سلّ صيامك مع أبي الكيمياء في العالم.. هل أشار هذا العالم العربي إلى القنبلة الذرية قبل ألف عام؟

نتناول اليوم قصة عالم مسلم عبقري، عاش قبل ألف ومئتي عام، كان أبًا للكيمياء ووضع قواعد في المنهج العلمي التجريبي، وصف العمليات الكيميائية والأجهزة والتجارب، وتحدث عن تكوين المعادن والتفاعل الكيميائي والاتحاد الكيميائي، وعن الفلزات واللافلزات، واكتشف مستحضرات كيميائية وضع بها أسسا لعلوم البلمرات والصباغة والدباغة والسموم، ووضع أساس علم الميزان، وتركنا أمام مفاجأة “هل أشار بالفعل إلى القنبلة الذرية قبل ألف عام؟”، سؤال يجب على الجيل الجديد من الباحثين أن يبحثوا عن إجابته، إنه العالم العربي المسلم جابر بن حيان.

حياته

هو أبو عبدالله جابر بن حيان بن عبدالله الأزدي أبو الكيمياء، وهو عالم يمني الأصل وُلِد على أشهر الروايات في سنة 101هـ/ 721 م، وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده، فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الكوفة على الفرات، ومنهم من يقول إن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين.

ذكرت بعض المصادر أن والده هو ابن حيان بن عبدالله الأزدي الذي هاجر مع أسرته من اليمن إلى الكوفة، حيث وُلِدَ “جابر” على أرجح الأقوال، وفي الكوفة عمل الأب عطارًا، وكان الأب من المناصرين للعباسيين في ثورتهم ضد الأمويين، وقد أرسله العباسيون إلى خراسان ليدعو الناس لتأييدهم، حيث قُبض عليه وقتله الأمويون هناك، فهربت أسرته إلى اليمن، حيث نشأ الابن “جابر” ودرس القرآن والعلوم الأخرى ومارس مهنة والده، ثم عادت أسرته إلى الكوفة، بعد أن أزاح العباسيون الأمويين، لذا ينسب أحيانًا بالأزدي أو الكوفي.

الدراسة

وفي الكوفة انضم جابر بن حيان إلى حلقة جعفر الصادق، فتلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يديه، كما درس أيضًا على يد الحميري، ثم مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي وبتوجيه من الخليفة العباسي هارون الرشيد.

تأثر جابر بن حيان بكتابات الكيميائيين القدماء

وتأثر جابر بن حيان بكتابات الكيميائيين المصريين القدماء والإغريق أمثال زوزيموس الأخميمي وديموقريطس وهرمس الهرامسة وأغاثوديمون، بل وكتابات أفلاطون وأرسطو وجالينوس وفيثاغورث وسقراط وتعليقات ألكسندر من أفروديسياس وسمبليسوس وفرفريوس وغيرهم.

الكيمياء في عصر جابر بن حيان

كانت الكيمياء تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة؛ وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون أن المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها إلى بعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر.

وقد تأثر بعض العلماء العرب والمسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان، لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها؛ أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية، فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جدًا من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا كان لعلماء المسلمين الفضل في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة؛ مثل: التقطير والتسامي والترشيح والتبلور والملغمة والتكسيد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء.

جابر بن حيان أدخل المنهج التجريبي إلى الكيمياء

ومن أهم الإسهامات العلمية لجابر بن حيان في الكيمياء، إدخال المنهج التجريبي إلى الكيمياء، ومعروف عنه أنه قد عمد إلى التجربة في بحوثه، وآمن بها إيمانًا عميقًا، وكان يوصي تلاميذه بقوله: “وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب؛ لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان، فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة”.

إسهاماته في علم الكيمياء

جابر بن حيان هو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة، وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَي التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها، فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية، وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.

نظرية رائدة للاتحاد الكيميائي

وقد وضع جابر نظرية رائدة للاتحاد الكيميائي في كتابه “المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية”، حيث قال: “يظن بعض الناس خطًا أنه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة في كُلِّيتها. والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ما حدث لهما أنهما تجزَّأتا إلى دقائق صغيرة، وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض، فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما، وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين، لأدركنا أن كلًا منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة، ولم تتأثر مطلقًا”، ويمكن تشبيه هذه النظرية بالنظرية الذرية التي وضعها العالم الإنجليزي جون دالتون.

إسهامات جابر بن حيان العلمية

تقسيم المواد، فقد قسم جابر بن حيان المواد حسب خصائصها إلى ثلاثة أنواع مختلفة، وهي:

الأغوال، أي تلك المواد التي تتبخر عند تسخينها مثل الكافور، وكلوريد الألمنيوم.

المعادن مثل الذهب والفضة والرصاص والحديد.

المركبات، وهي التي يمكن تحويلها إلى مساحيق.

أول من استعمل الميزان لقياس مقادير المحاليل

كان جابر بن حيان من أول من استعملوا الميزان في قياس مقادير المحاليل المستعملة بتجاربه الكيميائية، حيث كانت عنده وحدات قياس خاصة به، وكان أصغرها هو الحبة التي تبلغ قيمتها نحو 0.05 من الغرام (جزء من 6840 من الرطل).

تجارب المواد القابلة للاحتراق

توصَّل جابر بن حيان بتجاربه إلى حقيقة أن المواد القابلة للاحتراق عندما تشتعل بالنيران تطلق إلى الجوّ الكبريت وتخلِّف وراءها الكلس.

الحبر والورق والطلاء:

تمكَّن جابر بن حيان من اختراع نوع مضيء من الحبر، ليساعد على قراءة المخطوطات والرسائل في الظلام، كما اخترع بطلبٍ من الإمام جعفر الصادق نوعًا مضادًا للاحتراق من الورق، حيث كتب بهذا الورق كتاب جعفر الذي وضع في مكتبة دار الحكمة، كذلك اكتشف نوعًا من الطلاء إذا دُهِنَ به الحديد يصبح مضادًا للصدأ، وإذا دهنت به الملابس تصبح مضادَّة للبلل بالماء. كما وقد اكتشف طرقًا لتحضير مركَّبات عديدة، مثل الفولاذ وكربونات الرصاص وكبريتيد الزئبق وحمض الأزوتيك.

بعض إنجازات ابن حيان

هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:

– اكتشف “الصودا الكاوية” أو القطرون (NaOH).

– أول من استحضر ماء الذهب.

– أول من أدخل طريقة فصل الذهب عن الفضة بالحلّ بواسطة الأحماض، وهي الطريقة السائدة إلى يومنا هذا.

– أول من اكتشف حمض النتريك.

– أول من اكتشف حمض الهيدروكلوريك.

– اعتقد بالتولد الذاتي.

– أضاف جوهرين إلى عناصر اليونان الأربعة وهما (الكبريت والزئبق) وأضاف العرب جوهرًا ثالثًا وهو (الملح).

– أول من اكتشف حمض الكبريتيك وقام بتسميته بزيت الزاج.

– أدخل تحسينات على طرق التبخير والتصفية والانصهار والتبلور والتقطير.

– استطاع إعداد الكثير من المواد الكيميائية كسلفيد الزئبق وأكسيد الأرسين (arsenious oxide).

– نجح في وضع أول طريقة للتقطير في العالم، فقد اخترع جهاز تقطير يُستخدم فيه جهاز زجاجي له قمع طويل لا يزال يُعرف حتى اليوم في الغرب باسم “Alembic” من “الإمبيق” باللغة العربية، وقد تمكن جابر بن حيان من تحسين نوعية زجاج هذه الأداة بمزجه بثاني أكسيد المنجنيز.

– صنع ورقًا غير قابل للاحتراق.

– شرح بالتفصيل كيفية تحضير الزرنيخ والأنتيمون.

مؤلفات جابر بن حيان.. ما يقارب 500 كتاب

جاء في كتاب “الأعلام” للزركلي أن جابر بن حيان له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين وخمسمائة كتاب، لكن ضاع أكثرها، وقد تُرجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م، وفي سنة 1928م أعاد هوليارد صياغتها، وقدم لها بمقدمة وافية، وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون، من أهم هذه الكتب:

– كتاب الرحمة: وتطرق فيه إلى تحويل المعادن إلى ذهب.

– كتاب “السموم ودفع مضارها” وقسمه إلى خمسة فصول تبحث في أسماء السموم وأنواعها وتأثيراتها المختلفة على الإنسان والحيوان، وعلامات التسمم والمبادرة إلى علاجها والاحتراس من السموم، وقد قسم السموم فيه إلى حيوانية كسموم الأفاعي والعقارب وغيرها، ونباتية كالأفيون والحنظل، وحجرية كالزئبق والزرنيخ والزاج.

– كتاب “استقصاءات المعلم”.

– نهاية الإتقان.

– الوصية الجابرية.

– المستحلب الكبريتي.

– كتاب “المائة واثني عشر”: ويضم 112 رسالة عن صناعة الكيمياء عامة مع إشارات إلى كيميائيين قدماء.

– كتاب “السبعين”: ويضم سبعين رسالة فيها عرض منظم لجهود مؤلفها في الكيمياء.

– كتاب “الموازين”: ويضم 144 رسالة تعرض الأسس النظرية والفلسفية للكيمياء والعلوم عامة.

– كتاب “الكيمياء الجابرية”: ويشتمل على مجموعات من مكتشفاته المهمة، وأهمها: الماء القوي أو الماء الملكي – سم السليماني المعروف اليوم باسم كلوريد الزئبق – حجر جهنم (قابل للانصهار وشفاف كالبلور) – الراسب الأحمر.

قالوا عن جابر بن حيان

يدرك الكثير من العلماء في العالم أن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب.

قال عنه عالم الفيزياء الفرنسي مارسيلان بيرتيلو: “إن لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق، حيث كانت كتبه في القرن الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثرًا في قيادة الفكر العلمي في الشرق والغرب”.

قال عنه الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون: “إن جابر بن حيان هو أول من علّم عِلمْ الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء”.

يقول المستشرق الألماني ماكس مايرهوف: “يمكن إرجاع تطور الكيمياء في أوروبا إلى جابر بن حيان بصورة مباشرة، وأكبر دليل على ذلك أن كثيرًا من المصطلحات التي ابتكرها ما زالت مستعملة في مختلف اللغات الأوروبية، بل إن أكثر تلك المصطلحات ما زالت تحتفظ بـ”أل” التعريف دلالةً على عربيتها.

يقول مؤرخ العلوم في العصر الحديث جورج سارتون: “لن نتمكن من معرفة القيمة الحقيقية لجابر بن حيان إلا إذا تم تحقيق وتحرير ونشر جميع مؤلفاته”.

وقد تحدث العديد من علماء المسلمين والمؤرخين العالميين عن جابر بن حيان، حيث قال عنه ابن خلدون في “مقدمته” وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء: “إمام المدونين فيها جابر بن حيان، حتى إنهم يخصّونها به فيسمونها (علم جابر)، وله فيها سبعون رسالة.

وقال عنه أبو بكر الرازي في كتابه “سر الأسرار”: “إن جابرًا من أعلام العرب العباقرة وأوَّل رائدٍ للكيمياء”، وكان يشير إليه باستمرار بقوله: “الأستاذ جابر بن حيان”.

هل أشار جابر بن حيان إلى سر القنبلة الذرية قبل ألف عام؟

رأى بعض العلماء أن جابر بن حيان مهَّد لاختراع القنبلة الذريّة، حيث إنه أول من أشار إلى قوة الذرة التي بني على أساسها عملية تفجير طاقة الذرة، بل إنه قال بالنص: “في قلب كل ذرة قوة لو أمكن تحريرها لأحرقت بغداد”، كما قال: “إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة، وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزُّؤ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى”.

وفاته

وتوفي جابر بن حيان وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة، سُجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته سنة 197هـ (813 م).

شاهد أيضاً

الضفة الغربيّة… إن انفجرت

كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول: عندما سألنا زميلاً فلسطينياً في عمان ما إذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *