بين مفهوم السلطة ومفهوم الـوطـن… دُمّر الوطن!!…

سؤال  طرحه روبرت‎ فيسك، مراسل «الاندبندنت» البريطانية، حول سبب نظافة بيوت العرب، في حين شوارعهم على النَّقيض من ذلك. والاجمل هو تفسيره ‎أنَّ العرب يشعرون بأنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون بأنَّهم يملكون أوطانهم.. ومن ثَم نجد خلطاً بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومات.. فمن يغضب عندنا من اي عيب حكومي؛ من فوضى او خرق القانون او تفشٍّ او واسطة او وضع الشخص غير المناسب في منصب رفيع،  تذمّر من البلد كله، وصبّ جام غضبه على الوطن ومن يسكنه.

من المؤسف أن ما نراه  عند المتذمّرين والحانقين والغاضبين في لبنان، خاصة من الشباب الذين يستخدمون مصطلح “هالبلد ما بيسوى” في كل تعبير يصدر منهم عن عدم الرضا. والمؤلم أكثر ان هذه الفئة من الشباب التي ينتشر بينها هذا الشعور.. لا يبذلون جهدا للاصلاح والتطوير او مجرد السعي … فقط  يكتفون بالتذمّر والشكوى ولعن الساعة التي يبقون فيها في هذا البلد، مستندين إلى جمال الحياة في دول اخرى، حيث تطبيق القانون والالتزام به في كل جوانب الحياة، والمقارنة بين هنا وهناك…

لذلك فإننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالعمل على تعزيز ثقافة “الوطن” والتخلي عن الشخصنة وتدعيم مفاهيم الوطن والمواطنة لا سيما أننا كشعب معنيون بانتشال لبنان من وسط ركام الانهيار الذي يعاني منه.

ولا شك أن الوصول إلى إنضاج وترسيخ “مفهوم الوطن” ليس بالأمر السهل ويعترضه عقبات كثيرة ويواجه مخاض عسير وطويل، لا سيما أننا نعيش في دولة طوائف دينية وسياسية جعلت من المجتمع مجموعة من الجزر المنعزلة متعددة “البواصل” الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية والتي تتقاطع في أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها السياسية، أدت الى اختلاط المفاهيم بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة…إذ أن المواطن يشعر أنَّه يملك بيته، لكنه لا يشعر أنَّه يملك وطنه.

وهذا يعود  إلى سببين:

الأول: أنعدام ثقافة المواطنة، وانتشار ثقافة التبعية.

والثاني:  الخلط بين مفهوم الوطن ومفهوم السلطة، الذي يعتبر كارثة بحد ذاته، فالسلطة أو “الحكومة” هي الإدارة السياسية  للبلد والمجتمع وتنظيمه، لفترة معينة من عمر الوطن، وهي شكل من أشكال ممارسة السلطة في المجتمعات،  ولا من حكومة تستمر للأبد .. في حين أن الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي احتضن الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، وهو الفكر والثقافة والحضارة والكتب، والعادات والتقاليد ..

ومما لا لُبسَ فيه أن من حقِّ كل مواطن أن يعارض السلطة أو “الحكومة” وأن يَنقُم عليها، ولكن ليس من حقِّه أن يحقد على الوطن .. والمصيبة الأكبر من الإلتباس الحاصل بين المفهومين،  هو الإعتقاد الخاطيء بأنَّ الإنتقام من الحكومة او”الطبقة السياسية”  يكون من خلال تدمير الوطن… وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا! ..

ونحن في حقيقة الأمر نجلد أنفسنا وننتقم من الوطن وليس من الحكومة أو الطبقة السياسية، (على قاعدة لَحسْ المبرد)..  ، فالحكومات تُعاقبُ بأساليب أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً!! ..

خلاصة القول، الحكومة ليست هي الوطن… شئنا هذا أَم أبَينا!..، ومشاكلنا مع الحكومة “السياسيين”  لا يحلُّها تدمير الوطن .. فالشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّه يعتبر بأن حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل..

ولو تأمَّلنا ذواتنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنَّه لا أحد يسيء لوطننا بقدر ما نفعل نحن .. فالوطن لا يحتاج فقط الى شوارع نظيفة ليكون وطناً،  بل يحتاج إلى أُناسٍ أنقياء تجعله وطناً حقيقياً…

فادي ياض سعد

شاهد أيضاً

المرتضى من طرابلس: لبنان ليس سوى أيقونة جرح لا يكف عن نزيف ولا يتعب من صمود ولا يسعى إلا الى انتصار

رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن “التحدي الحضاري الأكبر يكمن في قدرة الإنسان …