لا تخجل من اظهار الضعف

لا تخجل من اظهار الضعف، تُصبح أقوى

روزيت الفار-عمّان

السّلوك البشري المعاصر وكتاب Daring Greatly وهو من مؤلّفات الدّكتورةوالباحثة الاجتماعيّة الأمريكيّة برينيه براون Brené Brown وأحد أكثر الكتب مبيعاً حسب مجلّة نيويورك تايمزهو دعوة للتّخلّي عن مفهوم “العيب من الضّعف” Vulnerability وإبداء الجرأة في إظهاره. إذ يشكّل “الضّعف” بنظر الكاتبة، جوهر جميع المشاعر: السّلبيّة؛ كالوهن والقلق والحزن والألم، والإيجابيّة؛ كالحبِّ والفرح والنّجاح. وأوضحت بأنَّ للجرأةَ بالكشف عنه قدرة على تحويل وتطوير طرق عيشنا في التّواصل والحبِّ والتّربية للأفضل.

كما ويمكننا استخدام المزيد من الشّجاعة في التّعبير عن نقاط ضعفنا؛ لا كأمر سيٍّء أو حسن؛ بل كحقيقة واقعيّة حياديّة علينا أن نقبلها ونمارسها بأريحيّة تامّة، وسوف نكتشف بعدها بأنَّنا أصبحنا نمتلك أهمّ عوامل قوّتنا.

يرغب كلٌّ منّا بأن يعيش حياة صادقة وبملء قلبه مع نفسه ومجتمعه، لكنّ “الخوف” يحرمه من إظهار حقيقة مشاعره أمام الآخرين، والّذين بتصوّره المُسبق، سوف ينتقدوا سلوكه ويصفونه بالضّعف ويصدروا أحكاماً قاسية بحقِّه إن رأوه يفعل ذلك؛ وخصوصاً أنّنا نعيش بعالم يرغب فيه جميعنا الظّهور بمظهر القوّة والتّفرّد والثّقة بمعرفة ما يعمله. 

كيف لنا إذاً أن نجعل من ضعفنا قوّة؟

  1. لتعلم بأنّ الضّعف ليس عجزاً. فالسّماح لنفسك بأن تظهر أخطائك وجوانب النّقص لديك هو بالحقيقة شجاعة.

بالرّغم من أنَّ إخفاء مشاعر الضّعف والتّستّر عليها قد يكون مريحاً أكثر من كشفها؛ غير أنّ ذلك يحرمك التّمتّع من جوانبها الإيجابيّة الأخرى. فحين تقع بحبّ أحدهم مثلاً؛ فإنّك تمنحه الكثير ممّا لديك من طاقة قد تصل حدَّ السّماح له بجرحك دون علمٍ من جانبه. لكن حين تكشف أمرك أمامه فإنّك تعطي لنفسك، بموازاة ذلك، حقّ التّمتّع بمشاعر السّعادة والدّفء الّذي يوفّرها الحبّ بغضّ النّظر عن مدى استجابته للأمر.

  1. عليك أن تتفهّم وتستجوب مشاعرك عن “العيب” وعن دوافعها؛ وإذا ما كانت تستحقّ القلق بشأنها، إلى أن تتخلّص منها وتختفي، وذلك عبر تطوير نظام مرونة لمفهومه (العيب). وعدم الرّبط بين ما يخلقه من مشاعر الإحساس بالذّنب وبين الإهانة. فشعور الذّنب يتعلّق بالعمل السّيّء، بينما شعور الإهانة مرتبط بالشّخص ذاته. وهنا تبرز أهميّة فصل المشاعر عن الشّخصيّة.
  2. واعلم بأنَّ المشاعر مؤقّتة وأنَّ الخجل من كشفها هو ما يجعلها دائمة.
  3. تنبّه لإمكانيّة أن يصبح أطفالك لما أنت عليه. فالأطفال يتعلّمون بالقدوة أكثر من التّعليمات والنّصائح الشّفويّة. فكن أمامهم النّموذج الّذي يحتذى به. فإن أردتهم أن يكونوا صادقين وشجعان وطموحين؛ عليك أن تعيش كلّ ذلك معهم أوّلاً، وكذلك الأمر بالنّسبة لسلوكك تجاه قبول مواقع ضعفك وأخطائك والتّحدّث بها ومشاركتها معهم.

نعلم أنّ معظم صدمات الطّفولة؛ كان سببها الخوف من الانكشاف وما يتبعه من الشّعور بالإحراج. فعند تعرّض الطّفل للتّنمّر والتّهديد أو عند قيامه بأعمال سيّئة غير لائقة مع الغير، نراه يحصّن تلك المخاوف خلف درع يقيه الحرج وملامة الآخرين؛ دون أن يدرك أنَّه بذلك يسمح لها بالبقاء معه لسنوات طويلة يمكّنها من التّأثير على مستقبله. لحين أن يكتشف بنفسه أن إظهارها ليس بعار وبأنَّ عليه أن ينتزع درع الحماية الّذي استخدمه، ويتحدّث عنها كأمر عادي ممكن لأيِّ إنسان أن يتعرّض له.

يعتقد الأطفال دائماً بأنّهم يصبحوا أقوياء حين يكبرون. الأمر ليس كذلك. الحقيقة أنّهم حين يكبرون يتعلّمون بأنّ أخطائهم طبيعيّة وعليهم معالجتها والتّعلّم منها بدل إنكارها.

لماذا نشعر بالعيب من نقاط ضعفنا؟

  1. رغبتك بأن تظهر على أنّك شخص كامل.يحاول معظمنا، عند حدوث أيّ تغيير، أن يحارب مشاعر الضّعف والإرباك الّتي تُخلق لديه، ويسعى بكل طاقته لإخفائها والظّهور بشكل الشّخص الكامل الواثق بعيداً عن كلّ ما يمكن أن يظهره هشّاً ومنكسراً.
  2. قناعتك بأنّ المُتاح لايكفي أبداً أو نظريّة النّدرة. كأن تردّد: ليس لدي مستوى كاف من الكفاءة أو الجمال أو المؤهّلات المطلوبة، أو حتّى من الوقت.
  • مقارنة نفسك بالآخرينوخشيتك من تفوّقهم عليك أو بأنَّهم يملكون قدراً أوفر ممّا تملكه، أو أحقُّ وأقوى أو أجمل منّك، إلخ…

تعمل جميع تلك المشاعر على منعك من الإقدام والتّقدّم، لاعتقادك أنّك بذلك تجنّب نفسك تلقّي أيِّ صدمة أو انتقاد أو تنمّر من الآخرين. لكنَّ تحديد مخاوفك والإقرار بها وكشفها؛ يخفّف من قوّتها ومن مدى تأثيرها. تماماً كالأرواح الّتي تختفي عند تعريضها للضّوء.

للكاتبة رؤية جديدة في التّعامل مع جوانب النّقص ونقاط الضّعف والّتي تسبّب الحرج والخوف والقلق وعدم اليقين والتّردّد، وتدعونا للمجازفة بالحديث عنها بثقة كاملة تماماً كحديثنا عن نقاط القوّة الّتي نمتلك. وتقول بأنّ ليس هناك معادلة تتساوى فيها المجازفة وعدم اليقين والكشف عن أنفسنا؛ مع الضّعف. وبأنّ المزج بين الأسود والأبيض والسّيّء والحسن والجميل والقبيح؛ هو ما يجعل الحياة صحّيّة. وحين نظهر أنفسنا على حقيقتها ونجعل من ذواتنا أشخاصاً مرئيّين؛ نكون قد حقّقنا ما يسعى إليه كلّ شخص بفطرتِه، وهو العيش بأمن وسلام والحصول على الحبِّ وبناء التّواصل والشّعور بالانتماء، وهي الحاجات الجوهريّة في الحياة.

شاهد أيضاً

الشيخ الرشيدي:”متمسكون بخيار المقاومة والبندقية، سبيلًا وحيدًا لاستكمال تحرير الأرض والمقدسات”

أكَّد نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ خضر الرشيدي: “أننا، كوننا لبنانيين، لا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *