ما الذي يدفع المرأة العراقية إلى ترك القانون واللجوء إلى العشيرة؟

“واجهت التنمر والإساءة والتسقيط نتيجة مشاركتي في احتجاجات تشرين (احتجاجات شعبية شهدتها العراق في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي ضد تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية)، وفي أحد الأيام اتُهمت بأن العشيرة تبرأت مني بسبب وشاية لا أساس لها من الصحة تم نشرها وتداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، على أثرها لجأت إلى أعمامي في العشيرة، وطالبتهم باستعادة حقي، وقاموا بطمأنتي وبلغوني بأنني ابنتهم، ولن يسكتوا عن الإهانة”، هكذا تحدثت الناشطة رباب الزيادي/المثنى.

تطالب باسترداد حقها والعشيرة تستجيب


وتضيف أنها تعرضت للتسقيط والتهديد في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها قام أحد الأشخاص بالترويج بأن عشيرة الزيادي تبرأت منها وأرسل لها رسائل، استوقفها الموضوع وارتأت أن يكون لها موقف، فتوجهت لعشيرتي وطالبتهم باستعادة حقي.

والتسقيط هو الحط من قدر شخص ومكانته الاجتماعية أو السياسية، أو العلمية أو التاريخية إلى درجة أدنى، ويرتبط ذلك عادة بمفاهيم مقاربة مثل التشويه والكذب والافتراء.

وتوضح الزيادي أنه تم عقد جلسة عشائرية بين عشيرتها وعشيرة الرجل المعتدي، وبحضور أكثر من 40 عشيرة من المحافظة مع عرض الوشاية، وتم رفض السلوك واستنكاره من عشيرة المعتدي والعشائر الأخرى، وطلبوا تقديم الاعتذار.

وتضيف “وبالفعل حدث ذلك إذ جاء المعتدي مع عشيرته إلى بيتي، وقدموا الاعتذار بوجود عشيرتي وأعمامي من شيوخ العشائر والوجهاء في المثنى، ودفعت عشيرة المعتدي مبلغا ماديا عن الضرر المعنوي الذي تعرضت له”.

سلطة العشائر والدولة


وتعقب المدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم على قضية رباب بالقول إن لجوء الناشطة للعشيرة لأخذ حقوقها “نتيجة ضعف القانون”، مما يجبر الفرد على اللجوء للعشائر لحماية نفسه بأسرع وقت وأسهل الطرق والتكاليف، التي تثقل كاهل المشتكي من توكيل محام ومراجعات بينما بالمجلس العشائري يحصل على تعويض سريع واعتذار بدون انتظار، حسب قولها.

ويشير د. نوري التميمي أحد شيوخ عشائر بني تميم إلى أن المجتمع العراقي مجتمع فلاحي عشائري، ومع التطور الذي حدث عام 1920 وتطوير المدن رافق ذلك نزوح العادات إلى بغداد، إذ تغيرت البنية الاجتماعية للمدن إلى بنية مدنية عشائرية.

ويضيف “نحن دعاة دولة مدنية يحكمها القانون وبالوقت ذاته نحافظ على أصولنا والسمات الإيجابية للعشائرية، هناك الكثير من السنن العشائرية ممتازة تُعنى بالتفاهم والمساعدة ونصرة المظلوم ومواجهة الظالم والتكافل الاجتماعي واحترام خصوصية الإنسان”.

ولكن التداخل الكبير ما بين المدن وما بين العشائر أفقد الكثير من العشائر خصوصيتها الأصيلة النبيلة، وبدأت هذه الأعراف تخضع لأهواء ومتاجرة بعض النزوات من المتاجرين باسم العشائرية مع بروز الظواهر السلبية بعد عام 2003، ومنها الابتزاز والتعدي واغتصاب حقوق الآخرين والتجاوز عن الآخرين وغير ذلك، بحسب التميمي.

النساء ما بين العشائر والمجتمع المدني


وترى سارة جاسم أن دور العشائر في استعادة حقوق المرأة ضعيف ونادر ما تطلب المرأة أو ذويها من رؤساء العشائر التدخل في حل قضاياهن؛ بسبب الأعراف العشائرية التي تحكم واقع المرأة.

فالقضاء الرسمي غير قادر على حمايتها داخل العشيرة من الاضطهاد، فكيف بالاعتماد عليهم بنيل حقوقها -حسب جاسم- إذ نجد بعض العشائر تنتهك حقوق المرأة في حالات الزواج المبكر وحالات النهوة (والنهوة عُرف عشائري قديم يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة)، وحتى القتل لأسباب تبرر منها ادعاء غسل للعار، أصبحت الهيمنة الذكورية العشائرية هي التي تحكم الأحوال الشخصية للمرأة، حسب الناشطة سارة.

ومن جهته يشير الناشط المدني ورئيس مؤسسة سومر لحقوق الإنسان، علي الوائلي، إلى أن تدخل العشيرة في القانون يؤدي إلى تعطيله وضياع حقوق المتضررين، “فاللجوء إلى المحاكم وتطبيق القانون يكفل تحقيق العدالة عن طريق محاسبة الجاني وتعويض المتضرر، وهذه سمة المجتمعات المتقدمة والساعية لبناء الدولة المدنية، وقد كفلت القوانين العراقية النافذة حقوق المرأة والحفاظ على كرامتها وحريتها”.

أما تدخل العشيرة، فقد يؤدي إلى هدر تلك الحقوق والحريات لما هو سائد من أعراف اجتماعية وعادات قبلية، كما أن هناك صعوبة بالغة في تحقيق التعاون بين منظمات المجتمع المدني والعشيرة؛ لأن الأخيرة لا تؤمن بما تسعى إلى تحقيقه تلك المنظمات، فالعشيرة ترى لها قانونها الخاص، ومبادئ المجتمع المدني بخصوص المرأة وحريتها وحقوقها لا يتقبلها العقل العشائري، كما يقول الوائلي.

أما التميمي فيقول “نأمل أن تكون للعشيرة وقفة إيجابية نصرة للمرأة والارتقاء بها والنظر إلى المرأة الأم والأخت والبنت والزوجة، وهي المبدعة المثقفة والعالمة، وننظر باحترام وتقدير لشريكتنا في الحياة والوطن، فالمرأة العراقية سجل لها التاريخ صفحات من التضحية والفداء”.

ويضيف “احترامي لكل العشائر العراقية الأصيلة ولكل من يحترم قيم الإنسان، ويؤمن بإقامة دولة مدنية لا تعني إلغاء العشائرية؛ بل تعني تقوية الجانب الإيجابي والمضي قدما بعاداتنا الإيجابية”.

العشائر في القانون
ويؤكد الحقوقي خالد البدر أن “العشيرة هي الحاضنة التي يأوي إليها المواطن العراقي في الجانب الاجتماعي؛ لأنها امتداد للأسرة كوحدة اجتماعية يسودها التضامن وأداة للضبط الاجتماعي للأفراد، الذين يخالفون الأعراف والقيم”.

أما نظرة القانون العراقي تحديدا فقد نصت المادة (45/2) من الدستور العراقي على الآتي (تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان).

ويبين البدر أن النص الدستوري واضح في تبنيه الأعراف القبلية والعشائرية كقيمة إنسانية كلما كانت متفقة مع الدين والقانون وحقوق الإنسان، فالعشائر في العراق واقع مفروض وموروث، وتمارس دورا تكميليا ولاحقا لسلطة القانون، وأهميتها لرأب الصدع وإنهاء الخلاف وتحقيق الصلح بين الأطراف المتنازعة عبر تسويات مالية أو ودية، فالعشيرة هي انتماء اجتماعي مهم؛ لكنه لا يمكن أن يكون فوق القانون أو بديلا عن الانتماء للوطن والدولة.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

الأمم المتحدة : أنقاض غزة تحتاج 14 عاما لإزالتها

قدرت الأمم المتحدة حجم الركام والأنقاض الذي يتعين إزالته في قطاع غزة بحوالي 37 مليون …