الاتفاق الإطار اللبناني ــ الإسرائيلي: تعبيد طريق التطبيع؟

  • هكذا، ومن دون سابق إنذار، أعلنَ نبيه برّي التوصّل إلى «اتفاق إطار» (والعبارة أميركية) بين لبنان والعدو الإسرائيلي وبرعاية الوسيط، الذي اسمه أميركا. التوقيت غريب، لكن مقصود، إذ إنه تزامنَ مع موسم التطبيع العربي، الذي أراده دونالد ترامب رافعةً لحملته الانتخابية المترنّحة. 
  • عمل بصري للفنان الكندي شيلسي تشارلز
  • وهل هناك من يهرع لإسعاف حاكم أميركي أكثر من طغاة العرب؟ هؤلاء لو طلب الرئيس الأميركي منهم نقل الكعبة إلى لاس فيغاس لفعلوا طائعين، ولأمروا فقهاءَهم بإصدار طبعات من القرآن تتحدّث عن لاس فيغاس لا عن مكّة. تجاهل توقيت، أو سياق، الإعلان اللبناني غير ممكن، إلّا إذا كان قارئ الاتفاق، أي نبيه برّي، قد تصوّرَ أنّ الجمهور لم يسمع بعد بموسم التطبيع العربي. وقد سُئِل برّي مرّتين في مؤتمره الصحافي (ومؤتمرات وإطلالات برّي الإعلامية من النوادر) عن التطبيع، وفي المرتَيْن، لم يِجب بكلمة عن التطبيع (لا في التنديد ولا في التأييد، مع أنه بعد أيّام من المؤتمر، وفي لقاء مع وفد من «الميادين»، نطق بكلام شاعري ــــــــ مستوحى من أغنية لوديع الصافي ـــــــ عن فلسطين). لكن من حق كلّ حريص على المقاومة، وكلّ حريص على فلسطين، أن يقلق لهذا الإعلان ولأكثر من سبب. ويعرف حزب الله أنّه بصمته، جعلَ من الإعلان ثنائياً، لا فرديّاً من برّي أو حركة «أمل».
  • أولاً، صحيح أنّه كان هناك استغلال رخيص للإعلان من قبل أعداء المقاومة، ومن قبل التطبيعيّين في لبنان (أي أبواق طغاة الخليج): هؤلاء الذي يقضون الساعات والثواني، في التحريض ضدّ فكرة المقاومة، وفي السخرية منها، تنطّحوا فجأة للمزايدة على الذين أدّوا القسط الأكبر في مقاومة إسرائيل. بعض المغرّدين والمواقع التي لا تذكر فلسطين (إلا لتقويض فكرة مقاومة إسرائيل أو للسخرية من مقاطعة إسرائيل) وجدوا، فجأة، في فكرة الاتفاق تطبيعاً، كأنّ التطبيع يزعجهم. هؤلاء أنفسهم دافعوا عن «داعش» و«النصرة»، وعندما حاربهم حزب الله وطردهم من لبنان، اعترضوا لأنّ الحزب لم يُبِدهم إبادة جماعيّة عن بكرة أبيهم. بعض هؤلاء من الانعزاليّين، أي أيتام جيش الاحتلال الإسرائيلي في زمنه في لبنان، والبعض الآخر كان حتى الأمس يقول إنّ لبنان «تعب» (مثل تعب عبد الله بن زايد الذي قاتل الاحتلال الإسرائيلي من دون هوادة على مدى عقود) من القتال، على أساس أنّ أيّاً من هؤلاء حمل السلاح يوماً مع مقاومة إسرائيل. هؤلاء يريدون التطبيع، لكنّ واجبات المواقع المموّلة خليجيّاً وأوروبيّاً وأميركيّاً تفرض عليهم التعريض اليومي، وعلى مدار الساعة، بحزب الله. لكن ألم يكن حزب الله يتوقّع ذلك؟ هل هو قدّم خدمة مجانيّة لأعدائه في لبنان، كي يزايدوا عليه في المقاومة، وإن كانت المزايدة من هؤلاء ـــــــ بالذات من هؤلاء ـــــــ تحاملاً وتجنّياً ونفاقاً؟ ألم يدرس الحزب الثمن السياسي الباهظ لهذا الإعلان، مثل الثمن السياسي الباهظ الذي دفعه الحزب في سكوته (العملي) عن تهريب المجرم الفاخوري؟
  • ثانياً، لماذا يقوم نبيه برّي بالتفاوض في هذا الملف بالنيابة عن كلّ لبنان؟ ليست هذه من صلاحيّاته كرئيس لمجلس النواب. ولماذا لم تتم مناقشة الاتفاقية أمام المجلس النيابي، الذي كان يجب أن يصوِّت عليها؟ حتى عهد أمين الجميّل الفاسد (والخاضع للاحتلال الإسرائيلي) عرضَ اتفاقيّة ١٧ أيّار الذليلة على المجلس النيابي (ولم يصوِّت ضدّها غير نجاح واكيم وزاهر الخطيب، فقط). ولماذا جرت هذه المفاوضات بسرّية مطلقة، ولم يكن الشعب اللبناني يعلم عن مجرياتها غير ما صدر عن برّي أخيراً؟
  • ثالثاً، هناك سابقة طائفيّة خطيرة في أن يقوم الثنائي (أمل ـــــــ حزب الله، كي لا نقول الثنائي الشيعي، مع أن الانتخابات النيابية الحرّة في لبنان تثبت أنّ الثنائي يحوز على نحو ٩٥٪ من تأييد الشيعة، لكن من دون الانتقاص من شعبيّة إبراهيم شمس الدين الذي نال ٦٢ صوتاً في الانتخابات الأخيرة، ما جعله ممثلاً أوحد للشيعة عند دول الغرب) بتقرير هذا الملف؟ أليس هناك من سابقة قد تعود على كلّ الشيعة، وعلى كلّ لبنان، بالأذى؟ إنّ ربط هذا الملف حصراً بالشيعة يجعل التفاوض حول حقوق وطنيّة فدراليّاً لا وطنيّاً. ولو أدّت هذه المفاوضات إلى كارثة، فإنّ الذي سيتحمّل مسؤوليّتها، ظلماً، كلّ الشيعة، كما أنّ هناك من يحمّلون الموارنة، كلّ الموارنة، المسؤوليّة عن الجرائم الانعزاليّة في الحرب (وليد جنبلاط من أبرز هؤلاء). ليس هناك من طائفة وطنيّة أو طائفة خائنة. أمزجة الطوائف تتغيّر، وهي كلّها تغيّرت عبر السنوات، بالنسبة لمقاومة إسرائيل (إما سلباً أو إيجاباً)، لكنّ حَمل هذا الملف من قِبل أكثريّة في داخل طائفة، يحمّل هذه الطائفة وزراً سياسياً لا تستحقّه أي طائفة في حديقة الطوائف اللبنانية. لماذا لم تتشكّل لجنة وطنية جامعة لبحث هذا الملف والتقرير فيه، بدلاً من هذا الحصر المركزي والطائفي؟ لماذا الالتزام بتمثيل جامع (أو ناقص) للطوائف، حتى في لجنة انتخابات ملكة جمال البطّيخ، فيما حصر الثنائي ملف التفاوض به حصراً؟
  • رابعاً، استهلَّ برّي كلمته بالاستشهاد باتفاقية الهدنة، وتحدّث عن «مشاركة كولونيل أميركي». هذا غير صحيح. لم يكن للحكومة الأميركية أي دور في اتفاقية الهدنة بيننا وبين العدو، وهي جرت تحت إشراف حصري لوفد من الأمم المتحدة. قد يكون الأميركي هذا، حضر بصفته موظّفاً في الأمم المتحدة، لكن لماذا جرى ذكر ذلك؟ لماذا يحاول هذا الاتفاق استلال شرعيّة من اتفاقية لم ترَ من العدو الإسرائيلي إلا التجاهل والاحتقار؟ لقد خرق العدو اتفاقية الهدنة، منذ الخمسينيات (بالرغم من النوايا الحسنة التي أبداها جيش فؤاد شهاب نحو العدو وممارسة جنود الجيش للعبة كرة القدم مع جنود جيش الاحتلال في الجنوب) ومارس كلّ أنواع العدوان التي تحظّرها الاتفاقيّة. ماذا بقي من الاتفاقية، بعد غزوات واحتلالات لبنان من قبل العدو؟ وما زلنا نتشبّث بها، بعدما أثبت لبنان أنّ أفعل طريقة للتعاطي مع جيش الاحتلال، هي على أرض المعركة؟ اتفاقية الهدنة ماتت، ويجب على لبنان أن يعتبر نفسه في حلٍّ منها، خصوصاً أنّ العدو يحتلّ أراضي لبنانية ويحتفظ بجثث مقاومين لبنانيّين (من الحزب الشيوعي وغيره).

المصدر: الاخبار

شاهد أيضاً

الأمم المتحدة : أنقاض غزة تحتاج 14 عاما لإزالتها

قدرت الأمم المتحدة حجم الركام والأنقاض الذي يتعين إزالته في قطاع غزة بحوالي 37 مليون …