصبا و الشباب و ها انا ذا امخر فى بحر الايام وحيداً مسكيناً لاشىء يؤنس وحدتى غير صمت مديد مات ابى و ماتت من بعده امى … فتهت فى الحياة توهاناً و تعثرت فيها … لم اتزوج و لن اتزوج هكذا حكمت على الايام دون ما ذنب جنيت … انظر الى الاطفال فيهتز قلبى … احبهم يوماً و اكرههم اياماً لان وجودهم دليل عجزى و قلة حيلتى ” 

امسك بالورقة فى حزن و فتور اخذ يقرا الكلمات فى تأن هز رأسه 

هذه السطور …. هل هى حاشية للخطاب ؟ …ما هذا العبث يا محترم انك تلعب لعبة صغيرة . حقيرة . ليست الصبية صديقتك ، و لن تكون لها ابداً صديقاً . هل تجرؤ ان تكتب لها عن حقيقتك الخاوية ، المؤلمة ….. طيب … هل ممكن ان تدعها تراك ؟! 

انت فى كلتا الحالتين جبان و الاعجب انك تستخفى خلف صورتك و انت صغير 

طيب ” بذمتك ” لو كنت حقاً انسان محترم تفعل هذا …. انا ساقنعك … و امسك بمراة الحلاقة المستديرة، ووضعها امامه …اين الصورة ؟ اه . هذه هي

انظر يا محترم و قارن . الشارب هنا اسود . الشارب هنا معظمه اشيب . الوجنتان ممتلئتان . انظر فى المراة و تمعن فى الوجنتين الغائرتين و الانف الذى تضخم كبصلة و العينان التى سكنت تحتهما التجاعيد و الشعر ….شعرك يا حبيبى رمادى …بياضه اكثر من سواده …طيب انظر الى يدك و هى تمسك بالصورة . معروقة . نافرة العروق . جلدها مثقوب …ثم تدعى انك صغير …انت تافه …دنىء …طيب هذا هو الخطاب . ارتحت يا سيدى …اخذ يمزقه ارباً و المجلة ايضاً … تعالى انت الاخرى و امسك بها ممزقا صفحاتها بغيظ . ارتحت يا عم … نفخ فى تعب يائس . يا ستار يا رب . انتابه بعدها صمت طويل . كئيب . اعتمد بمرفقيه على حافة المكتب . اسند راسه على كفيه . كانت كومة الورق تتعالى امامه هشة . مضطربة ، وقعت عيناه على مزقة صغيرة فيها سطور اربعة.. مقطوعة النهايات . قرأها رغما عنه… ماذا تريد اسرائيل من العرب .. و اسرائيل لم تكن فى يوم ما …. قدم العرب اليها … و الامن الذى تزعمه …. و انتهت الكلمات المبتورة عند حافة التمزيق… فى مزقة اخرى من خطابه ، وقعت على سطر وحيد … فتهت فى الحياة توهاناً ، و تعثرت فيها … و غابت بقية الكلمات مع التمزيق… انثالت العبرات من عينيه نعم ليس فيها من جديد ابداً ….

هذه حقيقة …انا تائه …كلما رايت صبية صغيرة يتراوح عمرها بين الخامس و العشرين احس بان مغناطيساً جاذباً يشدنى اليها… لماذا ؟ انا شخصياً لا اعرف… آه… انا لا اعرف حتى هذا الزميل الحقير – لماذا يعترض سيرتى 

انا فى حالى … يا اخى اعمل معروف. كن فى حالك انت الاخر . الله يسترك . ابعد عنى ابعد . انا تعبان …لو تعرف مقدار – تعبى ، و ضعفى ، اعمل معروف ….يا عالم …اعملوا معروف . اتركونى – لوجه الله – اعيش وحدى فى هدوء .

– تمت —   

شاهد أيضاً

ماذا يحصل في العالم؟

ليون سيوفي باحث وكاتب سياسي لأول مرة بتاريخ البشرية تتضامن شعوب العالم مع بعضها ضد …