حبال الكذب الرفيعة..

الروائية راوية المصري…

في زمنٍ تتداخل فيه الحقائق مع الأوهام، وتتشابك فيه الأقدار بخيوط الكذب ، كان هناك عالمٌ يُعرف بمدينة الأقنعة. في هذه المدينة، كان الناس يعيشون حياة مزدوجة؛ واحدة تحت أشعة الشمس، وأخرى في ظلال الغسق. الكذب هنا لم يكن مجرد سلوكٍ عابر، بل كان فنًا يُمارس بحرفية، وثقافة تُورث من جيلٍ إلى جيل.

كان الأطفال يتعلمون الكذب ببراءة، يُحاكون الواقع بأحلامهم الصغيرة، يُبدعون في صنع عوالمهم الخيالية دون قصدٍ للأذى. أما الكبار، فكانوا يُتقنون فن الكذب بأشكاله المتعددة؛ منهم من يكذب ليحمي نفسه، ومنهم من يكذب ليحمي الآخرين، وهناك من يكذب ليؤذي ويُدمر.

وفي زوايا المدينة الخفية، كان الفلاسفة يتأملون في معنى الوجود، يُحللون الكذب ويُفسرونه كظاهرة إنسانية. كانوا يرون في الكذب توأمًا للوجود، يُعبر عن الصراع الداخلي بين الأصالة والتجديد، بين الثبات والتغير.

الكذب ليس مجرد تصرف يتنافى مع الحقيقة، بل هو ظاهرة متعددة الأوجه تتقاطع مع الأخلاق والنفس البشرية واللغة والسياسة.
يُعد الكذب عملية تقديم المعلومات بشكل يتعارض مع الواقع الموضوعي، وهو يتضمن نية التضليل، سواء كان ذلك لتحقيق مصلحة شخصية أو لتجنب العواقب أو حتى للتسلية.

وفي النهاية، كانت مدينة الأقنعة تُعلمنا أن الكذب والحقيقة ليسا سوى وجهين لعملة واحدة، وأن الإنسان، في سعيه للبقاء والتواصل، قد يجد نفسه مُضطرًا للرقص على حبال الكذب الرفيعة، مُتأرجحًا بين الضوء والظلام.

شاهد أيضاً

آن للبعث أن يحلِّق بجناحي الإرادة والوفاء

بقلم- د. حسن أحمد حسن: تابعت وغيري من ملايين السوريين حديث السيد الرئيس بشار الأسد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *