بعض من خواطر في أولى ايام النزوح

فايز ابو عباس

وأنا على مشارف التسعين من العمر وشريكة الحياة ننتظر أيامنا. الأخيرة بكل. عنفوان. وثبات في داراسسناها. وتبناها. بعرق. الجهاد ومحاربة صروف الدهر عملا. وتهجيرا وغيابا عن ارض الاحباب والولادة. ومرتع. الشباب ….
لم استطع وشركة. العمر البقاء في ذلك الحي الذي هجره. أهله. خوفا. ورعبا. وتجنبا. للموت. والفناء. في هذه. الأجواء الملبدة. بالسموم. والقنابل وأزيز المدافع وصرير لطائرات ..
تركنا الحي والدار للعصافير تبني أعشاشها بهدوء وامان. بين أغصان الأشجار. وعلى الشرفات بين شقوق الجدران ..
تركنا الحي والدار. للقطط والكلاب تلعب بين الزوايا. وعلى الأرصفة وامام المنازل تنادي اصحاب الدور والمنازل تطلب. الإيواء والغذاء. فتذهب صيحاتها نباحا فارغا. بلا رد او جواب
تركنا الحدائق التي تزهر. بالورود. والياسمين وما يجاورها من. احواض. النعناع والزعتر وبقية أنواع الخضار تغزوها الأعشاب. والأشواك والحشرات بينها. تسرح بحرية. بين جدائل واوراق تلك الخضار
تركنا الحي والشوارع فيه وعلى جنباته. تسيل المياه. تلمع تحت ضوء القمر ليلا. تزينها أشعة مصابيح الكهرباء. تنادي أهل الحي لمراقبة من يتسلل من حيوانات وفيران وجرذان. تختبيء. بين. الأعشاب التي نمت في غياب. الاهل والبلدية عن النظافة وازالة كل الطفيليات.. وتنظيف المجاري وازالة كل ما يلوث ويشوه الحياة
تركنا كل ذلك مع الذكريات .. ونزحنا هربا من خطر القصف والقنابل التي تسقط عشوائيا بين البيوت في جميع الحارات ..
تركنا وغادرنا الدار مودعين .. مكان ولادة ونشأة ومعرفة حياة ودخول في صراع مع الوجود ..
غادرنا. عزلا الا بمانرتدي من أسمال وما نحمل من قهر وألم تاركين وراءنا ذكريات.
ونحن لا ندري. انعود ونرجع الى بقايانا التي. تركناها وراء. الباب. او على مساحة. التراس. او بين. المكتبة وغرف النوم والمطبخ. والشرفة ذات القناطر. المطلة على الشارع العام نراقب من خلالها. الغادين والرائحين والسيارات. والجيران ..
غادرنا. وودعنا. ونحن لا ندري. انعودمرة اخرى احياء ام نبقى مهجرين. أرواحا وعقولا وذكريات ام نعود. لترقد في ترابها. مع الابناء. والآباء والأجداد
هذه أمور نتركها. للمستقبل والأقدار. هي التي تكتب وتقرر. المصير. والمسار
وها نحن الان غرباء في وطننا
وان كنا لا نزال نزلاء في بيوت ابنائنا وهي بيوتنا أيضا ولكننا في قرارة نفوسنا نبقي نازحين مهجرين من ارضنا ودورنا