سماحة السيد الامين: الوالد والوالدة .. عرّفونا إلى سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر،

*حبّبونا به، كانت صورته أمام أعيننا، في ‏الدكان وفي البيت، وكانت سيرته دائمًا على ألسنتهم، .. ومن البدايات انتمينا ‏إلى مدرسته وإلى خطّه وإلى حركته وما زلنا سواءً كٌنّا أنا وإخواني في حزب الله أو في حركة ‏أمل.*

من كلمة سماحة السيد الأمين الحبيب في مراسم تقبل العزاء بوفاة والدته السيدة أم حسن ٢٨/٥/٢٠٢٤

[[… بالنسبة للوالدة ‏المرحومة أيضا كلمة مختصرة، لأنه نحن لا نستطيع ان نؤدي الحق لا للوالد ولا ‏للوالدة، في رسالة الحقوق المعروفة للإمام زين العابدين عليه السلام يقول سلام الله ‏عليه: وأما حق أمك فأن تعلم انها حملتك حيث لا يحتمل أحد احداً وأعطتك من ‏ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد احداً ووقتك بجميع جوارحها ولا تبالي أن تجوع يعني ‏أن تجوع هي وتطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك وتضحى “يعني تجلس ‏تحت الشمس” وتظلل عليك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، ‏فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ‏وأن يعيننا على شكرها وعلى شكرهما.‏

‏ الوالدة الفقيدة المرحومة منذ زواجها عُرفت بأم حسن، إسمها السيدة نهدية هاشم ‏صفي الدين، ولدت من أبوين هاشميين حسينيين، يعودان بالنسب الشريف إلى ‏الشهيد زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ‏كانت امرأة مؤمنة طيبة طاهرة هادئة قلما غضبت، يعني خلال عشرات السنين، ‏لا أعرف إذا فعلت ذلك مرة أو إثنين أو ثلاثة، قلما غضبت، كانت قليلة الكلام، ‏كثيرة الصمت، تتحدث إذا تكلمت بالقدر اللازم، تجيب على قدر السؤال، لا تتدخل ‏في شؤون الاخرين، أنا لا أبالغ في كل هذا الوصف، كل من يعرف والدتي يعرف ‏هذه الصفات، لا تتدخل في شؤون الاخرين، لا تسيء لأحد ولم تؤذي أحداً، لا بقول ‏ولا بفعل، لا تحمل في نفسها حقداً او كراهية او غلاً او حتى حسداً لأحد، كانت ‏عائلتها أولويتها المطلقة، العناية بهم، تربيتهم، حمايتهم، خدمتهم، الزوج والأولاد، ‏وكان لها تسعة أولاد، أربع شباب وخمسة صبايا، اليوم أصبحوا كبارا بالسن طبعاً، ‏والدتي كانت امرأة قنوعة لم تجادل يوماً حول مسكن او ملبس او مأكل، أغلب ‏عمرها مع الوالد والعائلة قضته في غرفتين وغالباً في غرفة واحدة، من الممكن ‏بالسنوات الأخيرة أصبح لديهم ثلاثة غرف، كانت معينة جداً في حمل الأعباء. في ‏البدايات كان لوالدي دكان يعمل فيه وكانت تعينه في الدكان وتحضر معه صباحاً ‏ومساء، كانت معروفة بالصبر، امرأة صابرة محتسبة، كانت بارة بوالديها، والدها ‏في سنواته الأخيرة كان كهلاً شيخاً عجوزاً كبيراً مريضاً وأبت إلا أن يكون في ‏بيتها، لسنوات تجلس عند سريره وتخدمه في الليل وفي النهار، كانت تخدم الجميع ‏وتتأذى من أن يخدمها أحد، وكانت محبة للجميع، امرأة عاطفية، كان الشهيد هادي ‏حفيدها الأول، أحبته وأحبها وتأثرت كثيراً لشهادته وكانت تذكره على الدوام، ‏وكانت شاكرة لله سبحانه وتعالى حامدة له طول العمر، وفي مرضها الطويل الذي طال سبع سنوات، ثماني سنوات، وكانت تُعاني من الآلام، دائمًا ‏عندما كانت تُسأل كيفك يا حجة؟ الجواب الوحيد الحمد لله، الشكر لله. ‏
فضل الوالدة والوالد علينا أنا وإخواني وأخواتي لا يُوصف، نحن وُلدنا في حي من أحزمة البؤس من أحياء ‏الفقراء في شرق بيروت المُسمى بحي “شرشبوك” في جوار منطقة الكرنتينا، وعشنا في ذلك الحي تقريبًا ‏خمسة عشر سنة، لم يكن في حيّنا مسجد ولا مُصلّى ولا عالم دين ولا نشاط ديني، ولا المدارس التي ‏ارتدناها من ابتدائية ومتوسطة وثانوية. لم يكن هناك تعليم ديني ولا نشاط ديني، ولكن ببركة هذين الوالدين ‏مَنّ الله علينا أن هدانا للإيمان والتدين وعرفنا الصلاة والصوم وتلاوة القرآن وخشية الله منذ الصغر، في ‏هذه البيئة، في هذا المحيط البعيد أو الأجنبي أو الحيادي عن كل ما له صلة بالدين والتدين والنشاط الديني. ‏وأعظم نعمة بعد الوجود والذي واسطة الوجود هم الوالد والوالدة هي نعمة الإيمان، ببركتهما وبفضلهما مَنّ ‏الله تعالى علينا بذلك. وكذلك نعمة الانتماء إلى الخط السياسي الذي كُنّا فيه وما زلنا فيه، في ذلك الحي لم ‏نكن نعرف أحدا ولم يزرنا أحد، حي مسكين، بعيد، معزول، حتى الذي يريد أن يقوم باستقطاب سياسي آخر ‏شيء يفكر بحي “شرشبوك”، ولكن ببركة الوالد والوالدة وكُنّا شُبانًا صغارًا، تسع سنين، عشر سنين، أنا ‏وإخواني عرّفونا إلى سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر، حبّبونا به، كانت صورته أمام أعيننا، في ‏الدكان وفي البيت، وكانت سيرته دائمًا على ألسنتهم، ومن الموقع التربوي والأبوي ومن البدايات انتمينا ‏إلى مدرسته وإلى خطّه وإلى حركته وما زلنا سواءً كٌنّا أنا وإخواني، سواءً كُنّا في حزب الله أو في حركة ‏أمل.

كان ببالي أن أقول فكرة ولكن أنا لا أريد أن أطيل عليكم، لكن أذكرها بشكل مختصر جدًا، من ذكرى الوالدة ‏والوالد في حي “شرشبوك”، هذا الحي لم يكن حيًّا كبيرًا ولكنه كان مُتنوّعًا، كان فيه لبنانيون وفلسطينيون، ‏وكلهم طبعًا فقراء، وكان هناك في الحي عرب من العشائر العربية الذين يسمّونهم الآن عرب المسلخ، ‏عرب الكرنتينا، كانوا عندنا في الحي، وأكراد، هجّروا من بلدانهم ولاحقًا حصلوا على الجنسية اللبنانية، ‏وأرمن، وكان في الحي شيعة وسنة، وكان في الحي فقراء من مختلف المناطق اللبنانية، وكله مختلط، ‏جيران، ليس مثل الآن أحياء مفروزة طائفية، لا، يعني هذا البيت هنا شيعي وفي البيت الآخر سني أو ‏أرمني وكردي، هكذا، حي مختلط، الجيران كلهم جيران مختلطين، وكان هذا الحي وأهله في الستينات ‏وبداية السبعينات قبل الحرب الأهلية يعيشون مع بعضهم كجيران، أنا أذكر ذلك جيدًا، طبعًا الوالد والأهل ‏يتذكرون أحسن مني، سلام وأمن وجيران ومحبة ومودة وتكافل ولهفة، إذا أحد مرض، إذا أحد جُرح، إذا ‏أحد صار عليه شيء، لم يكن بلحظة من اللحظات أنّه مسلم ومسيحي وسني وشيعي ولبناني وفلسطيني ‏وأرمني وكردي وعربي يمكن أن يُشكّل حاجزًا أو مانعًا بين هؤلاء، جاءت الحرب الأهلية، مزّقت البلد. ‏
لكن أنا أريد أن آخذ من تجربة هذا الحي عِبرة للمستقبل وحتى في الحاضر أنتم تجدون عندما يحصل ‏خصومات بين قوى سياسية وتيارات سياسية ثمّ يتصالحون نجد أنّ الناس يُسارعون إلى بعضهم البعض، ‏الناس مسلمين ومسيحيين، كلّ الناس في هذا البلد هم يريدون حقيقة أن يعيشوا مع بعضهم بسلام وأن ‏ينسجموا وأن يألفوا ويتآلفوا، وعندما يُتاح لهم أدنى فرصة لذلك يُسارعون إلى ذلك. المشكلة عندنا هي في ‏الصراع السياسي، هي في أداء بعض الزعامات والقيادات السياسية التي تُحوّل الصراع السياسي إلى ‏صراع طائفي، التي تُحوّل الخلاف السياسي إلى أحقاد تُنشر بين الناس وتراكم بين الناس. ‏
في ذكرى الوالدة وقد عادت الذاكرة إلى حي “شرشبوك” أتمنى أن نعود إلى تلك الأيام التي يعيش فيها ‏الناس جميعًا بوئام وسلام وأن يُنظّموا اختلافاتهم السياسية بعيدًا عن التحريض والتجييش وإشاعة مشاعر ‏وعواطف الحقد والبغضاء بين الناس، وهذا أمر متاح وممكن …]] نقل صدرالدین الصدر
مركز الامام الصدر للأبحاث والدراسات.

 

شاهد أيضاً

قميحة: “انعقاد الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني خطوة مهمة في مسيرة التطوير والتحديث”

رأى رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والابحاث – كونفوشيوس، رئيس جمعية “طريق الحوار اللبناني الصيني” …