رمضانيات (6) سموّ الزمن الرمضاني



 

السيد محمد حسين فضل الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أنسنة زمن رمضان :

في رمضان يكبر الزمن ويسمو ويرتفع ويتأنسن عندما ينفتح على الإنسان كلّه، بعيداً عن كل الحواجز، ليقول له: “هذا هو الله تعالى” ليس في حدود المكان والزمان، ولكنه في كل قلب ينفتح ويصحو ويصفو ويرقّ ويلين ويعطف، هذا هو الله عرشه قلوب المؤمنين، ولكن عندما يكون الله في قلبك فلا تعلّب قلبك، ولا تصغّره، بل اجعله للحياة كلّها.. وللإنسان كلّه، لا تجعلك الحواجز التي اصطنعتها الناس تعيش الحاجز الذي يفصلك عن إنسان هنا وإنسان هناك ..
إن قلبك يختزن عقلك، وإحساسك وشعورك، وهو القلب في القرآن، الذي لا يمثّل نبضات بل فكراً وإحساساً وانفتاحاً على الحياة كلّها.

الزمن والحدث :
في رمضان يكبر الزمن ، والزمن لا يكبر من خلال ذاته، ولكنه يكبر بالحدث ، وبالخط، وبالحركة، وبكل القيم التي تدخل في كل مفاصله ليتحدّى الزمن بالقيم، فلا يكون هناك زمن تحصيه وتعدّه، ولكنه يتحوّل إلى شيء يغني عقلك ، وقلبك ، ويقول لك : ” أيها الإنسان أنا القلب مسؤوليتك وعمرك “.
فكيف هو العمر في مفهومك ؟ هل هو سنون تتتابع؟ أو هو طاقات تتفجّر وحركات تتكامل؟

الزمن الشّرقي :
إن مشكلتنا في هذا الشرق أن الزمن بالنسبة إلينا مجرد ورقة نلعبها، وأنه مجرد شيء نقتله، ونقطعه ونحاول أن نجعله شيئاً يركض فينا ليهرب منّا، وعند ذلك نقضي الحياة هرباً وانهزاميّة، والزمن يلاحقنا ليقول لنا: ” تعالوا ، فأنا عمركم ! ومصيركم ! وكلّ ما يمكن أن يثري إنسانيّتكم ويغنيها.

ولكننا تركنا الزمن يتخلّف لأننا أعطيناه كلّ تخلّفنا في كل هذه القرون التي مرّت. وحين انطلق التخلّف الفكري والسياسي والإجتماعي في الزمن ، حوّلنا التخلّف إلى مقدّس، وبهذا أصبح التخلّف قدس الأقداس ، وإذا جاء من يجرح التخلّف كي يخرج من داخله قوّة الإبداع : رجمناه بالحجارة ، وكفّرناه، وضلّلناه، وزندقناه .. لأننا نخاف على التخلّف أن يهرب منّا .. لأنّنا ألفناه ونحن قوم نقدّس ما نألف حتى لو كان ضدّ ما نعقل ، وهو ما نمارسه على طريقة المتنبي :
خُلقتُ أَلوفاً لو رجعت إلى الصّبا
لفارقتُ شيبي موجع القلب باكيا …..

القسم الأول

يتبع
28/12/2000
المرجع الراحل :
السيد محمد حسين فضل الله

تنسيق د. علي رفعت مهدي

شاهد أيضاً

الشيخ الرشيدي:”متمسكون بخيار المقاومة والبندقية، سبيلًا وحيدًا لاستكمال تحرير الأرض والمقدسات”

أكَّد نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ خضر الرشيدي: “أننا، كوننا لبنانيين، لا …