فضيحة غذائية من العيار الثقيل… أرزّ “مسرطن” وقمح “مغشوش معفن” في الأسواق والترشيشي يطلق “صرخة”: المسؤولون يستهترون بصحة المواطن

أحمد موسى

كواليس| في النصف الأول من العام الماضي أُدخلت إلى لبنان أطنان من الرز “المُسرطِن” ، بموجب تعهّد صادر عن المديرية العامة للجمارك ، بناء على المادة 57 من قانون الجمارك ، ونقلتها إلى مستودعاتها في منطقة بشامون ، ذلك قبل أن “تُفقد” من مستودعات الشركة المستوردة ، ليتبيّن أنها انتهت في بطون المستهلكين!! ، ليتبعها شحنة مماثلة من الكمية تمثلت بآلاف الأطنان من “القمح العفن” ، على مرأى ومسمع الجهات والأجهزة المعنية ، إذ تجاوزت الشحنتين ال١٠٠ ألف طناً من الأرز والقمح ، لم يحرك المعنيين ساكناً إلا بعد أن “افتضاح الأمر” أمام الرأي العام ، فيما مدعي النقابات الزراعية وخاصة ما يطلقون على أنفسهم “نقابة القمح” الذين يتلهون بالشوفانيات والعراضات الإعلامية والوعود الفارغة من المضمون أشبه ب”بالون” ، والمواطنون “أكلوا الضرب” ، على وقع “بث السمّ في نفوس المواطنين” ، وراح بعض “المنتفعين من جهات معنية متعاونة مع كارتيلات كبار التجار والمستفيدين من تجار نقابيون” يمعنون ب”ضرب اقتصاد لبنان وقطاعه الزراعي” ، وحده “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع” أطلق العنان “محذّراً” ، ورئيسه (التجمع) إبراهيم الترشيشي أطلق “الصرخة” في وادي ذئاب التجار والمنتفعين وسماسرة الموت.

وعلمت مصادر أن إحدى الشركات المستوردة للمواد الغذائية (يملكها رجل أعمالٍ معروف) استوردت، في آذار 2023، 24 طناً من الأرزّ، وأخرجتها من مرفأ بيروت.

القضاء يتحرك

تحرك القضاء اللبناني بحيث أوضح قاضي الأمور المستعجلة في جديدة المتن رالف كركبي أنه “استند في قرار ادخال القمح المشكوك في صلاحيته الى الاسواق، الى تقرير اعده نقيب الكيميائيين في لبنان” الخبير الدكتور جهاد عبود، علماً أن الأخير بادر الى الاتصال في اليومين الماضيين بوسائل الاعلام “دفاعاً عن تقريره ، واتهم المعترضين بالسعي الى تشويه صورته”.

الشكوك رافقت القضية مؤخراً بعد “غض الطرف” طوال تلك المدة ، منذ إدخال شحنات الأرز والقمح ، وصولاً إلى “التحرك القضائي” مؤخراً ، رغم أن الشكوك لا تزال تراود مكانها ، خاصة وأن التجارب كثيرة ، والتفلت من المحاسبة والعقاب سهل المنال.

جمعية المستهلك

بعد وصول 4506 طناً من “القمح العفن”… تحركت “جمعية المستهلك” في لبنان وأصدرت بياناً جاء فيه: “من تاجر وشركة تستورد 24 طناً من الأرز المسرطن وتبيعها في الأسواق بالرغم من قرار الحجز الذي قررته السلطات ، إلى شحنة 4506 طناً من القمح العفن التي أفتى قاض بأنها صالحة خبزاً للبنانيين ، في الحالتين كان من المفترض أن يكون المجرم الآن في السجن ، يخضع للتحقيق والمحاسبة ، لكن المجرم تصرف وكأنه لا وجود لدولة ومحاسبة في لبنان ، وانتهى به الأمر إلى الإفلات من القانون والمحاسبة وإلى الخروج إلى الحرية من دون عناء”.

وأشار (بيان الجمعية) إلى إنها “بكل بساطة دعوة لكل من يريد السرقة أو رمي نفاياته أن يشرفنا إلى لبنان ، قضية بيع واستهلاك آلاف أطنان الأرز المسرطن والقمح العفن ، ليس عملاً فردياً استثنائياً بل هي واحدة من آلاف بل ملايين العمليات التي برع القطاع الخاص والقطاع العام في تمريرها عبر شبكات الفساد المنتشرة منذ تأسيس الكيان، والتي يدفع ثمنها سكان لبنان من مالهم ومن صحتهم جيلا بعد جيل”.

أضاف البيان: لقد واجهت جمعية المستهلك منذ أكثر من 25 عاماً هذه المسألة واقترحت حلولاً كثيرة ، وكانت في أساس إخراج قانون سلامة الغذاء الى النور عام 2015 ، إضافة إلى تدريب عشرات البلديات ومساعدة الصناعات الوطنية في تحسين أوضاعها ، لكن “انحراف السلطة التنفيذية والنيابية والقضائية وفساد أكثر مسؤوليها عطل أي إمكان إصلاح في البلاد وحماية أمن السكان الصحي والجسدي”.

كما اتخذت هذه القضية التحضير ، مع مجموعة من المحامين الأصدقاء ، إلى اتخاذ “صفة الادعاء الشخصي على الشركات المسؤولة عن جريمة تسميم آلاف المواطنين عن سابق تصور وتصميم” ، لينالوا العقاب القانوني الصحيح ، لكننا ندعو ما تبقى من سلطات قضائية وتنفيذية ، بخاصة وزارات الزراعة والاقتصاد والتجارة والصحة الكشف عن اسم التاجر والشركة وتعقب المتاجر التي وزع عليها هذا الارز والقمح ، وذلك لسحب الكمية المتبقية في حال وجودها ، وحظر الماركة والاعلان عنها لأنها حق وواجب على السلطات التنفيذية والقضائية ، كما ينص قانون حماية المستهلك ، لكي نحمي ما تبقى من صحة المستهلك” ، على أن يكون المواطن رديفاً لجمعية حماية المستهلك في المراقبة الدقيقة والتبليغ عن أي خلل.

تضارب في الاعترافات

لقد أظهرت نتائج الفحوصات لعيّنة من الأرزّ أنها “غير مُطابقة للمواصفات لاحتوائها على ترسّبات مبيدات زراعية أعلى من الحد الأقصى المسموح به” ، كما وتُعتبر “مُسرطِنة” ، وفقاً لمهندس وزارة الزراعة الذي كشف عليها ، ولدى إبلاغ الشركة بضرورة تنفيذ التعهّد لجهة الإمتناع عن بيع الأرزّ، قدّم صاحب الشركة (المستوردة) دعوى قضائية لإعادة إجراء الفحوصات المخبرية ، وبالفعل، عُيّن فريق ضمّ خبيراً متخصّصاً ومسؤول مكتب وزارة الزراعة في مرفأ بيروت وموظفة في إدارة الجمارك، غير أن المفاجأة كانت أن البضاعة التي يفترض أخذ العيّنات منها “لم تكن موجودة” ، وبعد الكشف على المستودعات، تبيّن للخبير “عدم مطابقة الأرزّ الموجود مع الفواتير التجارية المتعلّقة بالبضاعة المطلوب فحصها لناحية الكمية والتاريخ” , وأنّ الأرزّ الذي طلبت الشركة فحصه هو من “نوع آخر تماماً” ، وأن كمية الأرز الغير المطابق للمواصفات بيع في الأسواق ، وبعد إشارة من النيابة العامة المالية التي أُبلغت بالأمر ، وباشر جهاز أمن الدولة تحقيقاته بالاستماع إلى مسؤول مكتب وزارة الزراعة في المرفأ ، وموظفة في إدارة الجمارك ، والمخلص الجمركي للبضاعة ، وعنصر في مديرية الجمارك ، وصاحب الشركة وشقيقته التي تشغل منصب مدير الشركة ، وإلى مسؤولة المشتريات وأمين المستودعات ، حيث أفاد الأخير ، بأن “الشركة باعت كمية الأرزّ غير الصالح للاستهلاك”.

وبعد مواجهة المديرة المسؤولة، شقيقة صاحب الشركة، بالأمر، أنكرت أن تكون على علم بنتائج التحاليل المخبرية. كما نفت علمها بأنّ البضائع أُخرجت من المرفأ بموجب التعهّد 57. كما وادّعت جهلها بشرط عدم التصرف بالبضاعة. وألقت المسؤولية على المخلّص الجمركي ومسؤولة المشتريات. وكذلك على مديرية الجمارك لأنّها “لم تختم البضائع بالرصاص الجمركي”. وبالتوسع في التحقيقات، أبرز العنصر الجمركي الذي تولّى العمل على بيانات الشحنة، مستندَين ورداه في 27/3/2023 و12/5/2023 هما عبارة عن تعهّدين وفقاً للمادة 57 موقّعين من صاحب الشركة وشقيقته، ما يعني أنّهما على علم بوجوب عدم التصرف بالبضائع. كما ويرد في أحد التعهّدين أنّ عنصراً من الجمارك توجه إلى مستودعات الشركات لختم البضائع بالرصاص. فيما أكدت مسؤولة المشتريات أنها، بحكم منصبها، غير مسؤولة عن بيع المواد الموجودة في المستودعات.

وبناءً على توجيهات النيابة العامة المالية، تُرك المخلّص الجمركي لقاء سند إقامة ، كما تُركت مديرة الشركة لقاء غرامة مالية قيمتها 40 ألف دولار ، تعادل ضعف قيمة الأرزّ غير المطابق الذي تم بيعه. بينما وختم أمن الدولة المحضر الذي أصبح في عهدة النيابة العامة المالية. بعد ذلك، حوّل القاضي علي إبراهيم الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي ، وأوضح مصدر قضائي أنّ “الغرامة المالية التي قدّرتها النيابة العامة المالية بـ40 ألف دولار ، هي عقوبة مخالفة قانون الجمارك ، أما التحقيق في ما إذا كان هناك ضرر سيلحق بالمستهلكين انطلاقاً من نتائج تحاليل وزارة الزراعة، فسيتولّاه حلاوي ، انطلاقاً من أنّ الجرم جزائي ، على أن يتّخذ حلاوي قراره في الملف بناء على ما يتوافر لديه من معطيات”.

 

الترشيشي

رئيس “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ” الذي صرخاته لم تهدأ أمام معاناة المزارعين أبدى جهله بالمعلومات حول ملف الأرز المسرطن والقمح العفن (المغشوش) وصف الأمر بأنه “يُدلّل على استهتار المسؤولين بصحه المواطن” ، لافتاً إلى أنهم “يُفضلون استيراد القمح العفن على القمح اللبناني” المنتج حديثاً ، يبدو “أن السمسرات والتلاعب مفيد أكثر لكل من يعمل بهذا المجال”.

الترشيشي ومن موقعه النقابي “تعجّب كيف يدخلون هذا النوع من القمح المعفن الذي ينتج ضرراً ويصدر عنه ريحة بالخبز” ، وسأل الترشيشي: طالما بالفحوصات سقط ، كيف كيف سمح بإدخاله عبر المرفأ ومن ثم تم توزيعه في الأسواق؟؟ ، هناك مئة علامة استفهام؟؟؟ ولمصلحة من تم إدخاله!؟! ومن يقف وراء من أدخله؟ وأي جهة سياسية أو اقتصادية أو طائفية كانت وراء إدخال القمح المعفن؟؟ ، لافتاً إلى “أنه في الوقت نفسه لدينا آلاف الأطنان من القمح (أكثر من عشرين الف طن قمح) لا تزال مكدسة في المستودعات وهي من مواسمنا هذا العام!!!؟” ، وقال: “هذا القمح المكدس في المستودعات هو تعب الفلاحين وأرزاقهم غير قادرين على بيعه ، في الوقت الذي نحن على بعد حوالي ثلاثة أشهر لحصاد الموسم الجديد من القمح ، فيما المسؤولين يتكالبون ويتلهفوا على إدخال القمح المعفن الفاسد الذي يستحيل على الحيوانات أكله” ، وقال : العيب فينا.

وأضاف ، في سابقة كانت الدولة تعطي القمح المدعوم للمطاحن فرضاً ، وتجبرهم على شراء القمح اللبناني من الفلاحين، لكن حصل العكس ، يستوردون القمح ويبعونه مدعوماً للمطاحن من دون أن يستفيد المواطن من الدعم ، فيذهب الدعم “زعبره” وأرباح غير منظورة.

وفيما شدّد الترشيشي على “ضرورة المحاسبة للذين يريدون ضرب إقتصاد لبنان والضرر بصحة المواطن” ، أكد أن المزارعين وخاصة (القمح) لا يزالون يواجهون صعوبات في تصريف مواسمهم بدليل “أن أكثر من ٢٠ ألف طن لا تزال مكدسة في المستودعات والموسم الجديد على بعد ثلاثة أشهر من حصاده”.

هي “صرخة” أطلقها رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي عسى أن تلقى صداها عند آذان المسؤولين والقيمين على القطاع الزراعي لإنقاذه مما هو فيه وسط ما تمر به البلاد من أزمات ومعانات.

شاهد أيضاً

الرحمة لأموات المسلمين”

الروائية راوية المصري…. في عالم يسوده العقل والمنطق، ظهرت مؤخرًا نظرية جديدة تقول إن الرحمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *