الذكرى الحزينة…

 

د. سلمان صبيحة

“البروسترويكا والغلاسنست” أحد أهم العوامل التي ساهمت في سقوط الإتحاد السوفياتي …

في العام الماضي يكون قد مر على تأسيس الإتحاد السوفياتي/ ١٠٠/ عام وعلى سقوطه /٣١ / عام ، ففي ٢٦/١٢/١٩٩١ تفكك وانهار إلى الأبد الاتحاد السوفياتي وبلمح البصر اختفت هذه الدولة العملاقة من الوجود نتيجة عوامل وأسباب عديدة ، والتي مازال الغموض يحيط بمعظمها حتى الٱن ، لكن ومع مرور الوقت بدأت بعض الحقائق تظهر وتتضح الصورة أكثر فأكثر ويبرز الدور الأمريكي والغربي القذر في التٱمر على هذه الدولة وغيرها ، “من الدول التي كانت تسمى دول المنظومة الإشتراكية “، والذي كان أحد أهم الأسباب الرئيسية في هذا السقوط، حيث صرفت مليارات الدولارات لتجنيد العملاء والمرتزقة وشراء الذمم لضرب هذا المارد الجبار بكل الوسائل والسبل وتم استغلال كل الثغرات والهفوات والأخطاء الموجودة في جسم الدولة لمصلحة تحقيق الهدف الأكبر وهو القضاء المبرم على أول دولة اشتراكية في العالم ،وكان الأعداء “خفافيش الليل ” يعملون بسرية مطلقة وبأساليب غير تقليدية “خبيثة”، وبنفس الوقت كانت أعين أجهزة الأمن الروسية تراقب بدقة وتترصد كل شيء منذ البداية ، وعلى سبيل المثال وأبان الحرب الباردة يقال بأن المخابرات الروسية ” ال كي _ جي _ بي” اكتشفت أن ثمة عميل من القيادة السوفياتية كانت له ارتباطات خارجية مع المخابرات المركزية الأمريكية، وكانت الشكوك تحوم حول شخص واحد محدد عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي ، لكن لم يكن هناك أي دليل ضده وبعد طول عناء تمت مواجهة “الرفيق” المذكور بالشكوك التي حوله وبعد أن أعطي له الأمان اعترف بعلاقته مع الأمريكان عن بعد وكانت مهمته “بسيطة جداً ولا تحتاج لأي تواصل مباشر معهم ” وهي فقط وضع الإنسان الغير مناسب في المكان المناسب وإقناع القيادة بضرورة تبني الإصلاحات الإدارية والإقتصادية والسياسية وقد لقب حينها هذا العميل ب” طرزان ” الإصلاح الإداري والعقل المفكر الإلكتروني والملهم للحزب الشيوعي السوفياتي ، الذي أوكل إليه متابعة ملف من أهم الملفات الأساسية الحساسة والخطيرة وهو ملف “الموارد البشرية ” من أجل رسم هياكل إدارية جديدة وإعداد قادة إداريين جدد لمختلف المناصب الحزبية والحكومية وذلك لمواكبة اخر التطورات العلمية و التقنية السريعة و من أجل إعادة التموضع ومواكبة التغيرات وثورة الإتصالات والتقانة والمعلومات الحاصلة على مستوى العالم وقد كان هذا “الرفيق” يعتبر مثال للشيوعي المخلص والمتفاني في العمل والبعيد كل البعد عن الشبهات…
لذلك اعتمدت المخابرات الأمريكية على هذا العميل وغيره من الخونة عندما أدركت أن سقوط الإتحاد السوفياتي وتفكيكه مستحيل من خلال حرب مباشرة , لذلك بدأت بتجنيد العملاء الحاقدين والفاسدين من قلب النظام نفسه والعمل على ضربه من الداخل ،وهكذا استمر التٱمر بأشكال وأساليب مختلفة حتى جاء العميل” الملك “السيء الصيت غورباتشوف وبإيعاز من أسياده في الغرب أطلق ماسمي ببرنامجه الإصلاحي “البروسترويكا والغلاسنست” اي “إعادة البناء والعلانية” ، الذي لاقى قبولاً كبيراً وترحيبا عارما من قبل القاعدة الشعبية وذلك نتيجة للترهل الإداري والمحسوبيات وانتشار الفساد الذي كان ينخر جسد السلطة” لقدكان مطلب حق وللاسف أريد به باطل “، و بكل هدوء وثقة تم استغلال المطالب الشعبية المحقة في الإصلاح الإداري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي والحق في إفساح المجال أكثر لحرية التعبير عن الرأي وغيرها … “لقد كانت هذه التحولات هي الفرصة الذهبية واللحظة التاريخية التي ينتظرونها الأعداء لتمرير مخططاتهم الجهنمية “، لذلك تم استغلال هذه الحالة ” حالة الغليان ، التي هم بالأساس من صنعها ” لتتحرك هذه القوى المعادية عبر خلاياها التي أيقظتها وأخذت تعمل بكل نشاط وحرية وتهيء الأرضية المناسبة للإنقضاض على الدولة السوفياتية وتحطيم مؤسساتها ، فهمشت أولاً الاتحادات الشبابية والطلابية والنسائية والمنظمات النقابية الموالية للدولة وحلتها لاحقاً وأبعدت الكوادر الحزبية والإدارية ،النظيفة والشيوعية الحقيقية المعروفة بوطنيتها وولائها للحزب والدولة ، عن كل مراكز صنع القرار وتم تلفيق التهم ونشر الإشاعات والدعايات الكاذبة والمغرضة وتشويه تاريخ القيادات والإساءة لسمعتها المهنية والأخلاقية بكل وقاحة ، وتم الإنفتاح على مزابل الغرب وكل تفاهته من بابه القذر الواسع وتم إدخال مفاهيم غريبة على المجتمع السوفياتي ،وجاء الخبراء والمستشارين الأوروبيين لوضع البرامج الإدارية للتطوير والتحديث المؤسساتي للدولة و قاموا تدريجيا بإلغاءالنظام الاقتصادي الاشتراكي الموجه و الذي يعتمد بالأساس على الخطط الخمسية ،والتوجه المباشر نحو الانفتاح على اقتصاد السوق الرأسمالي الذي عززه دخول صندوق النقد والبنك الدوليين على الخط وتم ذلك كله بمباركة ودعم بعض “الرفاق ” المسؤولين في القيادة …
لقد تم بالفعل “تطفيش “وتسهيل هجرة الكفاءات والعقول الروسية والعلماء السوفييت خارج البلاد وذلك كله لتمهيد الطريق إلى نجاح الإنقلاب الكبير وتحقيق النصر بدون أن تخسر القوى الغربية أي شيء يذكر لأن هذه القوى اتبعت سياسة “من دهنو سقيلو ، ودع عدوك يقتل نفسه بيده “…وهكذا حدثت أكبر خيانة ومأساة عرفها التاريخ الحديث .
يقول البعض: بأنه وبعد فترة من سقوط الإتحاد السوفياتي ،ظهرت بعض التسريبات هنا وهناك عن تلك الفترة السوداء ، ومن ضمنها بأنه وفي إحدى المناسبات وعندما كانت تحتفل مجموعة من الأوغاد والخونة بسقوط الإتحاد السوفياتي ، وبينما كان كل واحد منهم يستعرض بكل فخر دوره ومساهمته في هذا السقوط، اعترف أحدهم والذي كان من كبار مساعدي غورباتشوف بأنه هو من نقل له الرسالة وكلمة السر بضرورة إطلاق برنامجه الإصلاحي المذكور أعلاه “في ذلك الوقت المناسب وهو من تولى إقناع القيادة ” بمساعدة بعض الأسماء المعروفة في قيادة المكتب السياسي” بضرورة التغير والإستفادة من التجربة الأمريكية والفرنسية في الإدارة وقام بقص ولصق هذه التجارب وتقديمها كمشاريع للتنمية الإدارية و التطوير الإداري وفرض الإبعاد على الكوادر والخبرات الوطنية بشتى الطرق والأساليب بحجة البحث عن القيادات الشابة المنفتحة لتأهيلها ، وبغية التخلص من الحرس الحزبي والإداري القديم المتحجر الموالي للدولة والحزب…الخ…وأضاف هذا العميل قائلاً :
(( قمنا بالتشاور مع أصدقائنا “شركائنا ” الغربيين بوضع عراقيل وحواجز تحت مختلف المسميات الوظيفية للكادر الإداري والحزبي وتقليصه مثل وضع نظام للتقاعد ، و اعادة الهيكلة للمؤسسات والشركات ووضع شروط ومعايير وسلم وظيفي وسنوات خدمة محددة في المناصب للقادة الإداريين وإجراء إمتحان كفاءة قيادية وتقيم دوري للمدراء …الخ ، ومن كان يعارض خطتنا ولوكان من جيل الشباب أو تنطبق عليه كل المواصفات كان مصيره السجن أو الإبعاد بشتى الطرق والأساليب. و من كان معنا ومؤيد لخطنا وكان من الجيل القديم ومخالف للمعايير التي وضعناها كنا نتبناه و ندعمه بشتى الحجج ، وتحت عنوان ” الخبرات النادرة ” ونقربه منا ومن مركز صنع القرار .))….وهكذا استمر التخريب الممنهج بهذا العمل وبهذا التضليل وتفريغ مؤسسات وأجهزة الدولة من كوادرها الوطنية المجربة وقاماتها العلمية والإدارية المشهود لها وتم ضرب القطاع العام وبيع أغلبه وخصخصته حتى سقطت الدولة بدون مقاومة تذكر بعد أن تم هدم كل مقومات صمودها وإبعاد الجماهير الشعبية، حاضنتها الأساسية عنها ،وبالتالي كان سقوط الإتحاد السوفياتي سقوطاً مدوياً وكارثة حقيقية ليست فقط على شعوبه بل وعلى البشرية التقدمية والإنسانية جمعاء …
الرئيس بوتين قال عن هذه الكارثة بالحرف : ” من لم يحزن لسقوط الإتحاد السوفياتي هو بلا قلب ، ومن يعتقد بعودته كما كان هو بلا عقل “…
١٢/١/٢٠٢٣.

شاهد أيضاً

ضاهر: “نطالب وزير الصناعة بالاعتذار علنا عن الإساءة لجدعون وتشويه سمعته”

قال النائب ميشال ضاهر في بيان صدر عنه: “بعد حوالى 11 شهرًا على إحالة المدير …