معنى الإستقلال !!.

✍️ المرجع الراحل السيّد محمّد حسين فضل الله

جيش البلد :

…….. هل تريدون الإحتفال بالإستقلال؟
إصنعوا جيشاً يستطيع أن يحرّر البلد !
إصنعوا أمناً يستطيع أن يمنع الذين يعيثون فساداً في البلد.. من كلّ مخابرات العالم الذي جعل من لبنان ساحة لكلّ حركة المخابرات الدولية والإقليمية والتي ليس لها من عمل يقوم على جمع المعلومات، بل أن تصنع الوقائع ..
إصنعوا لنا جيشاً نشعر معه أنه يستطيع حمايتنا من كل القوى بحجمه وقدرته، وأن يجرّب حمايتنا في كل مكان وزمان.. ونحن نعرف أن الجيش لا قرار له في ذاته، ولكنّ الذين يصنعون القرار هم الذين يخطّطون للجيش سياسته.. والذين يخطّطون ليس في حسابهم أن يكون هناك سياسة تحرير للأرض والبلد .. فلقد تعلّمنا في لبنان أننا نحرّر لبنان من بعضنا البعض ..فالمسيحيّون يحرّرون لبنان من المسلمين والمسلمون يحرّرون لبنان من المسيحيين .. عندما تكون هناك فتنة طائفية أو مذهبية بين طائفة وأخرى ومذهب ومذهب وحتى بين أهل المذهب الواحد ففي الفتنة لك الحريّة المطلقة وليديك في ضرب ما تشاء من أنواع القذائف والصواريخ .. لكن هناك تكون المشكلة مع إسرائيل يأمرونك : كُن الإنسان المهذب ؟ّ والمعتدي الذي يفهم الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء.. فلِمَ تتحدّث أمريكا أو إسرائيل عن صواريخ الكاتيوشا التي كانت تُطلق على اليهود في مستوطناتهم عندما كانوا يحرقون الجنوب كلّه والبقاع الغربي؟ وعندما كانوا يدمّرون مواقع أهلنا ويشرّدونهم يصدر القرار: لا تطلقوا الكاتيوشا؟
حتى في الوقت الذي كان رئيس وزراء العدوّ يقول : إن الكاتيوشا كانت ردّاً على قصفنا؟ فإننا نخاف منه؟ ألم تكن الأسواق التجارية نتيجة كل الصواريخ التي أُطلِقت؟
الصواريخ التي تُستعمل في الحرب الكبرى حيث لا نستعمل الرصاص، بيننا في حروبنا الصغيرة نستعمل حتى المدافع المضادة للطائرات .. ولهذا مثالنا للأسف (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى ).

 

المقاومة عزّنا :

إنهم يحدّثونك عن المقاومة في لبنان أنها المشكلة ، ولكن مشكلة لا نستطيع أن نتخلّص منها.. إنه عبء يثقلنا ، ويمكن للظروف أن تخلّصنا من هذا العبء ..
ويعتذرون لهذا الفريق وذاك .. ولهذا المحور الدوليّ وذاك المحور الإقليمي ..
ونحن نرى أن فرنسا كانت كلّها مع المقاومة حين احتلّ النازيّ بعضاً من أرض فرنسا.. ولكن حين احتلّت إسرائيل كثيراً من بلدنا بشكل مباشر والقسم الأكبر بشكل غير مباشر كان أكثرنا ضد المقاومة ولا نزال .. نتحدث عن المقاومة كميليشيا لا بد من التخلّص منها.

استقلال المستقبل :

إن الكلام يفرض نفسه من خلال أن الواقع يفرض نفسه.. فكّروا في استقلال المستقبل .. لأن استقلال الماضي دُفن مع أبطال الإٍستقلال ولا يزال ينتظر دفن بعضهم الآخر..
ويا أيها الجيل الجديد من اللبنانيين رجالاً ونساءً، مسيحيين ومسلمين إصنعوا استقلالكم على مستوى قضاياكم ، واصنعوا حرّيتكم على مستوى عزّتكم وعنفوانكم فقد لا تستطيعون أن تصنعوا الكثير، ولكن دعونا نبني لبنة اليوم ليبني أبناؤنا لبنة أخرى حتى تتكامل الأجيال في بناء الإستقلال كقاعدة قوية للمستقبل .. ولننطلق جميعاً في بناء الوطن، لأن الدولة حين تكون بمعنى الدولة وليس في طموحات الأشخاص ، فهي تكون دولة وشعباً تؤسّس للإستقلال على العلم ، فيكون لكلّ موقع مدرسة فلا نجد هناك من يتحرّك في الشوارع دون علم، ويكون لكل جائع لقمة خبز .. ولكل عامل موقع عمل ، ولكل أرض محتلّة حركة حريّة ومقاومة..
لا تجرّبوا أن تعيشوا في الماضي لأن خمسين سنة من عمر الإستقلال أفقدتنا استقلالنا .. وأصبحنا بحاجة إلى استقلال جديد .. إستقلال لا تتحرّك قوى الأمن فيه لتضرب الذين يحرّرون البلد ولتقتلهم .. ولكن تتحرّك لتقتل الذين يستعبدون البلد ..
دولة تتطلّع لشعبها عندما تفكّر في الأمن، ولا تتطلّع إلى الآخرين كيف يفرضون عليها شكل الأمن ..

بندقية وقلم التّحرير :

في خط الإستقلال نريد أن نتحرك ، لنمسك البندقية بيد لنحرّر الأرض والإنسان .. ولنمسك القلم بيد والمعول بيد والآلة في المصنع بيد ..
فالأيدي تتكامل والطاقات تتعاون .. والإنسان يضمّ إنسانيّته إلى إنسانيّة الآخر .. وعندها لن يكون لبنان أرزاً ولن يكون سهلاً وجبلاً وبحراً … بل سيكون لبنان إنساناً يحترم إنسانيته ، وإنساناً يغني إنسانيته ، وإنساناً ينفتح على الله ليكون إيمانه بالله ثمناً لإنسانيّته في حاضره ومستقبله ، وعند ذلك يمكن أن تتحدثوا عن لبنان الحريّة ولبنان العنفوان ولبنان التجربة التي لا مثيل لها .. وأن لا نسقط التجربة بل أن نحرّكها ونحن نحاول أن نبني لبنة إلى جانب اللّبنات الأخرى ونرجو أن تتكاثر اللّبنات في وقت قريب حتى ينشأ أولادنا في المستقبل وعيونهم تبتسم فرحاً قبل أن تبتسم شفاههم ..
إن المشكلة أن الكثيرين منّا يبتسمون ولكنّ عيونهم تبكي تماماً كما يقول الشاعر اللبناني :
” يغصّ بالدمع وهو يبتسمُ ..”
وكما يقول الشاعر الشابّي :
واذا ما استخفّني عبث الناس
تبسّمتُ في أسىً وجمودِ
بسمة مرّة كأني أستلّ
من الشوكِ ذابلاتِ الورودِ

انّنا نريد _في يوم الإستقلال _ بسمة للحريّة والعدالة وللمعرفة ولكلّ ما يبني لنا إنسانيتنا وبلادنا وأوطاننا .

بيروت 22 تشرين الثاني 1993 م.

إعداد وتنسيق :
علي رفعت مهدي

___________

شاهد أيضاً

الشارقة تتصدر المشهد اليوناني مع الاحتفاء بها ضيف شرف الدورة الـ20 من “معرض سالونيك الدولي للكتاب”

بدور القاسمي: لسنا مجرد ممثلين لدولنا ولكننا مسؤولون عن قصة إنسانية مشتركة ● عمدة مدينة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *