من زمن قاسم سليماني…!

الرسالة التي كتبها الشهيد الحاج قاسم سليماني في اول سفر له من دون مرافقة مدير مكتبه العقيد حسين بور جعفري وسكرتيره الخاص ورفيق دربه بعد تقاعده حيث طلب منه العودة مجدداً وهو ما حدث بالفعل
وعاد حسين الى عمله ولم يترك الحاج قاسم وحيداً وبقي معه حتى استشهدا سوياً رضوان الله عليهما

بسم الله الرحمن الرحیم

حبيبي اخي حسين


بعد ثلاثين عاماً وأخص منها العشرين عاماً الأخيرة الذي كنتُ أستنشق فيها أنفاسك باستمرار، هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها من دونك.


خلال سفري ناديتك مراراَ كما اعتدت دائما. في الطيارة وفي السيارة و… حتى استغرب الجميع، نظرت عدة مرات، كان مكانك فارغاً. تبين لي حينها كم احببتك.
عزيزي حسين، كانت بيني وبينك صلة لم تكن بالتأكيد بينك وبين أولادك ولا بيني وبين أولادي.
كنت تهتم ليس بصحة جسمي فحسب، بل تهتم بروحي ايضا. كنت حريصاً على راحتي وطعامي ونومي و.. كان اهتمامك اكثر من اهتمام الأب بولده.


وفي الأعوام العشرين الاخيرة كنت تهتم بي دائماً لكي اكرس وقتي بأكمله للإسلام والجهاد ولم تسمح أن يُهدر وقتي عبثاً.
حسين العزيز! انا سعيد لانك فارقتني، سعيد جداً، رغم أنني أفتقدك روحياً منذ فترة، لكنني سعيد لابتعادك، لأن لا طاقة لي على فقدانك.


انا فقدت أحبتي جميعاً وسأبقى حزينا عليهم للأبد ولا أستطيع أن أشعر بالسعادة دونهم ولو للحظة. كلما أردت أن أعيش وأشعر بالطمأنينة، أرى صفاً من أصدقائي الشهداء الذين كانوا معي، يحومون حولي كالفراشات ويتجلون امام ناظري.

حسين، في المرات العديدة التي ذهبنا بها معاً الى خطوط الصد الأمامية، كنت أحاول أن لا تأتي معي وأبقيك في الخطوط الخلفية.
رغم أنني لم أنطق بها أبداً وكتبتها للمستقبل من بعدي، ويعلم الله بما مر علي بعد استشهاد كل واحد منهم حتى (الشهداء) بادبا، جمالي، علي دادي فقدتهم وكنت قلقاً من فقدانك ايضاً، كلما كنت أتقدم إلى الأمام كنت قلقاً على ما تبقى خلفي، كنت أخشى أن تصيبك رصاصة وتستشهد. لذلك أنا سعيد أنك فارقتني على الأقل لن أفجع بك. فارقتني وانت حي ولله الحمد.

حبيبي حسين ! أشهد أنك أفنيت ثلاثين سنة من عمرك بإخلاص وطهارة وسلامة للإسلام. أنت منقطع النظير في الوفاء، والصدق والإخلاص وكتمان السر.

حسين ! إبني، عزيزي، صديقي، أسأل الله أن يهبك عمراً مباركاً، وأن تحفظ حسين بورجعفري، بنفس خصاله للأبد. حسين الذي كان يعرفه كل مجاهد سواء عراقي، إيراني، سوري، لبناني، أفغاني، ويمني. كان عنواني والدليل علي، كم كان جميلاً أن يسألوني عنك خلال هذه الأيام، ولم يصدق أحداً أنك لم ترافقني.

عزيزي حسين ! في يوم القيامة فقط تتبين حقيقة وقيمة الأعمال وكم هو جميل أن تكون ضاحكاً وسعيداً بينما يكون الجميع في حيرة. سـتأخذ آجر هذا التعب حينها ويكون الأهل والأقارب في حاجتك وقتها، ويتوسلون بك.
ليجعل الله أجرك يا أخي الطيب أجر شهيد. أعدك أنني إذا رحلت وكان لي مكانة عند الله لن أدخل الجنة من دونك.

عزيزي حسين، حاول أن تُبقي إستمرارية وطراوة الجهاد بداخلك في كل الاحوال، لا تسمح للدنيا وروتينها أن تنسيك ذكر أصدقائك الشهداء. ذكرى حسين الاسدي، وذكرى حسين نصر اللهي، وذكرى أحمد سليماني، وذكرى حسين بادبا.
من الذي أذكره وعن كم شخص أبحث؟
لأن نسيانهم يعني نسيان الرب سبحانه وتعالى.

حبيبي حسين!
يمضي عمر الإنسان بسرعة، جميعنا نفترق عن بعض بسرعة وتحدث مسافات بيننا وبين من نحب، عندما يضعوننا في حفرة الوحشة عندها لا ينفع الإنسان إلا أعماله.
عزيزي أخي! جهز المصباح لظلمة لحدك.
لأن مصباح الأعمال هو المقبول فقط، وهو الذي يستطيع أن ينير تلك الظلمة والظلام المطلق.

عزيزي حسين! لا تسمح أن تتغلب أي محبة على محبة الله سبحانه وتعالى وأي رضى على رضى الله سبحانه وتعالى تحت أي ظرف كان.
أخي الطيب! إن أردت أن لا تكون متألماً، فتألم
تألم ألماً لا تحمل برودة جسدك حرارته الحارقة
ألما يكون حرارة لوجودك في البرد السالب للروح
اخي عزيزي، ليست كل الآلام آلاماً ولا كل البلايا بلاءاً.
کم من الآلام هي دواء للألم وكم من البلاءات هي في الحقيقة نِعَم، وكم من الافراح والسعادة ما هي الا آلام.
سلم نفسك له وإعتبر رضاه عين النعمة واللطف والمحبة.

حسين! تعلم بوضعي وأنت مطلع على آلامي وهمومي. تعلم كم أحتاج إلى دعائك. تعلم جيداً كم أنا مرعوب ويتغلغل الخوف في داخلي دائماً ولا يتركني لحظة واحدة. لكن ليس الخوف من العدو أو عدم الإمتلاك، بل الخوف من المقام والمنصب. أنت تعلم لأنك كنت قطعة مني، خوفي من طريقة الرحيل، أنت تعلم جميع أسراري.
أُدعو لي ولا تتركني من دعائك.

أسأل الله أن يوفقك دائماً ويؤيدك أنت وعائلتك المجاهدة الصبورة.
في أمان الله أخي الطيب والعزيز، الصديق والرفيق الوفي والحنون والصادق منذ ثلاثين عاما.

في أمان الله.

أخوك قاسم سلیماني
31 / 10 /2016 سفرة حلب

شاهد أيضاً

صليبا وعويدات التقيا الجميل

زار رئيس “حركة شباب لبنان” ايلي صليبا، يرافقه النائب الاول لرئيس “هيئة الطوارئ المدنية في …