مهمة بايدن المستحيلة

د، محمد سعيد أدريس

تسرع مراقبون كثيرون فى وصف «التوتر» الظاهرى فى العلاقات بين الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس جو بايدن، ورئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى، بأنه «انقلاب» فى علاقات واشنطن بربيبتها إسرائيل، دون إدراك لحدود هذا التوتر ودوافعه الحقيقية، أى دون وضع هذا التوتر «فى حدوده الطبيعية» وعدم التورط فى استخلاص تغيرات محتملة فى العلاقة الفريدة التى تربط الولايات المتحدة بإسرائيل عن غيرها من كل دول العالم. الفهم الحقيقى لهذا التوتر الظاهر فى العلاقات الذى يتركز بصفة أساسية حول رفض الرئيس الأمريكى جو بايدن خطة بنيامين نيتانياهو، الرامية إلى اجتياح مدينة «رفح» الواقعة على الحدود مع مصر والتى يعيش فيها أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ فلسطينى من مختلف أنحاء قطاع غزة جرى تهجيرهم قسرياً. وسبب رفض الرئيس الأمريكى خطة نيتانياهو أنها «ستضيف آلافاً من الشهداء والمصابين المدنيين، وهذا سيدمر ما بقى لإسرائيل من دعم وقبول دوليين ، ثانيهما أنها قد تفاقم من مخاطر كثيرة تلحق بالجيش الإسرائيلى وتؤدى إلى المزيد من تآكل «التماسك» الداخلى فى إسرائيل وتزعزع وجود الكيان، لضخامة ما هو متوقع من خسائر بشرية إسرائيلية فى حالة حدوث مثل هذا هذا الهجوم على رفح. أى أن الرئيس الأمريكى لا يهمه الشعب الفلسطينى وليس ضد هدف التدمير الكامل للمقاومة فى قطاع غزة، وأنه مع رغبة نيتانياهو فى «عمل كل شىء من شأنه عدم تكرار ما حدث فى السابع من أكتوبر 2023»، أى تأمين عدم تكرار طوفان أقصى آخر، واجتثاث كل آثار إيجابية لهذا الطوفان خاصة على صعيد الحرص على دعم خيار لقادته كبديل لخيار الاستسلام الذى حدث فى 7 أكتوبر 2023، أى أنه (بايدن) مع كل ما تريد إسرائيل أن تفعله ولكنه فقط حريص على أن ينقذ إسرائيل من نفسها ويرى أن سياسة رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو تشكل خطراً على مستقبل إسرائيل، ما يعنى الخلاف مع نيتانياهو حول أيهما: بايدن أم نيتانياهو أكثر حرصاً على الدفاع عن إسرائيل وحماية مصالحها. من هنا يمكن فهم خلفية ما ورد على لسان الرئيس الأمريكى فى مقابلة مع شبكة MSNBC الأمريكية يوم السبت (9 مارس الحالى) قال فيها إن رئيس الوزراء الإسرائيلى «يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها». هذه العبارة وردت فى سياق قوله إن «من حق نيتانياهو الدفاع عن إسرائيل ومواصلة مهاجمة حماس ، لكن يجب أن يكون أكثر حذرا بشأن الأرواح البريئة التى تفقد بسبب الإجراءات المتخذة». ورغم ذلك فإن بايدن استدرك هذا القول بتأكيد أنه «لن يتخلى أبدا عن إسرائيل، بحيث يوقف صادرات الأسلحة»، مشيراً إلى أنه «لا يوجد خط أحمر بمعنى أننى سأوقف جميع (صادرات) الأسلحة، بحيث لا تكون لديهم (قبة حديدية) لحمايتهم، لكن هناك خطوطا حمراء لا يمكن أن يموت 30 ألف فلسطينى آخرون نتيجة لمطاردة (حماس) هناك طرق أخرى للوصول والتعامل مع الصدمة التى تسببت فيها حماس». لذلك كان التواصل الهاتفى بين وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن مع وزير الحرب الصهيونى يوآف جالنت للبحث فى الوسائل الأخرى البديلة