لكنَّ غزة لا تموت

ياسين البكالي

طفلةٌ كانتْ تحدّثُ في الدجى زيتونةً
في المهدِ ما زالتْ تغنّي للصباحْ

وعلى ذراعِ الفقدِ ألقتْ همَّها الأيامُ
يا أيامَ غزة …كل هذا الحزنِ لن يثني فتاتَك عن نزالِ الليلِ
فاشتعليْ
وقولي للذين تساقطوا قُربَ الحقيقةِ
إنّ غزة حينَ تضطربُ المواقفُ لا تُحب سوى الشموخِ
يا ريحَ غزةَ … بشِّرِينا
خبِّرينا كيف ترتدُّ الإغارةُ حسرةً صفراءَ في وجه الرياحْ

إنّا بلَعنا الذلَّ أضعافاً
ووحدَكِ من وقفتِ على جبينِ الشمسِ تبتسمينَ
تنتعلينَ رأسَ الإنبطاحْ

كانَ الذي يجري عليك يهزُّ داخلنا
فنبدو كالعُراةِ على بلاطِ الزيف نلتهمُ الجراحْ

والطفلةُ الشكوى تبيعُ على الزبائن ما تصبَّبَ مِن مخاوفِنا
على الكونِ الذي جاءتْ لتَحرسَهُ مقابلَ أن تعيشَ
فظلَّ مُحتمياً بها مِن موتِهِ الآتي على متنِ الخطيئةِ
للخطيئةِ حلُّها المعهودُ في شنِّ الحروبِ
على السلام بكلِّ أنواعِ السلاحْ

لكنَّ غزةَ لا تموتُ
أرى الحديثَ يدورُ في أعماقِ هذي الأرضِ
في ذهنِ السماء
وبينَ أعشاشِ الطيورِ المُستحمِّةِ بالقنابلِ
كلما صبَّ الفضاءُ الحقدَ فوقَ زهورِ غزةَ
إنَّ غزةَ لا ترى من كلِّ هذا
غيرَ مصحفِها الذي رفعتْه ألسنةُ الرماحْ

رحلَ المكانُ مُخلِّفاً بصماتِهِ ..
وعلى الربى ظلَّ الزمانُ يودّعُ الشهداءَ
يروي قصةَ الشرفِ الذي لا ينتهي
يا أهلَ غزةَ علِّمُونا كيف يرجعُ نَسرَنا بخلافِ عاداتِ العروبةِ
غيرَ مكسورِ الجناحْ

شاهدتُ طفلاً كانَ يبحثُ عن بقيِّتِهِ
وبضعَ حقائبٍ يسألنَ من مرَّوا عن الأحبابِ
كفَّ أرملةٍ تُطبطبُ فوقَ ظهرِ الدهرِ
يا هذا الذي آذيتَنا إنّا كرِهنا كلَّ شيءٍ مِن لديكَ
وهل لديكَ سوى الجريمةِ واللصوص ؟
وهل لدى كلبِ الحراسةِ حولَنا إلا النباحْ

لكنَّ غزةَ لا تموتُ
فامسحْ بحرفِك دمعةَ الكلماتِ
يا معنى الصمودِ
افتحْ كتابَ النصرِ واقرأْ ما تيسَّرَ مِن عباراتِ الكفاحْ

اليومَ غزة وحدها تحيا
ووحدك أيُها الطفلُ المضرّجُ بالعزيمةِ
مَن يُشاطرُها التوغُّلَ في الجهادِ وفي الفلاحْ

إنّي هنا سجنٌ يئنُّ بهِ سجين
أملٌ تدحرجَ في دهاليزِ الأسى
لكنَّ غزةَ فيهِ ما زالتْ تُعلِّق للبطولةِ
كلَ يومٍ مِن عجائبها وشاحْ

في غزةَ المجدُ استَهلَّ حديثَهُ
والغولُ أطلقَ ساقَهُ للريحِ
هذا الغول لا يبدو كما قالتْه أخبارُ الجزيرة
فاكتُبي في دفترِ التأريخ يا قدساهُ مفردتي الأخيرةَ
هاهنا فليسقطِ الطغيانُ والأنذالُ
لا معنىً هنا إلا الوقوفَ أمامَ هذا الطفلِ
والأمِّ التي جاءتْ بهِ مِن بعدِ أن رحلتْ
ليبقى وحدَهُ فينا دماً يجري
وبسملةً
يرفُّ على ذِراعيها الصباحْ
***
ياسين البكالي
2008

شاهد أيضاً

بري والحريري وسلام ووزراء ونواب وشخصيات سياسية وحزبية ونقابية ودينية من مختلف المناطق اللبنانية هنأوا العمال في عيدهم العالمي

إعداد وتنسيق مدير التحرير المسؤول: محمد خليل السباعي توالت ردود الفعل من شخصيات سياسية وحزبية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *