محمد سلمان.. مطرب العروبة “مسبع الكارات”!



زياد سامي عيتاني*


محمد سلمان الذي مرت ذكرى وفاته (٢٤ أيلول ١٩٩٧)، كان يلقب بالفنان “مسبع الكارات” لأنه كان فناناً شاملاً، حيث عمل في الغناء والتلحين والتمثيل والإخراج والكتابة. تميز بخفة روحه وظرافته، رغم طفولته المعذبة، ومن مظاهر خفة دمه الطريقة التي يضع فيها “السيجارة” بين الخنصر والبنصر (كان مدخناً شرهناً)، كذلك كتابة مواعيده اليومية على راحة يده حتى لا ينساها. كذلك كان كريم النفس، ينفق على أصدقائه بلا حساب…
***


الطفولة والنشأة:
ولد (سلمان محمد سعد) الإسم الحقيقي للفنان الراحل محمد سلمان في بلدة “كفردونين” قضاء صور في جنوب لبنان في 16 شباط 1922. لكنه نشأ في بيروت، وتحديداً في محلة خندق الغميق، حيث كان والده يعمل في التجارة، لكنه ما لبث أن أفلس وإبنه محمد في سن السابعة، مما جعله يعيش طفولة معذبة، إلا أن والده أصر على تعليه وإدخاله المدرسة، فتعلّم في الكلية “العاملية”، في وقت كانت والدته تعمل على ماكينة الخياطة لتساعد زوجها الذي كان يعمل ليل نهار بائعاً في سوق “سرسق”، حتى يدفعا مصاريف المدرسة لإبنهما.


وفي سن الثانية عشرة، وبعد حصوله على الشهادة الإبتدائية، بدأ سلمان يساعد والده خلال الإجازة الصيفية، ونظراً لجمال خطه، صار يعمل خطاطاً لليافطات الإعلانية التي كان يوقعها بإسم “س.سعد”، تشبهاً بخطاط مشهور آنذاك إسمه “سعدي”.


في هذه الفترة إكتشف جمال صوته، فصار يقدم الأغاني والأناشيد الوطنية في المدارس، بعدما ضماه وهو في سن مبكر الأخوين فليفل لفرقتهما، فشعر بنشوة الفرح عند سماع تصفيق زملاء الطلاب له، مما جعله يتعلق بالغناء، خصوصاً وأنه كان يتمتع بصوت جميل وبأداء محترف وبمعرفة تامة بمقامات الغناء، التي تعلمها خلال دروس تجويد القرآن في مدرسته.


في سن السابعة عشرة، وبعد تخرجه من “العاملية”، تولىّ التدريس فيها لسنوات قليلة، حيث درس اللغة العربية والقرآن الكريم والموسيقى والرياضة، ومن ثم في المدرسة “الجعفرية” في صور لمدة سنتين، إستفاد خلالها من ينابيع اللغة ويناليعها على يد مديرها عبد الحسين شرف الدين.
****


البداية غنائية:
في هذه الفترة تعرف بالصدفة على المنتج اللبناني الأصل المصري الجنسية أنطوان خوري، أحد أصحاب شركة “نحاس فيلم”، الذي أعجب بصوته وطلب منه أن يلحقه إلى مصر بعد ستة أشهر.


وبالتزامن إستمع إلى صوته الأديب خليل تقي الدين، فعرفه على صديقه الموسيقي محي الدين سلام رئيس قسم الموسيقى والغناء في الإذاعة اللبنانية، فتبناه وتولى رعايته وتوجيهه فنياً، فسجّل بعض الأغنيات بصوته في الإذاعة اللبنانية وفي إذاعة الشرق الأدنى. وهو بالمناسبة أول من غنّى “ع الهوارة” الجنوبية في إذاعة لبنان.
****


إلى مصر ممثلاً:
ثم سافر المغني الصاعد محمد سلمان بعد ستة أشهر إلى القاهرة سنة 1944، عملاً بالعقد الذي أبرمه مع شركة “نحاس فيلم”، ليفاجأ أن الشركة منهمكة بأنتاج أفلام لكبار الممثلين، فأصيب بالإحباط، إلا أنه تمكن بفعل خفة ظله وجمال صوته أن يلفت نظر رائدة السينما المصرية رائدة أمير، التي تعاقدت معه ليلعب دور البطولة أمامها في فيلم “الفلوس” الذي أخرجه إبراهيم عمارة. وحقق الفيلم نجاحاً كبيراً جعلت العقود تنهال عليه، فبلغ مجموع الأفلام المصرية التي ساهم فيها محمد سلمان بالتمثيل والغناء، والتلحين أيضا، 18 فيلماً، أغلبها بالاشتراك مع نجمات الغناء الشهيرات: ليلى مراد، وصباح، ونجاح سلام، وشادية، ونجاة علي (نجاة الكبيرة). وكان “مهرجان الحب” آخر هذه الأفلام المصرية، أخرجه حلمي رفلة سنة 1958 وهو من بطولته إلى جانب صباح.
****


الإخراج:
في سنة 1962 تحوّل محمد سلمان إلى الإخراج بعدما عاد للإستقرار في بيروت. وأول أفلامه كان “حكاية غرام” من بطولة محرم فؤاد ومها صبري.
وبلغ مجموع الأفلام التي أخرجها 31 فيلماً، السواد الأعظم فيها من بطولة أهل الغناء، ما عدا إستثناءات قليلة للغاية.

