صحيفة “الحياة”

جورج متى

 

لم تلعب أي صحيفة، بما فيها «الأهرام»، دوراً في الحياة السياسية العربية يضارع الدور الذي لعبته «الحياة» منذ تأسيسها في العام 1946؛إذ سرعان ما تحولت من خطها التحرري «العروبي» إلى «لسان حال المخابرات البريطانية» والمشاريع السياسية والأميركية في العالم العربي والشرق الأوسط، بما في ذلك رعاية الانقلابات وإسقاط الحكومات، بحكم أن صاحبها ورئيس تحريرها كامل مروة كان عميلاً رسمياً لجهاز MI6 إلى حين اغتياله، في 16 مايو 1966، من قبل مجموعة لبنانية ناصرية، وقفت وراءها مخابرات عبد الناصر.
وقد تزوجت ابنته حياة لاحقاً (1986)من مطوّر العقارات البريطاني اللورد بيتر بالومبو Peter Palumbo، عضو حزب المحافظين وأحد محاسيب رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، و«رجل المخابرات البريطانية الذي لعب أدواراً مهمة في عدد من أنشطتها السرية في الشرق الأوسط».
صحيفة «الحياة» هي الصحيفة الوحيدة التي لم يعمل فيها صحفيون، وإنما عملاء مخابرات يمثلون أكثر من عشرة أجهزة استخبارية إقليمية ودولية، وينتحلون صفة صحفيين!. لقد كانت الناطقَ شبه الرسمي في المنطقة باسم «حلف بغداد» و«عقيدة أيزنهاور» وأشد المدافعين عنهما، اعتباراً من أواسط خمسينيات القرن الماضي، والمنبرَ الأساسي لبريطانيا وجهاز مخابراتها الخارجي MI6 في حربها الإعلامية، المشتركة مع السعودية، على نظام عبد الناصر والناصرية، فضلاً عن نظام ترويكا الأتاسي – جديد- زعيّن في سوريا لاحقاً.
بعد إعادة إطلاق الصحيفة في العام 1988(التي كانت محتجبة منذ العام 1976)، أصبح تأثير وكالة المخابرات المركزية هو الأكثر حضوراً فيها وتأثيراً على خطها التحريري، بحيث أن خمسة على الأقل من صحفييها وصحفياتها كانوا في فترات مختلفة عملاء رسميين للوكالة وعلى جداول مدفوعاتها، وبعضهم لإسرائيل أيضاً، على غرار راغدة درغام التي كانت بدأت اتصالاتها مع «الموساد» خلال فترة عملها في نيويورك اعتباراً من أواخر السبعينيات، كما تقول برقية للدائرة A-XI المسؤولة عن أميركا الشمالية في جهاز HVA يعود تاريخها إلى 14 يونيو 1982، أي قبل أن تعمل مع صحيفة الحياة بحوالي ست سنوات. وطبقاً لتلك البرقية، فإن درغام كانت على علاقة وثيقة مع نائب رئيس البعثة الديبلوماسية الإسرائيلية في واشنطن (رئيس الحكومة لاحقاً) بنيامين نتنياهو، وحافظت على تلك العلاقة معه بعد انتقاله إلى نيويورك في العام 1984 كمندوب دائم لتل أبيب في الأمم المتحدة. في سبتمبر 1986، أصبحت درغام على علاقة وثيقة مع الملحق العسكري الإسرائيلي، الكولونيل عاموس يارون Amos Yaron، الذي كان أحد الضباط المشرفين على «مجزرة صبرا وشاتيلا»التي نفذها عميل «الموساد»، ورجل المخابرات الجوية السورية لاحقاً، إيلي حبيقة، خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982! واللافت في قصتها أن وليد جنبلاط كان أول من لفت انتباه محطتي KGB و HVA في بيروت في العام 1981 «إلى الدور الخطير الذي تقوم به صحفية لبنانية تعمل في واشنطن تدعى راغدة درغام، في التواصل مع الإسرائيليين وجمع المعلومات لصالحهم ضد الحركة الوطنية اللبنانية عن طريق شبكة علاقاتها الواسعة مع لبنانيين في لبنان والخارج»، وطلب منهم «وضعها تحت المراقبة اللصيقة»!
وحين جرت إعادة إطلاق الصحيفة في العام 1988، كانت درغام من أوائل من جرى الاعتماد عليهم في ذلك كمديرة لمكتبها في الولايات المتحدة.
واعتباراً من العام 1998 اعتمدت وكالة المخابرات المركزية وجهاز المعلومات (المخابرات) في الحلف الأطلسي على بعض العاملين في الصحيفة لإنشاء محطة بث إذاعية باللغة العربية في العاصمة التشيكية، براغ، موجهة إلى العراق تمهيداً لغزوه الذي حصل قبل عامين. ولعل أشهر هؤلاء الصحفي الكردي-العراقي، كامران كرداغي، الذي كان مجنداً لصالح KGB قبل أن يعمل رسمياً مع الـCIA، وجرى تجنيده أواسط ستينيات القرن الماضي، حين كان يدرس الأدب الروسي في الاتحاد السوفييتي في صفوف أستاذه البروفيسور ألكسندر دزاسوخوف Александр Дзасохов، وهو أحد أشهر المتخصصين بالعلاقات القومية في القوقاز والشعوب الإيرانية والتركية [وآخر سفير سوفييتي في دمشق قبل أن يصبح نائب رئيس البرلمان الروسي ورئيس جمهورية أوسيتيا ذات الحكم الذاتي ـ المترجم]. وقد لعب دزاسوخوف دور الوسيط في ترتيب اتفاقية الحكم الذاتي بين النظام العراقي السابق والحركة الكردية في العام 1970 إلى جانب الصحفي ورجل المخابرات المعروف يفغيني بريماكوف، ضابط الاتصال السري بين الكريملن وإسرائيل بعد حرب يونيو 1967، والذي أصبح لاحقاً مديراً للمخابرات الخارجية ورئيساً لجهاز KGB ووزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
علاقة كرداغي مع الـ CIA اكتُشِفت بعد انتقاله إلى لندن في العام 1988 للمساهمة في إعادة إطلاق الصحيفة، حيث كلفه رئيس تحريرها ومالكها الجديد بالوراثة عن أبيه، جميل مروة، وثيق الصلة بالأوساط الإسرائيلية منذ أواخر السبعينيات على الأقل، تجنيدَ الصحفي الروسي إيغور تيموفييف Игорь Тимофеев، الذي كان زميلاً له منذ دراسته في موسكو أواسط الستينيات، والذي سبق له أن عمل في بيروت مراسلاً لصحيفة «كومسمولسكايا برافدا» في بدايات الحرب الأهلية (1976-1979). وفيما بعد، ساهم كرداغي بشكل فعال في الأنشطة الاستخبارية الإسرائيلية شمال العراق بالتنسيق مع زوجة جلال الطالباني، هيرو ابراهيم أحمد، التي«جندتها»ضابطة الموساد تسيبي ليفني في فرنسا مطلع الثمانينيات بمساعدة أحد ضباط المخابرات الفرنسية الداخلية DST، الذي كان يشغل في الآن نفسه منصب عضو مجلس إدارة«المعهد الكردي-الفرنسي»في باريس، ويشرف على أنشطة المعهد.

شاهد أيضاً

قليموس حاضر بدعوة من جمعية متخرجي المقاصد:

“لانتخاب رئيس وتطبيق الطائف ووضع حدّ لانتهاكات إسرائيل” شربجي: “لا حلّ في لبنان من دون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *