ناران سرجون
عندما قرأت هذه الخطبة للامام علي .. وهي التي أعرفها عن ظهر قلب .. احسست وكأن عليا كان يقصد هذه الايام .. وكأنه توقع حرب غزة ورأى مانراه اليوم من بلادة الشعوب العربية وقلة مروءتها .. وخذلانها البشع والوقح للموت في غزة حتى ان اميريكيا اسمه أرون نهض لينتصر لأهل غزة لانه رأى أن الرجال في الشرق الاوسط قليل .. وأن الحرب يمكن ان تتوقف لو ان الشرق فارت شوارعه بالغاضبين الذين سيجبرون اميريكا على ان تردع اسرائيل وستخاف من هدير الناس في الطرقات ..
هذه الحرب كانت فاجعة .. لأنه قبل سنوات قليلة خرجت الامة العربية والاسلامية بحجة التحرر من الاستبداد .. وشهدت بأم عيني كيف كانت المظاهرات والنشاطات والفتاوى واتحاد علماء المسلمين لاينامون ليلا نهارا وهم يدعون للجهاد .. خرج الاطفال في المدارس للتنديد بما سمي الاستبداد والاشتراك في صنع الجهاد … وخرج كل من هب ودب لأنه سرت لوثة الثورة والحرية .. وسمعنا خطابات لم نسمع بها من شدة حماستها .. وسمعنا أغاني وأهازيج .. وخرج الناس في الليل يدقون على الطناجر حتى اهتزت أبواب السماء .. وخرج المسلمون يبتهلون على جبل عرفات باسقاط روسيا والصين والحكم السوري .. وتدفق مئات آلاف المقاتلين .. وكانت أسراب المتطوعين لانهاية لها .. ورأينا انتحاريين أكثر من الجنود المشاة وأكثر من أسماك البحر .. ونزلت الملائكة من السماء وسمعنا أن النبي صار يدعو المسلمين للعشاء معه لأنه كان مبتهجا بالثورات العربية .. وكان يخرج بنفسه على أبواب الجنة لاستقبال الذين قتلوا في سبيل الله في سورية والعراق .. بل وكان يسكب لهم الثريد والمن والسلوى بيديه الكريمتين ..
واليوم .. لا أحد .. خلت الشوارع العربية .. لدرجة ان ابرة اذا وقعت في شارع في طنجة سمع صوت سقوطها في دبي .. ويسود صمت وكأن العالم العربي توقفت فيه أمواج الصوت عن الحركة .. حتى النبي غاب عن هذه المعركة .. ونامت الملائكة وانشغل الصحابة كلهم بالصلاة والتراويح والزهد ..
الغريب أنه وفي حفلة هستيريا الدم في غزة ينشط ثورجيو درعا وينصبون الكمائن ويبثون الالغام والمتفجرات على الطرقات لاشغال حركة الجيش السوري في الجنوب .. وتنشط خلايا داعش … وينشط ثورجيو ابو محمد الجولاني ويغيرون على الجيش السوري لاشغاله شمالا .. وهذا يستحيل ان يكون صدفة بل كأنها حركة منسقة مدروسة تماما مع الجيش الاسرائيلي الذي تغير طائراته على الجيش السوري .. والطائرات التي تقصف غزة هي نفسها الني تفرغ حمولتها في دمشق ..
أنا لست متفائلا بهذه الأمة التي يحركها الانكليز لتصنع ثورة مع لورنس .. والتي يحركها شيخ ويخدرها أمير .. أمة تثوّرها جزيرة وتخمدها جزيرة .. ملوكها يصنعون في لندن مثل السيارات قبل تنصيبهم عليها .. وشيوخها وأمراؤها تتم هرمنتهم بالايديولوجيا الصهيونية .. واتحاد علمائها في قاعدة العيديد مع الجنديات الامريكيات ..
وأفضل ماقيل في هذه الامة هو ماقاله علي في الكوفة .. وأنا على يقين انه رأى هذه الايام التي تشبه تلك الأيام التي شاهدها .. وأنه عنى بكلمته زمنا مثل زمننا ولو تصرفت بعبارة او عبارتين في الخطبة لوجدت انها 100% تناسب هذا الزمان .. وان معجزتها اللغوية انها تناسب أي عصر للانحطاط اذا ماتغيرت فيها عبارة او اثنتان .. وأنها رصاصة من الماضي تستقر في قلب هذا القرن الكريه .. وفي قلب كل عربي يعيش الان ولايعيش .. فيقول علي:
أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة .. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل .. وشمله البلاء .. ولزمه الصّغار .. وسيم الخسف .. ومنع النّصف .. ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً .. وسراً وإعلاناً .. وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم .. فوالله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا .. فتواكلتم وتخاذلتم .. وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريّاً .. حتى شنّت عليكم الغارات ..
هذا نتنياهو قد وردت دباباته غزة وقتل ثلاثين الفا، وأزال خيلكم عن مسالحها، وقتل منكم رجالاً صالحين. ولقد بلغني أن الاسرائيلي منهم كان يدخل على المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها وقلبها ورعاثها ويقتل أطفالها في حجرها ثم ينصرف .. فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً .. ما كان عندي به ملوماً .. بل كان به عندي جديراً … فيا عجباً من جد هؤلاء القوم في باطلهم … وفشلكم عن حقكم.
فقبحاً لكم وترحاً … حين صرتم هدفاً يرمى .. وفيئاً ينتهب .. يغار عليكم ولا تغيرون .. وتُغزون ولا تغزون .. ويعصى الله وترضون .. فإذا أمرتم بالسير إليهم فى أيام الحر قلتم: حمّارة القيظ … أمهلونا ينسلخ عنا الحرّ .. وإذا أمرتم بالسير فى البرد قلتم: أمهلونا ينسلخ عنا القرّ .. كلّ ذا فرار من الحر والقر؟؟ !! .. فإذا كنتم من الحر والقر تفرون … فأنتم والله من السيف أفر .. يا أشباه الرجال ولا رجال.. ويا أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال.. وددت أن الله قد أخرجني من بين ظهرانيكم .. وقبضني إلى رحمته من بينكم .. والله لوددت أني لم أركم .. ولم أعرفكم ..
معرفة والله جرّت ندماً .. قد وريتم صدري غيظاً، وجرّعتموني الموت أنفاساً .. وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان .. حتى قالت الأمم: ان العربي شجاع ولكنه ساذج لا علم له بمكر أعدائه ..