 
وحلت صباح في المرتبة الأولى من الأفلام التي أخرجها برصيد أحد عشر فيلماً، تلتها سميرة توفيق وعدد أفلامها سبعة. أما نجاح سلام فكانت بطلة 6 من أفلام محمد سلمان، وتولّى فهد بلان بطولة خمسة أفلام. بدوره وليد توفيق فكان بطل أربعة أفلام، لا سيما آخر أفلامه “أنا والعذاب وهواك” أخرجه سنة 1988.
****


التلحن:
وكما تحوّل الممثل إلى مخرج، إنتقل محمد سلمان من الغناء إلى التلحين، وإنْ كان قد ظلّ محتفظاً بجمال الصوت والأداء حتى آخر أيامه برغم تقدم العمر وفرط التدخين. ولا تزال أغانيه الأولى كمطرب عالقة في الأذهان ومنها: “يا قمورة يا امّ القدّ”، و”يا ست قديش الساعة”، ودويتو “دخل عيونك حاكينا” وقد غنّاه بالاشتراك مع نجاح سلام. وبعض هذه الأغاني من تلحين فيلمون وهبي.
***


الزواج من نجاح سلام:
تزوج نجاح سلام مرتين كانت الأولى سنة 1955، ووقع الطلاق بينهما مرتين.
وشغلت القاهرة جزءاً كبيراً من حياتهما الفنيّة، حيث أسسا في مصر شركة إنتاج “سمر فيلم”، وهو المعروف بأبو سمر، نسبة إلى إبنتها البكر.
وبرغم الطلاق ظلّت العلاقات بينهما جيدة بفضل حب الإبنتين سمر وريم لهما معاً.
***


الأغاني الوطنية:
وقد إرتبطت نجاح سلام معه في عدد من الأغاني، خصوصاً الوطنية منها. أيام الوحدة بين مصر وسورية كتب محمد سلمان “بدي عريس أسمر عربي” لحنها عفيف رضوان وغنتها نجاح سلام. والثلاثي ذاته أنتج أغنية “يا طير يا طاير، خذ البشاير/ من مصر وإجري/ على الجزائر” تحية للجزائر المناضلة ضد الاستعمار الفرنسي آنذاك. كما غنّت نجاح سلام والمطرب محمد جمال نشيد “سورية يا حبيبتي” وهو من نظم وتلحين محمد سلمان الذي شارك في الغناء أيضاً. وقد انتشر وذاع في البلدان العربية حتى خُيّل إلى البعض أنه النشيد الوطني السوري الجديد.


ويبقى اسم محمد سلمان في ذاكرة المستمعين العرب مرتبطاً بنشيد “لبيك يا علم العروبة” الذي كتبه ولحنه وغنّاه في فترة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.
***


•مسرحية واحدة “لشوشو:
في المسرح أخرج محمد سلمان مسرحية واحدة، وكانت من إعداد فارس يواكيم: “وصلت للتسعة وتسعين” من بطولة نجم الكوميديا شوشو وفرقته مع ضيف الشرف عصام رجي. نجحت هذه المسرحية فنيا وتجاريا، لتوفّر ظروف الانتاج الجيد من دون شروط ضاغطة، وبوجود بطل شعبي وفرقة قديرة استفادوا جميعا من روح سلمان الساخرة. يومها كتب الناقد نزيه خاطر في صحيفة “النهار” يقول: “إن مساهمة محمد سلمان في هذا العمل إيجابية من الزاوية المسرحية. حتى يجوز اعتباره الناجح الرئيسي في التظاهرة الشوشوية الحالية”.
***


توقف نشاط أبو سمر في بداية التسعينات مع دخوله في مرحلة المرض، بعدما عانى سنين طويلة يعاني من ثقل الديون من جراء المبالغ الهائلة التي أنفقها خدمة للفن الذي عشقه.
وللتاريخ، لا بد من التذكير بأن الفنانة نجاح سلام، رغم إنفصالهما، وقفت إلى جانبه طيلة فترة مرضه، وتكفلت بعلاجه، حتى وافته المنية…

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

شاهد أيضاً

تكتل “التوافق الوطني” التقي فرونتيسكا في دارة كرامي

التقى اعضاء تكتل “التوافق الوطني” النواب فيصل كرامي، عدنان طرابلسي، محمد يحي ،حسن مراد، وطه …