رسالة إلى شوقي مسلماني

د. أحمد شبول.   

رسالة إلى الشاعر شوقي مسلماني بمناسبة إصداره: “إسمي المزوّد بالزهور”: أهم ما يعجبني في تاريخ مصر وآثارها شيئان: الهندسة وفنّ الرسم، وخاصّة الرسم بالألوان على جدران المعابد والقبور (البرابي ، كما يسميها المسعودي) ويعجبني تصويرهم للطبيعة، للنباتات والطيور، أكثر مما يعجبني انشغالهم فيما بعد الموت (وأنت تعرف أن الإنشغال بالموت وما بعده ما يزال قويّ الأثر في مصر لدرجة تصل الى ما يسمى “النيكروفيليا” أو “محبّة المقابر”. ولعلّك تذكر رواية “حضرة المحترم” لنجيب محفوظ، وهذا إستطراد، كما أنني معجب بدور الرياضيات في العمارة المصريّة القديمة، وقد أشار أفلاطون، ومن قبله هيرودوتس، الى أهميّة الحضارة المصرية ومدى تأثّر اليونانيين بها، أما قضيّة الدّين والصلوات  فتبدو لي طريفة، ولكني بطبيعتي لا أميل إلى البحث في الأديان، مع إهتمامي بالنواحي الروحيّة والتصوّف الإسلامي وتاريخ الرهبنة المسيحيّة مثلاً، وأتصوّر أن الإنسان يبحث منذ الأزل عن معنى، أو معاني، للوجود والمعاد، ويبدو  لي أن قدماء المصريين كانوا أعمق في تفكيرهم بالموت والحساب من بعض الجهلة من ربعنا الذين يخوّفون الناس بعذاب القبر ويرغّبونهم بأعداد هائلة من الحوريات، على ان عبارة “ميزان الحسنات” تتكرّر كثيراً في هذه الأيام في الخطاب الاسلامي الشعبي. أتصوّر أن التعاليم الدينية تهتم بمسألة الحساب (في حياة أخرى) لحمل الناس على التحلّي بأخلاق إيجابية نافعة في هذه الحياة، بما يساعد على إنتظام المجتمع وتقليص السلبيّات في نفسيّات البشر، وبدلاً من محاولة تنمية الضمير والوجدان استعملت الأديان أساليب الترهيب والترغيب، أو العصا والجزرة، مثلها مثل سائر القوى التي تسعى الى السيطرة، كما لا شكّ أنك تعرف أنّ  هناك أموراً  كثيرة في النصوص الدينية – على اختلاف أصنافها – يُفضَّل أن نتناولها من قبيل الإستعارة والكناية والرمز .. Metaphor .. Allegory etc لا أكتم أن لديّ مشكلة مع الفراعنة والفرعونية، كما لعلّك تتصوّر، وقد لاحظتُ أن هناك خيطاً من التمجيد لمصر والفراعنة  في ما قرأت لك، ولدي مشكلة مع زاهي حوّاس، لا أعرفه شخصيّاً ، ولكن اطلعت على بعض أرائه وبعض تعليقاته في بعض البرامج التلفزيونية. الرجل يقترب من التهريج أحياناً. وبصراحة لا أرتاح كثيراً لمعظم الآثاريين – وكنت قد عملت لعدة سنوات في “قسم التاريخ والآثار”، وساهمت في مؤتمرات لعلماء الآثار، وأنا لست منهم. وأصارح أصدقائي وزملائي الآثاريين بـتحفظاتي  الكثيرة على ما ينشرونه. أحياناً يعملون من الحبّة قبّة. على كلّ حال أنت جمعت بعض النصوص، والنصوص أهم بكثير من الآثار المادية التي لا تنطق الا بصورة غير مباشرة، وأحيانا ينطّقها جماعة الآثار بأشياء من عندهم، بمعنى ان النصوص في نظري تستحق التقدير والاعتبار والتفكٌر. ويبدو لي أن هدفك هو ربط هذه النصوص المصرية القديمة بما تلاها من أفكار نجدها في الديانات الثلاث التي تسمى “سماوية”، وأنت تعرف أن هناك من اهتم بالتأثيرات السومرية والبابلية أيضاً، وقد اهتم أدونيس بهذه الناحية وشجع ترجمة الأساطير الشرقيّة. ولا شكّ ان الأجيال المتعاقبة تتعلّم من سابقيها. تاريخ مصر القديم مليء بالإيجابيات والسلبيّات، شأنه شأن تواريخ سائر  الأمم والبلدان، وأنا لا أرتاح لتمجيد الماضي سواء الفرعوني أو الفينيقي أو اليوناني أو الروماني أو الفارسي أو العربي أو الاسلامي. اتّفق معك حول أهمية الخيال، وهو السبب الأهم في رأيي الذي يبرّر الاهتمام بالأديان القديمة وبالأساطير، والصلة قوية بين الأساطير ونشأة الأديان القديمة. أتصوٍّر أنه من المهم أن يعرف القارئ مدى مساهمتك بالنسبة لمساهمة غيرك الذين تنقل عنهم”. وفي ما يلي من بعض النصوص الفرعونيّة أو المصريّة القديمة الواردة في مجموعة “إسمي المزوّد بالزهور:  

 

1 ـ

“إذا صرتَ عظيماً وقد كنتَ لا شيء

إذا صرتَ ثريّاً وقد كُنتَ عديماً، إذا صرتَ حاكماً للمدينة

لا تكن غليظَ القلب بما أحرزتَهُ من تقدّم

لأنّك لم تصر غيرَ حارس للأشياءِ التي منحَها الربّ لك”.

2 ـ

“تمثيلُهُ

في الحجر

مستحيل  

لا يمكن أن يُرى

في الصورِ المنحوتة

التي يجعلُ الناسُ عليها

التاجين المتّحدين ـ  

تاجَ الجنوبِ وتاجَ الشمال  

المزوّدين

بصورةِ الصلّ” ـ حيّة.. شعار الفرعون”.  

ما مِن عملٍ

وما مِن قربانٍ

يمكن أن يُقرِّبَ إليه

ليس بالمستطاعِ أن تحملَهُ

على المجيء

مِن مكانِه السرّي

محلٌّه الذي يحلُّ فيه مجهول

المستحيلُ هو أن نلقاهُ

في المزارات المنقوشةِ  

لا وجودَ لمسكنٍ يقدرُ أن يحتويه

ولا يسع أن تُدركَ صورتَه حتى بقلبك”.

3 ـ

“سيّدُ عروشِ العالم

النفسُ المقدّسة التي جاءتْ إلى الكينونةِ

في البدء، الربّ العظيمُ بالحقِّ والصدق، الواحدُ الأحد

خالقُ كلّ ما جاء إلى الكينونة ـ من هذه المقبوسات صفات إله الأديان “السماويّة” حيث بعد هذا الطور المتقدّم لم يبق على “التوحيديين” إلاّ أن يحذفوا القليل من سمات الإله المصري القديم لكي تبقى سمات إله الأديان السماويّة كلّها ـ    

المحبوبُ، الراعب، القدير، سيدُ الفراغ

لم يكن في الكينونةِ سواه

الأرضُ والسماء صنعهما من قلبِه الرحيم المُيسِّر

مِن فمِه يأتي الرجالُ والنساء، الواحدُ القديمُ، المجدّدُ شبابه

مولى الزمن، لا يُمكن أن يُعرف

مولى السماء والأرض والمياه والجبال

صانعُ الأبديّة والديمومة

ملكُ الشمال والجنوب، حامي من يجعله في قلبه

الواحدُ القدير، واهبُ الحياة المديدة لأحبّائه”.    

4 ـ

“رحيمٌ بمن يحمده

يسمعُ دعوةَ من يدعوه

يحمي الضعيفَ من القوي

يقضي بين الضعيف وبين القوي

يسمعُ صرخةَ المقيّد، يُكافئُ من خدَمَهُ

يحمي مَن تبِعَهُ ويعرفُ مَن عرفَه”.

5 ـ

“احترسْ

من الأشياءِ المكروهةِ عند الربّ

أنظرْ

عندما تقدّم قرباناً إلى خططِه

بأمِّ عينيك

كرّسْ نفسَك لتمجيدِ إسمه

إنّه يهبُ النفوسَ لملايين الصور

من يمجّده يمجّده الربّ”.  

شاهد أيضاً

اللواء رشید: 240 مقاتلة أمریکیة وأوروبیة ساعدت إسرائیل فی مواجهة المسیرات الإیرانیة

قال قائد مقر خاتم الأنبياء (ص) المركزي اللواء غلام علي رشيد إن أمريكا والناتو وسنتكوم …