تكريمُ الوفاء والأوفياء!


علي رفعت مهدي

هاتَفني وأنا على فراشِ المرض؛ أخبرني عن موعدِ تكريمِهِ مع ثلَّةٍ من مبدعي البقاعِ الغربيّ وراشيا؛ متمنِّيًا أن أكون ” حدّه ” في هذا اليوم التّاريخيّ من عمرِنا ” المكدودِ ” الذي قضيناه معًا وعشناهُ معًا وخبرناهُ معًا منذ ثلاثةٍ وثلاثينَ عامًا زمنيًّا في كرِّ السّنين إلى جوار سيّدنا الأستاذ المرجع الراحل السيِّد محمَّد حسين فضل الله؛ إلّا أنّهُ يمتدُّ إلى عوالمِ الخلقِ الأولى في ملكوتِ تآلف الأرواح … كما الرّوح التي كانت ترافقني ليلَ تكريمه…
“سأتيكَ حبوًا على الثّلجِ ولو كنتُ أحتضِرُ وفي لحظاتِ أنفاسِ عمري الأخيرة ”
وأقفلتُ الهاتِفَ …

الرّابع والعشرون من حزيران عام ٢٠١٩ كرَّمتني لمّة أصحاب خبز وملح ولجنة أصدقاء غابة أرز بشرّي ولجنة جبران الوطنية في قلب غابة الأرز حيثُ تمّ غرس أرزة على اسمي في أرضِ المهابةِ والقداسة من لبنان الوطن الرّسالة وقد كان موعد زيارتها في الثالث من أيلول مطلع هذا الشّهر إلّا أنّ ظروفي الصحيّة ومعاناتي حالت دون ذهابي إلى بلاد الأرز التي كرّمتني يومها لنيلي شهادة الدكتوراه في الجامعة اللبنانية عن أطروحة:” السيّد محمد حسين فضل الله بين الشّعرِ والنّقد ”
أذكرُ هذه ” السّرديّة ” لأنّ أخي وعشير عمري ومرآة روحي وتوأم عقلي وقلبي ورفيق جمالات وآلام حياتي الحاج هاني علي عبدالله قال لي يومها بُعَيدَ تكريمي في الأرز ؛ وكنَّا نتشاكى همَّ عدمِ الوفاء في هذا الزّمنِ الضيِّق الخؤون المهزوم من الأقربين قبل الأبعدين :” فلنتذكرْ أخي علي ما تعلَّمناه من إمَامِنا عليٍّ[ع] _ وهو الّذي لم يترُكْ له الحقُّ صاحِبًا أو خليلًا _ :” مَنْ ضيّعهُ الأقرَبُ أتيحَ لهُ الأبعدُ ” وكم كان شرحُ سيّدنا الأستاذ لهذه الحكمةِ من كلام الأمير يستوقفنا ويُدْخِلُنا رحابَ التّأمّلِ والتدبُّر والتفكُّر في واقعِ حياتِنا الإنسانيّة المأساويّ الذي يجعلُ التكريمَ يأتي حيثُ لا نحتسِبُ أو نتوقّعُ أو نأملُ حين يتنكّرُ للتضحياتِ الأقربون .

إليكَ أعودُ … إلى يومِ تكريمك مساء التاسع من شهرِ السّنة التاسع … أخي ورفيقي وصديقي الحاج هاني عبدالله لأردِّد مُتحسِّرًا ما قلتهُ لي منذُ أربعِ سنواتٍ بتمامِ أيامِها ولياليها وتعاقبِ نهاراتها: ” مَنْ ضيّعهُ الأقربُ أتيحَ لهُ الأبعد ” وحسبي _ يا أخي _ أنّ الله يتيحُ لنَا محبّة ومودّة وصدقَ ووفاء كلّ العارفين الصّادقين الأنقياء ؛ ويهبُنا إدراكهم ووعيهم عظيمَ التضحيات والمنجزات والمآثر التي ستخلِّدُ ذكرانا على صفحات الوجود الذي ملأناهُ إخلاصًا ووفاءً وجمالًا لكلِّ مَنْ عرَفنا على وجهِ البسيطة ….
ليل التاسع من أيلول سيحفُرُ عميقًا في ذاكرتي وعقلي وبالي ووجداني وحياتي وكيَاني وعمري ففيه جمعنا المجلس الثّقافي الإجتماعي للبقاع الغربي وراشيا والتجمّع الوطني للثقافة والبيئة والتراث على تكريمِ ثلَّةٍ من مبدعي أدباء وشعراء وأطبّاء وإعلاميي وفنّاني لبنان من أبناء البقاع الغربي وراشيا …
هؤلاء العِظام كتبتُ لهم جميعًا على السجلّ الذهبيّ عند وصولي إلى رحاب المكان الذي قضيتُ فيهِ وعلى ترابِه أسمى أيام حياتي وأرقاها وأجملها وأنبلها وأحلاها وأغلاها :” نحنُ المكرّمون في حضرةِ القامات العملاقة من بلادي ومن أرضِ البقاعِ الغربيِّ وراشيا ….
دامَ إبداعكم وحضوركم في قلب الحياة ” …
وكيفَ لا تكونُ هذه القامات ” متعملِقة” وشامخة وسامية ورفيعة وكلُّ أسماء المكرَّمين هم ممَّن صنعوا إرادة الحياة في كلِّ ميادينها وساحاتها ومواقفها؛ وهم نموذجٌ سامٍ ومصداقٌ أكمل لمنظومة القيم .. كلّ القيم ؛ وفي طليعتهم مرآةُ عمري وحياتي أخي الحبيب الغالي العزيز السند هاني علي عبدالله … إنسان القيمة .. وقيمة الإنسانيّة …
فليهنأ التكريم ولتقرّ عينه وليفخر في يومِ تكريمك أيها الهاني الهنيّ والصّاحب الوفيّ والمخلص السنيّ والنبيل البَهيّ … يا ابن لبنان الوطن الرسالة والبقاع الغربيّ …

هكذا يا أخي تكرِّمنا الحياة على أيدي من يعيشون في قلبها وينأون بعقولهم وقلوبهم عن هوامشِها وترّهاتها وسخافاتها والتنكّر لأوفيائها ويدركون اعماقَ أسرارها ويخوضون لججَ أزماتها ومشكلاتها بعين البصيرة وإرادة العزم وسلاح التّفاني وروح التسامح والسلام والمحبة والحرية والوفاء لأنّهم عرفوا الحقّ فعرفوا أهلَه وأصحابَه والمستحقين لكلِّ تكريمٍ وتعظيمٍ في رِحابِ الوجود الذي كنتَ فيه وأمثالك من المكرّمين مصاديقَ شاعر ” إرادة الحياة ” الشّابي :
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ
تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ
مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِرْ
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ
رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ

وحسبي _ يا أخي _ يقيني واعتقادي أنّك عشتَ حياتك كلّها في الصّحوِ الخلّاق المبدِع بعيدًا عن كلِّ الوحول ؛ مترفّعًا عن كلِّ صغائرِ متزلّفي المناصب ؛ طامِحًا لأسمى غايات القيم واعتلاء أرقى مجالات القِمم ؛ شأنُك شأنُ سيّدنا وأستاذنا الذي عاشَ المعاناة والغربة حينَ تنكَّرَ لهُ رفاق الدّرب والعمر :
لست ذاتاً تعيشُ للّهوِ في وحي
اللذاذاتِ في هوىً واشتياقِ
لا يعيشُ الضبابُ في أفقِ أحلامي
خيالاً في غمرةِ استغراقِ
أنا في الشّمسِ توقظ الصحوَ في عينيَّ
نوراً يموج في الأحداقِ
ربِّ عمري، منك آمتداداتُ دنياهُ
إذا حمحمت خيولُ السِّباقِ
أنا أهوى الحياةَ في دربِ رضوانِكَ
إن أبعدَ الطريقُ رفاقي

ويقيني _ أيُّها الوفيّ _ أنّكَ باقٍ في كلِّ أيّامِ الحياة ونبضاتِ تجلّياتها هذه الذّات الرساليّة العظيمة المحدِّقة في نور الشّمس التوّاقة إلى دربِ رضوان الله في زمنِ بعدِ الرّفاق وغيض الوفاء وتصحُّر القيم واستشراس الإبتلاءات التي نميزُ بها خبيثَ القولِ والفعلِ والذّات من طيِّبِ الكلمةِ والعمل والنّفس الشجرةِ الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء … كما نفسُكَ التي كرّمتها أنفسُ الوفاء ذات ليلةٍ من ليالي أيلول مع كِبارٍ من بلادي …!

علي رفعت مهدي
علي النّهري ١٤ أيلول ٢٠٢٣م.
✒️مبدعون من البقاع الغربي وراشيا .
التجمع الوطني للثقافة والبيئة والتراث 🪷
📖المجلس الثقافي الإجتماعي  البقاع الغربي وراشيا

مع المكرّمِين الحاج هاني عبدالله والزميلين العزيزين غسان حجار ونبيل بو منصف ( النّهار) .

مع المكرَّمَين الحاج هاني عبدالله والأديب مروان درويش

عائلة المكرّم الحاج هاني عبدالله

مع الشاعر مارون بو شقرا واحمد البرجي

مع الفنّان أنطوان وديع الصّافي .

المكرّمون في صورة تذكارية

المصوِّر احمد موسى صاحب موقع سفير البقاع مع المكرَّمِين

مع د. جعفر عبد الخالق والإعلامي الأديب هاني عبدالله

شاهد أيضاً

الاجتماع العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ( نيويورك): بدأ اغترابيا وانتهى سياسيا!

حسن علوش  لم تتجاوز “القيادة العميقة” للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم( نيويورك) عقدة الإنفتاح والتحرر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *