شهادةُ العدل :

علي رفعت مهدي

” فلا تثنوا عليّ بجميل ثناءٍ، لإخراجي نفسي إلى الله سبحانه وإليكم من التقيّة في حقوقٍ لم أفرغ من أدائها، وفرائض لا بدَّ من إمضائها، فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ( اهل السيف والبطش ) ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أنْ يقال له، أو العدل أنْ يعرض عليه، كان العلم بهما أثقل عليه.
فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحقّ، أو مشورةٍ بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أنْ أخطئ، ولا آمن ذلك منْ فعلي، إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي”[١] ……
ايُّ زعيم في العالم يملك جرأة الامام عليّ[ع] ، إمام العدل ، وهو يعلِّمّ الأمّة ويطلب من النّاس الّا يمدحوه تزلُّفًا ؛ والَّا يكلّموه كما يُكلِّمون الجبابرة خوفًا وخشيَةً؛ والّا يعيشوا معه بالمداراة والمداهنة والتصنّع ؛ والّا يستثقلوا قول الحقِّ والعدل أمامه ؛ وأن ينقدوه وهو المعصوم الذي قال عنه السيد الأستاذ : ” عليّ فوق العصمة” …
هذا المثال العظيم لا يستثقِلُ الحقَّ والعدلَ قولا ومشورة وعملا من الناس ….

نحن في زمنٍ لم يعد للقيم والمبادىء ومفاهيم العدالة حيِّزٌ او وجود ….

فسلامٌ على عليٍّ[ع] امامِ ” العدلِ” يومَ ولِدَ في بيتِ الله ويوم آستُشهِدَ في محرابِ الله ؛ الإمام [العدل] الذي قال فيه السيّد شعرا في رائعتهِ [ذكرى الوصيّ] :

يا سيدي يا امامَ العدل معذرةً
فقد تبدَّل منَّا الرأيُ والنظرُ
بعثتَهُ مثلًا أعلى ينيرُ لنا
طُرُقَ الهدايةِ إمَّا خانَنَا البصرُ
وقلتَ: هذا سبيلُ العدلِ منبلجٌ
أمامَكم ومعينُ الحق ِّ منهمِرُ
حتى مضَى الفجرُ لم نحفلْ بطلعتِهِ
ولم يقُم في مجالي افقِهِ نذُرُ
واصبحَ الدِّينُ في افواهِنا كلِماً
نقولها : ثم تمضي وهي تستعِرُ
يمدٌّنا الغربُ بالنجوى فنَتبُعهُ
عُميَ البصائرِ لا رأيٌ ولا فِكَرُ
ويبعث الرأيَ مسمُومًا فتلقفُهُ
ارواحُنا بخشوع ٍ وهي تُحتَضَرُ …[٢]

وها هو الغربُ
يقتلُنا بإسقاطِ منظومةِ القيم الرساليّة في أوطانِنا ؛ القيم التي استُشهِد عليٌّ [ع] وهو في صلاتِهِ من أجلِ تكريسها في الحياةِ عدلًا واستقامةً وحريّةً ورأيًا حُرًّا سديدًا ومشورةً بحقٍّ أرشدنا إمامُ الإنسانيّة إليها بحكمته : ” مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا ” …[٣]

وها هو الغربُ وحكامُ الجورِ والطغيان في بلدانِنا وأوطاننا يستبِدُون ويقتلُون وينهبون الحقوق ويصادرون المقدّرات ويتعامَون عن إبادةِ المُقاومين الأباة الأحرار في كلِّ مكانٍ يؤذِّنُ فيه صوتُ الحقِّ والعدل ؛ ويُصَادِرون الحياة الحرّة الكريمة ؛ ويحوِّلون الأوطان إلى سجونٍ كبيرة يقهرون بين اسوارها مَنْ ارادوا حياةَ العِزّةِ والكرامة التي قالَ فيها عليٌّ[ع]:” الْمَوتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورينَ وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرينَ ” …

عهدُنا _ يا إمامَ العدلِ والحريّة والثبات والعقل والإنسانيّة والعلم؛ وكلّ قيم الحياة _ أنْ نموتَ قاهري اعداء الله والإنسانيّة لنكون كما ارادنا الله تعالى : ” لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍۢ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ۚ ” [٤]…

#شهادة_الوصيّ
#شهادة_العدل
#مصرعُ_الفجر …
علي رفعت مهدي
٢٠ شهر رمضان المبارك ١٤٤٥هج
٣٠ آذار ٢٠٢٤م.

[١]_نهج البلاغة؛ج٢؛ص:٢٠١.
[٢]_ديوان قصائد للإسلام والحياة؛ ذكرى الوصيّ
[٣]_نهج البلاغة؛ الحكمة ١٥٨ .
[٤]_سورة المجادلة؛ آية ٢٢.

شاهد أيضاً

عملية بطوليّة نوعيّة.. ماذا حدث في موقع “كرم أبو سالم” العسكري؟

ذكرت وسائل إعلام فلسطينية تفاصيل إضافية حول العملية النوعيّة التي دكّت فيها كتائب الشهيد عز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *