** حتى لا تتحول 17 تشرين إلى مجرد ذكرى **

الكاتب عفيف قاووق

أطفأت إنتفاضة 17 تشرين شمعتها الأولى، وهذه مناسبة للوقوف عندها وإجراء نقد وتحليل لمكامن الخلل التي إعترتها لكي تتم الإستفادة من الأخطاء – ويبدو انها كثيرة- قياسا على بعض النجاحات الخجولة. فلقد تعددت الاراء وتضاربت حول نجاح انتفاضة 17 تشرين أو فشلها، وذلك بعد ان خفُت وهج التظاهرات وتراجعت التحركات المطلبية، هذا التراجع يمكن رده لأسباب مختلفة، منها شعور الناس بالإحباط حيث لم تكن النتائج المحققة على قدر الآمال المعقودة، وأيضا ما تعرضت له هذه الإنتفاضة منذ إنطلاقتها وبشكل مدروس من قبل هذه الطبقة السياسية حيث عملت وبشكل مدروس على شيطنة الإنتفاضة والتشكيك بولاء المنتفضين وإتهامهم بتنفيذ أجندات السفارات،وقد نجحت هذه الطبقة السياسية في عملية التهشيم هذه بما تملك من أدوات إعلامية ومنابرسياسية وحتى دينية، ناهيك عن الممارسات القمعية التي مارستها السلطة ضد الناشطين وإعتقالهم، ودون أن ننسى جائحة كورونا التي ألزمت الجميع بأخذ الإحتياطات والحد من التجمعات.
في مراجعة شاملة لا بد من ان تكون الجرأة حافزاً للإعتراف بعدم تحقيق الإنتفاضة أي من مطالبها الأساسية اللهّم إلا إذا إعتبرنا أن إستقالة حكومة الرئيس الحريري واحدة من إنجازاتها. فلم نرى فاسد من هذه الطبقة السياسية امام المحاكم ، ولم نجد حلّا للنزيف الإقتصادي والمالي فما زلنا نبحث عن طرق لمعالجة الدين المتوجب على الدولة (داخليا وخارجيا ).ولا زالت الخلافات متحكمة بأطياف هذه الطبقة وكيفية التعاطي مع صندوق النقد الدولي.وعاد التناتش وتقاسم الحصص سيد اللعبة.
تجدر الإشارة إلى إن هذه الطبقة السياسية عندما لمست جدية التحرك الشعبي في بدايته، قامت بعملية إلتفاف ومناورة أثمرت ولادة حكومة الرئيس حسان دياب التي قُدمت في ظاهرها على إنها حكومة أخصائيين ولكن في جوهرها حكومة سياسية تحاصصية بإمتياز وهذا ما أثبتته التجربة والتي إنتهت بسقوطها، وواهم من يظن ان إستقالة حكومة دياب نتيجة لتداعيات تفجير المرفأ في 4 آب، بل أتت تفاديا من رئيسها المثول في جلسة مساءلة نيابية بعد الدعسة الناقصة التي قام بها وتلويحه بإقتراح انتخابات نيابية مبكرة . ويبدو ان هذه الطبقة السياسية لا تزال تُمعن في أخذ البلد رهينة لرغباتها واهدافها وهي وإن انحنت ظاهرا أمام المبادرة الفرنسية إلا انها عادت وأطلقت النار عليها وأجهضت مهمة تأليف حكومة برئاسة الدكتور مصطفى أديب. ويبدو إنها بعد أن أمنت جانب الإنتفاضة ها هي تحاول العودة إلى ما قبل 17 تشرين من خلال ما يحكى ويحاك في شأن تشكيل الحكومة العتيدة والتي لا نعرف متى وكيف ستولد.
من نافل القول أن ما يؤخذ على هذه الإنتفاضة عدم نجاحها في إيجاد قيادة ميدانية أو جسم تنظيمي يتولى شرح وتوضيح الشعارات التي ترفعها وهي كثيرة، وأهمّها كانت تشكيل حكومة مستقلين غير مرتهنين لإهواء زعماء الطبقة الفاسدة والمفسدة ويعول عليها محاربة الفساد والمفسدين، إستعادة الأموال المنهوبة ،وتوفير نظام قضائي مستقل إضافة إلى اجراء إنتخابات عادلة ونزيهة وفق قانون انتخابي عادل، وغيرها من الشعارات الإصلاحية ، فهل حققت الإنتفاضة أي من هذه الشعارات؟ الجواب لا وبكل أسف .
لقد شهدنا بالأمس إحياء السنوية الأولى لإنتفاضة 17 تشرين من خلال تحركات طغى عليها الطابع الإستعراضي عوضا عن جعلها فرصة لإعادة تقييم وقراءة ما احدثته هذه الإنتفاضة في سنتها الأولى. فلم يعد جائزا ان تبقى هذه الإنتفاضة إرتجالية يغيب عنها كل تنظيم بل هي مطالبة بأن تسعى وبكل جرأة لتشكيل قيادة تكون فعّالة وقادرة على توجيه الحراك السلمي ومقارعة السلطة من خلال التقدم بمشروع سياسي وإقتصادي واضح المعالم لناحية البنود التي يتطرق إليها وأيضا أليات تنفيذ هذا المشروع. وحتى لا تتحول 17 تشرين إلى مجرد ذكرى المطلوب الإستعداد وتكوين رأي عام ضاغط بخطاب وطني جامع وتكثيف الجهود إستعداد للمشاركة الجدية والفاعلة في الإنتخابات النيابية القادمة لأن هذه الإنتفاضة تهدف إلى التغيير السلمي والديمقراطي ، والإنتخابات النيابية تبدو الفرصة الوحيدة والمتاحة لإحداث مثل هذا التغيير إذا رُصَت الصفوف.

شاهد أيضاً

بوتين سيعلن انتهاء الحرب مع أوكرانيا وثبت أن القرار العالمي عند السيد نصرالله

بقلم ناجي أمهز بعد الخلط الذي أثاره حديث كيسنجر في قمة دافوس 2023 حول روسيا …