موت الحرية

الدكتور صلاح منصور
طبيب اختصاصي

صاغوا أجمل الكلام. نثروا الوعود. قطعوا العهود. تبادلوا فن الخطابة في الأرجاء وفي الايدي راية حمراء. ثم علقوا على باب الثقافة مشاعل النور: روايات وآدابا وسننا خطت بأحرف من صفاء وصور من انعتاق تهافتت اليها الجوارح والقلوب.
كبر النجم في أعين الاجيال وتنادت الصروح تحفيزا للهمم ونشرا للقيم.كتبوا ثم قرأوا على ألواح بيضاء شخصت اليها العيون صارت مبادىء للفرد والناس معلقات من امل ورجاء.
حفروا على الصخر الأصم اذرعا مرفوعة للعلى نشيدا في السماء.
مشت الأرجل من رجال ونساء على رمال الصحارى وجمر الفداء كي يقربوا منافذ النور المرتجى. رفضوا سواد الليل وعانقوا الصبح البهي حبا بالضياء. نصبوا الشجر والزهر في الساحات جنينات ارتقاء.
علموا الأطفال رفرفة الجناح ورفعوا على جباه الصبا أيات الشيم ومكارم الاخلاق. شيدوا المحافل والهيئات والمحاكم والمنتديات يرجع اليها في النزاعات، لها الفصل والعزم. والتفت الألباب إلى ما نشر ولقن واطمأن من استجاب !
على مهل تغلغل السم إلى الفوءاد، من صغير القوم إلى الكبار صاروا كلهم في طاعة لإداء.
غيبوا معالم الحضارات عن برامج التربية والتعليم . أزاحوا عن الناشئة معالم الفكر العميق ونتاج الخلق الثمين.منذ ان انتصب الانسان على ساقين.
لقنوا ما تناسب مع سطيح الذهن وزهو النتاج وربع المادة السخي. فكان من كان من أجيال الجفاء في النفس والخواء في الروح. ثم زرعوا الوهم كي ينبت حقيقة وإيمانا للجموع. ربطوا الخبر فسارت الناس كقطعان خلف اللحظة في الإعلام وانعدام لعمق الشك والجدل في مرتبات المعارف في الأذهان. ثم اغلقوا على الصوت القويم الصدى: منعوا الكلام عن من فطن الأمر وجاهر بلب المعاني وما استتر . اعتمدوا القهر في حصون المعرفة الراقية، اطبقوا الأفواه، ما هم، فللشأن مقاصد وفرضيات!
تفاقم العهر في اللسان والخبث في النيات. ثم أطفئت شعلة النور وأضرمت النيران! حبة الرمل صارت جبلا والجبال وهادا. بانت الوجوه وما عنت. ظهر القدير على هواه وما ضره ان يستبيح ما عنى وما بنى وما هاجر وما رمى ! ورمى في النسيان كل ما كان من التزام…
اغتصبوا الكلمة الفصل وصار الكلام غلافا لشر مستدام…لا مقام لفكر، لا مكان لزمان لا اعتراض والناس في ارتباك وانفضاض! الفكر صار وقودا والشرائع رمادا! رفضوا اتفاقا، رفضوا الوفاق، رفضوا الميثاق !
احرقوا الحرية عارية ثم لبسوا لباسها وعلى أيديهم دماء زكية وخلفهم صراخ العدم !
قالت الأخيار فيهم : ماتت الحرية في “العالم الحر ” !
قلت : هو الحب قد مات !
هودا العصر البغيض، عهد الإنسان الفاجر والضائع بين الالهة في اصنام!

 

شاهد أيضاً

رادت تكحيلها فأعمتها.. هكذا تهكم مغردون على رسالة نعمت شفيق الأخيرة

عمر زقزوق لم يغب اسم رئيسة جامعة كولومبيا في نيويورك نعمت شفيق -خلال الأسبوعين الماضيين- …