لتحقيق هدف «اجتثاث حماس» دون التورط فى قتل عشرات الآلاف الجدد من المدنيين ولذلك أيضا سيسافر جالانت إلى واشنطن للبحث فى تلك الحلول للاجتياح البرى فى رفح. آخر ما كان يتمناه جو بايدن أن يجد نفسه فى مواجهة مع بنيامين نيتانياهو قبل أشهر معدودة من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية مع منافسه المرتقب الرئيس السابق دونالد ترامب «الأكثر سخاء فى دعم إسرائيل» وأنه سيستغل أى خطأ يرتكبه بايدن مع إسرائيل ليدفع الجالية اليهودية المتحفزة فى الدفاع عن إسرائيل، إلى التصدى لبايدن فى صناديق الاقتراع. فليس هناك أدنى شك فى أن جو بايدن الذى لا يمل من أن يتباهى علانية بأنه «صهيونى من أن يكون يهوديا»، يمكن أن يفكر لحظة فى مواجهة إسرائيل أو ارتكاب أخطاء فى العلاقة معها، كل ما يسعى إليه، وفق قناعاته ، أنه حريص على أن ينقذ إسرائيل من كوارث يرتكبها بنيامين نيتانياهو . ومن يريد أن يفهم ماذا يريد بايدن عليه أن يعود إلى ما يقوله وما يكتبه كبار المفكرين الاستراتيجيين وكبار قادة كيان الاحتلال بشأن الخطر الى يمثله نيتانياهو على إسرائيل. فموقف بايدن لم يأت من فراغ. فقد سبقه ما ورد على لسان السيناتور الديمقراطى تشارلز (تشك) شومر عميد أعضاء الكونجرس عن ولاية نيويورك والذى يُعد من أكثر مؤيدى إسرائيل فى الكونجرس خلال العقود الأربعة الماضية، خصوصاً أنه «يهودى» ويدافع عن يهوديته بوضوح لا لبس فيه. فقد دعا تشك شومر، من فوق منصة مجلس الشيوخ، الإسرائيليين إلى انتخابات جديدة، والتخلى عن حكومة نيتانياهو «المتطرفة»، كما اتهم نيتانياهو بأنه «حول إسرائيل إلى دولة مارقة فى نظر العالم»، وأن حكومته «لم تعد عملا لصالح إسرائيل، بل لصالح فئة متطرفة فى المجتمع الإسرائيلي». الأهم من ذلك هو ما حذر منه البروفيسور الإسرائيلى «يوفال نوح هراري» المؤرخ والأستاذ فى الجامعة العبرية بتل أبيب بقوله «إن حركة (حماس) تقترب من إلحاق هزيمة بإسرائيل لأن الحملة فى غزة تتعلق ليس بمن يقتل أكثر بل من يقترب من تحقيق أهدافه السياسية»، ومؤكداً «نحن قادرون على كسب جميع المعارك لكننا سنخسر الحرب» والسبب، من وجهة نظره «غياب الأفق السياسى للحرب من المنظور الإسرائيلى». هكذا تتحدد معالم التوتر الأمريكى – الإسرائيلى الذى يجعل بايدن أقرب فى هذا التوتر من مواقف زعماء إسرائيليين كبار مثل بينى جانتس وزعيم المعارضة «لابيد» ومفكرين وقادة عسكريين يرون أن «نيتانياهو على خطأ فى إدارة الحرب»، وأنه لابد من إنقاذ إسرائيل منه. الأسوأ من هذا كله، أن نيتانياهو يتحدى كل هؤلاء ويرى أنه الأكفأ فى تحقيق أهداف إسرائيل، ويعلن التحدى لبايدن فى إصراره على اقتحام رفح وأن يجعل من هذا الاقتحام اسقاطا لكل التحديات وكل خطوط بايدن الحمراء. تطورات تؤكد أن «إسرائيل على حافة الخطر» وأن مهمة بايدن «أضحت مستحيلة».

شاهد أيضاً

قائمة بأسماء أكثر من 100 من العلماء والأكاديميين وأساتذة الجامعات والباحثين الذين قتلهم واغتالهم الاحتلال “الإسرائيلي” حلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة:*

  1. الدكتور سفيان تايه – رئيس الجامعة الإسلامية بغزة 2. الدكتور سعيد الزبدة – …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *